د. عبد الرحمن أمين
على الرغم من استخدام اللقاحات في أنحاء العالم للقضاء على الأمراض المعدية، والحد من انتشارها، فإن عبء تلك الأمراض لا يزال مرهقا للمجتمعات والأفراد، ولا سيما في البلدان النامية. ولاتزال العدوى مسؤولة عن نحو 40 % من جميع الوفيات المسجلة في العالم.
وهنالك آمال واعدة في هذا الشأن تتمثل في استراتيجيات صحية متنوعة تتضمن توسيع نطاق استخدام اللقاحات الموجودة، وترسيخ تكنولوجيات جديدة لإيصال اللقاحات والعمل على اكتشاف وإنتاج لقاحات جديدة، مع التركيز على الفيروسات والبكتيريا والطفيليات.
ويمثل التطعيم حاليا أنجح أشكال الوقاية من الأمراض المعدية. وخلال العشرين سنة الماضية تحسنت تكنولوجيا اللقاحات، مما أدى إلى إنتاج لقاحات ضد عدد من الأمراض المعدية.
ويعتبر استئصال الجدري من العالم وانحسار عدد حالات شلل الأطفال بنسبة تبلغ أكثر من 99 % من أكثر الأمثلة وضوحا على تأثير اللقاحات في البشر.
طرق جديدة
إن استخدام اللقاحات الموجودة حالياً بطرق مختلفة ربما يكون واعداً في المستقبل. وأحد الأمثلة على ذلك هو إعطاء لقاح ميت – يُعطى عادة أثناء مرحلة الطفولة- إلى المرأة الحامل لتعزيز مستويات الأجسام المضادة في الأم ، مما يسمح لتلك الأجسام الإضافية بالوصول إلى الجنين عن طريق المشيمة، وعبر حليب الثدي إلى الطفل الرضيع . هذه الطريقة تحمي المولود الجديد وتقلل من الأعراض الجانبية التي يمكن أن تحدث للطفل إذا أعطيت له بعد الولادة. وفي المستقبل، قد يكون إعطاء لقاح الملاريا بهذه الطريقة مفيدًا لحماية المواليد الجدد من الإصابة بالعدوى بشكل مزمن منذ الولادة.
وهناك طريقة أخرى لتطبيق اللقاحات الموجودة بشكل أكثر فعالية، وهي استهداف كبار السن الذين يشكلون نسبة متزايدة من السكان. وعلى سبيل المثال، فإن كبار السن في المستشفيات هم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، مثل المكورات الرئوية وفيروس الأنفلونزا والحلاء المنطقي.
تناول اللقاحات
هناك تقنيات قيد التطوير ستسهم في تحسين فعالية اللقاحات. فلتصنيع لقاح يعطى مرة واحدة بدلاً من إعطاء جرعات متعددة، يحتاج ذلك إلى أن يكون اللقاح قويا جدا، أو أن تتم تعبئته بحيث يتم تحرير محتوياته بشكل متقطع بمجرد حقنه داخل الجسم. وتقوم شركات تصنيع اللقاحات بتجربة إنتاج لقاحات بتقنيات الجسيمات المتعددة الطبقات بحيث تستغني عن الجرعات المتعددة.
وهنالك لقاحات يمكن أخذها بطرق غير الحقن، مثل لقاحات شلل الأطفال والروتا الحية التي تعطى عن طريق الفم، ولقاح فيروس الأنفلونزا الحي الذي يعطى عن طريق رذاذ الأنف. وحاليا، تؤخذ معظم اللقاحات عن طريق الحقن. ويعمل الباحثون على تصنيع مواد لقاح (من نباتات) يمكن تناولها عن طريق الفم، أو من خلال لصاقات جلدية دون استخدام الوخز، أو بتقنيات الحقن المجهري لأخذ اللقاح من خلال الجلد دون ألم.
