أحمد عبد الحميد
كان من اللافت اختيار (التقرير السادس لتوقعات البيئة العالمية”GEO”) الذي أطلقته منظمة الأمم المتحدة الشهر الماضي للعبارة (كوكب سليم..أناس أصحاء) عنوانا للتقرير، إيمانا منها بأهمية المحافظة على صحة البشرية من خلال إبقاء كوكب الأرض خاليا من الملوثات والمحافظة على موارده الطبيعية وصونها.
والتقرير الذي أطلقته المنظمة خلال اجتماع وزراء البيئة من جميع أنحاء العالم في العاصمة الكينية نيروبي للمشاركة في الدورة الرابعة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة المنتدى، التي تعد المنتدى البيئي الأعلى مستوى في العالم، يعد التقييم الأكثر شمولية ودقة حول حالة البيئة الذي أنجزته المنظمة في السنوات الخمس الماضية، ويحذر بصورة واضحة من أن الأضرار التي تلحق بكوكب الأرض تعد بالغة الخطورة، وتعرض صحة الناس للخطر بشكل متزايد ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة.
مخاطر محدقة بالبشرية
وتقرير توقعات البيئة العالمية هو ثمرة عملية تشاورية وتشاركية لإعداد تقييم مستقل لحالة البيئة، وفعالية الاستجابة السياساتية للتصدي للتحديات البيئية والمسارات المختلفة الممكنة لتحقيق الأهداف البيئية المتنوعة المتفق عليها دوليا. وتمثل تقارير توقعات البيئة العالمية سلسلة من الدراسات التي تسترشد بها الحكومات وغيرها من الجهات صاحبة المصلحة في صنع القرارات البيئية، كما ذكرت مقدمة التقرير.
ويهدف التقرير إلى توفير مصدر سليم قائم على الأدلة للمعلومات البيئية من أجل مساعدة مقرري السياسات والمجتمع على تحقيق البعد البيئي من خطة عام 2030 للتنمية المستدامة والأهداف البيئية المتفق عليها دوليا وتنفيذ الاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف. وهي تفعل ذلك بتقييم المعلومات والبيانات العلمية الحديثة، وتحليل السياسات البيئية الحالية والسابقة، وتحديد الخيارات المتاحة مستقبلا لتحقيق التنمية المستدامة بحلول عام 2050.
ووفق الملخص التنفيذي للتقرير فإنه منذ صدور النسخة الأولى من توقعات البيئة العالمية عام 1997، ظهر الكثير من الأمثلة على تحسن البيئة، لاسيما حيثما حُدِّدَت المشكلات جيدا وأمكن التحكم فيها، وحيثما توافرت الحلول التنظيمية والتكنولوجية بسهولة. ومازال هناك الكثير الذي يمكن تحقيقه في هذا الصدد من خلال تنفيذ السياسات القائمة بفعالية أكبر.
غير أن الحالة العامة للبيئة العالمية استمرت في التدهور منذ صدور تلك النسخة، على الرغم مما يُبذل من جهود على صعيد السياسات البيئية في جميع البلدان والمناطق. وتعرقل جهود السياسات البيئية مجموعة متنوعة من العوامل، لا سيما أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة في معظم البلدان، وتغير المناخ. وتخلُص النسخة السادسة إلى أن الأنشطة البشرية غير المستدامة على الصعيد العالمي تسببت في تدهور النظم الإيكولوجية لكوكب الأرض، مما يعرّض للخطر الأسس الإيكولوجية للمجتمع.
ويدعو التقرير إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإيقاف هذه الحالة وعكس توجهها، مما يحمي الصحة البشرية وصحة البيئة ويحافظ على السلامة الحالية والمستقبلية للنظم الإيكولوجية العالمية. وتشمل الإجراءات الرئيسية الحد من تدهور الأراضي وتلوث الهواء والماء وفقدان التنوع البيولوجي، وتحسين إدارة المياه، والتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، والكفاءة في استخدام الموارد وتحسين إدارتها والالتفات إلى تخفيض انبعاثات الكربون والفصل بين النمو الاقتصادي وتدهور البيئة، وإزالة السمية عن البيئة، ومنع حدوث المخاطر والكوارث وإدارتها. وهذه تتطلب وجود سياسات فعالة أكثر طموحا، تشمل الاستهلاك والإنتاج المستدامين، وزيادة الكفاءة في استخدام الموارد وتحسين أساليب إدارتها، والإدارة المتكاملة للنظم الإيكولوجية، والإدارة المتكاملة للنفايات ومنع إنتاجها.
معالجة القضايا البيئية
يشدد التقرير على أهمية تعميم الاعتبارات البيئية في القرارات الاجتماعية والاقتصادية. ويرى أن أفضل سبيل لمعالجة القضايا البيئية هو تناولها بالاقتران مع المسائل الاقتصادية والاجتماعية ذات الصلة، مع مراعاة أوجه التآزر والمفاضلة بين مختلف الأهداف والغايات، ويشمل ذلك مراعاة بعدي الإنصاف والمساواة بين الجنسين. ويمكن تحسين الحوكمة على الصعد المحلي والوطني والإقليمي والعالمي، بما في ذلك التنسيق الواسع النطاق بين مجالات السياسات. ويجب وضع سياسات بيئية أكثر طموحا تطبق على نحو أكثر فعالية، لكنها لا تكفي وحدها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي الوقت نفسه الذي يُسعى فيه إلى كفالة استدامة مصادر التمويل من أجل التنمية المستدامة ومواءمة التدفقات المالية مع الأولويات البيئية، يتعين تعزيز القدرات وأخذ البيانات العلمية في الاعتبار للإدارة البيئية. ومن شأن الالتزام القوي من جميع الجهات صاحبة المصلحة والشراكات والتعاون الدولي أن تيسر بشكل كبير تحقيق الأهداف البيئية.
ووفقا للتقرير فإن البيئة السليمة تمثل أفضل أساس لتحقيق الازدهار الاقتصادي والصحة والرفاهية البشريين. وكان للسلوك البشري آثار متنوعة على التنوع البيولوجي والغلاف الجوي والمحيطات والماء واليابسة، وهي تراوح بين الخطير وما لا يمكن تداركه. وأدى تلوث الغلاف الجوي إلى أشد الأضرار يليه تدهور المياه والتنوع البيولوجي والمحيطات وبيئة اليابسة. لذا من المهم تحقيق الفرص في بلوغ الرخاء والرفاهية للمحافظة على سلامة النظم الإيكولوجية أواسترادها، وذلك باتباع مسارات للتنمية المستدامة يجري تقاسمها والعمل بها على الصعيد العالمي.
ويبرز التقرير العوامل الدافعة العالمية الرئيسية للتغير البيئي، وحالة البيئة، ونطاق الاستجابات السياساتية وفعاليتها، والمسارات المحتملة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في عالم متزايد التعقيد، والاحتياجات من البيانات والمعلومات والفرص التي يمكن أن تدعم عملية صنع القرار من أجل تحقيق تلك الأهداف.
ابتكارات تكنولوجية
ويسلط التقرير الضور على النمو غير المسبوق الذي شهده مجال الابتكارات التكنولوجية منذ تسعينيات القرن الماضي، عالميا وتاريخيا على حد سواء، وقال إنه عاد بمنافع كثيرة على حياة الناس، لكن صاحبته بعض العواقب السلبية.
ويمكن لبعض الابتكارات التكنولوجية والاجتماعية أن تقلل الضغوط البيئية المصاحبة للاستهلاك والإنتاج غير المستدامين. ويمكن لتحسين سبل الوصول إلى أنواع التكنولوجيا البيئية القائمة التي تتكيف مع الظروف المحلية أن يساعد البلدان على تحقيق الأهداف البيئية بسرعة أكبر. وبتطبيق النهج التحوطية وفقا للاتفاقات الدولية، إزاء الابتكارات التكنولوجية الجديدة يمكن الحد من الآثار السلبية غير المقصودة على صحة البشر والنظم الإيكولوجية.