لقاحات فعالة لاستهداف العداوى
معظم اللقاحات الناجحة تحمي من العدوى الحادة بشكل كبير من خلال إنتاج الأجسام المضادة. ولا تزال اللقاحات الخاصة بالأمراض المعدية المزمنة، خاصةً اللقاحات ضد مرض الملاريا والسل، تمثل مشكلة كبيرة. وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن الفيروسات والبكتيريا والطفيليات التي تسبب تلك العداوى تختفي من جهاز المناعة في خلايا الشخص نفسه. وللتغلب على هذه المشكلة، هناك حاجة إلى استجابة مناعية بوساطة خلايا T المناعية، بدلاً من، أو إضافة إلى، استجابة الجسم المضاد. وتهدف الأبحاث الحالية إلى إنتاج لقاحات جديدة بالكامل أو إنتاج إصدارات محسنة من اللقاحات الموجودة.
وهناك لقاحات فعالة لاستهداف العدوى التي تؤدي إلى مضاعفات طويلة المدى، مثل السرطان. تشمل الأمثلة على تلك اللقاحات اللقاح المضاد لفيروس الورم الحليمي البشري (HPV) الذي قد يؤدي إلى سرطان عنق الرحم، و اللقاح المضاد لالتهاب الكبد B ، هذا المرض الذي قد يؤدي إلى الإصابة بسرطان الكبد. من ناحية أخرى، لا يوجد حتى الآن لقاحات مضادة للعدوى الأخرى المرتبطة بالعديد من المضاعفات الخطيرة على المدى الطويل. على سبيل المثال، العدوى ببكتريا الملوية البوابية Helicobacter pylori التي قد تسبب الإصابة بسرطان المعدة ، والعدوى بالمجموعة “ أ “ من المكورات العقدية المسؤولة عن الإصابة بالحمى الروماتيزمية ، التي لا تزال تعتبر سببًا رئيسيًا للوفاة والعجز في البلدان النامية، وعدوى الكلاميديا التي يمكن أن تؤدي إلى العقم والعمى .
ويهدف الطب الحديث إلى استخدام اللقاحات لعلاج الأمراض المعدية وغير المعدية وليس الوقاية منها فقط. وتستهدف هذه اللقاحات العلاجية العدوى المستمرة، مثل القوباء المنطقية وكذلك في الحالات غير المعدية، بما في ذلك اضطرابات المناعة الذاتية، والحساسية والسرطانات التي لا تتعلق بالعدوى. وفي حالة الأورام، يمكن توجيه اللقاح إما ضد الورم نفسه أو يتم تصميمه لتوسيع الاستجابة المناعية المضادة للورم. وعلى النقيض من ذلك، بالنسبة للاضطرابات الذاتية أو الحساسية، يتم تصميم اللقاحات لإيقاف الاستجابات المناعية غير المرغوب فيها، وهو ما يطلق عليه اسم « التطعيم السلبي » بدلاً من حث الاستجابة المناعية المفيدة اللازمة للوقاية من العدوى والسرطان.
خطوط إنتاج اللقاحات الجديدة
تنشر منظمة الصحة العالمية دوريا قائمة باللقاحات المرشحة لأن يتم إنتاجها قريبا. وتضم القائمة المحدثة ( يناير 2018) لقاحات ضد سبعة من الأمراض السارية: مرض فيروس نقص المناعة البشرية ( الإيدز) ، الملاريا ، السل ( الدرن الرئوي)، والفيروس التنفسي المخلوي (RSV) ، و الأشريكية القولونية المنتجة للذيفان المعوي Enterotoxigenic E. Coli (ETEC) ، والشيغلا Shigella وفيروس النورو Norovirus. واختارت المنظمة هذه الأمراض بطريقة تجريبية إلى حد ما، ومن المتوقع توسيع القائمة في المستقبل، إذ يتم تحديث القائمة مرة كل 6 أشهر.
لقاحات ضد الثلاثة الكبار
يشكل كل من الإيدز والملاريا والسل خطورة عالمية كبيرة، لذا فإن مكافحتها أمر بالغ الصعوبة، وإنتاج لقاحات ضدها يعتبر إنجازاً كبيرا.
والملاريا من أكثر المشكلات الصحية تعقيداً في العالم، حيث يواجه نصف سكان العالم تقريباً أخطار الإصابة بالمرض. ويصاب به ما بين 200 إلى 250 مليون شخص كل عام في العالم، 90% منهم في أفريقيا. ويبلغ عدد حالات الوفاة به سنويا أكثر من 400 ألف شخص.
وذكرت منظمة الصحة العالمية أن أول لقاح ضد مرض الملاريا سيكون متاحا بحلول عام 2018، حيث سيكون قادرا على إنقاذ عشرات الآلاف من الأرواح البشرية.
ويحفز اللقاح الذي يحمل اسم “RTS”، الجهاز المناعي ليهاجم طفيل الملاريا . ويتوقع خبراء المنظمة أن ينقذ اللقاح الجديد، إلى جانب وسائل مكافحة الملاريا الأخرى، عشرات الآلاف من الأرواح في أفريقيا، ومن ثم القضاء على الملاريا في العالم بحلول عام 2040.
لقاحات العقد المقبل
تعقد الجهات الصحية العالمية الآمال على أن يتم توسيع دائرة إنتاج اللقاحات والأمصال الواقية من الأمراض المعدية وغير المعدية خلال العقد المقبل لتشمل أمراضا معدية مثل مرض زيكا، وإسهال فيروس النورو، ومرض السيلان. وتتوسع الدائرة الوقائية أيضاً لتشمل تطعيمات واعدة ضد مرض السرطان وإدمان الهيروين وأمراض المناعة الذاتية التي لطالما أرقت البشرية. وفيما يأتي بعض اللقاحات الواعدة التي مازالت قيد البحث:
لقاح يعطي مناعة ضد الأنفلونزا مدى الحياة
يشجع مسؤولو الصحة العامة في جميع أنحاء العالم الناس على تناول لقاح الأنفلونزا كل عام؛ ذلك المرض الذي يعد من أكثر الأمراض فتكًا في تاريخ البشرية. وفيروس الأنفلونزا لا يحوي العديد من السلالات فقط، بل لأنه من الفيروسات التي تتحور بسرعة. ويعني ذلك أن اللقاح الذي كان فعالا في العام الماضي ربما لا يكون فعالا هذا العام.
ويعمل الباحثون في ملبورن بأستراليا على فهم كيفية تعرف خلايا الذاكرة في جهاز المناعة – التي تسمى الخلايا التائية T-Cells – على أجزاء من الفيروس تميل إلى أن تكون هي نفسها بين فيروسات الأنفلونزا المختلفة. وهذا قد يعني أنه حتى عندما يتم غزو الجسم بواسطة سلالة جديدة من الأنفلونزا، فإن نظام المناعة سيعاد تنشيطه للقضاء على الفيروس.
شرائط لاصقة تعطي المناعة
يطور باحثون في معهد جورجيا للتكنولوجيا هذه الشرائط بالتعاون مع مهندسين اخترعوا شريطا لاصقا يشبه لصاقات النيكوتين يحوي 100 إبرة صغيرة لتوصيل اللقاح إلى الجسم.
وأثبتت هذه التكنولوجيا فعاليتها في المختبرات، لتفادي الأعراض الجانبية التي يمكن أن يحدثها اللقاح الحالي. وتظل هذه اللصاقات التي توضع على الجلد ثابتة لأشهر في درجة حرارة الغرفة، ولا يلزم وجود مهارة خاصة لتثبيتها، وهي غير مؤلمة إطلاقا.
لقاح لإدمان الكوكايين
يجري فريق من الباحثين في جامعة تكساس اختبارت على لقاح واعد لإدمان الكوكايين من خلال علاج فرط نشاط دماغ المدمن. وهو يعمل على تدريب الجهاز المناعي لتحديد ومنع وصول المادة الغريبة، وهي جزيئات الكوكايين، إلى الدماغ.