قطع الكويت المرجانية .. درر متلألئة تزين بحرها
- الكويت تحوي عددا من القطع المرجانية المغمورة تحت المياه تتوزع في أكثر من موقع ببحر الكويت، وبخاصة قبالة ساحل الكويت الجنوبي أمام عريفجان والجليعة وبنيدر ورأس الزور والخيران
- القطع المرجانية الكويتية تحظى بتجمعات ثرية من الشعاب المرجانية وأنواع عديدة من الأسماك والقشريات والجلدشوكيات، وبعضها كانت من أهم مناطق الصيد ومغاصات البحث عن اللؤلؤ.
د. وحيد محمد مفضل
خبير بالمنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية (روبمي)
تضم دولة الكويت كوكبة متنوعة من الجزر البحرية الطبيعية تبلغ تسع جزر، تتراص بطول مياه الكويت الإقليمية من الشمال إلى الجنوب في تناغم لافت مكونة سياجا بحريا طبيعيا، فضلا عن جزيرتين صناعيتين أنشئتا مؤخرا في قلب جون الكويت ضمن مشروع جسر الشيخ جابر البحري. كما تحظى دولة الكويت بعدد مماثل أو أكثر قليلا من الرقع أو القطع المرجانية المغمورة تحت المياه وغير الظاهرة على السطح. وهذه الرقع تتوزع في أكثر من موقع ببحر الكويت، وبخاصة قبالة ساحل الكويت الجنوبي أمام عريفجان والجليعة وبنيدر ورأس الزور والخيران، وكذلك في عمق المياه الكويتية بالقرب من الجزر الجنوبية الثلاث كبر وقاروه وأم المرادم، المشهورة هي الأخرى بكثرة وجود المستوطنات المرجانية حولها.
وتحظى تلك القطع، على صغر حجمها وقلة امتدادها، بتجمعات ثرية من الشعاب المرجانية وأنواع عديدة من الأسماك والقشريات والجلد شوكيات وغيرها من الكائنات. وبعض المناطق المحيطة بها كانت تعدّ في الماضي من أهم مناطق الصيد ومغاصات البحث عن اللؤلؤ، مثل رقعة بنيدر في الجنوب التي تحتل مكانة كبيرة في سجل التراث البحري الكويتي.
ويعود نمو وتكون هذه الرقع الغنية بالمستعمرات المرجانية قبالة الساحل الجنوبي لدولة الكويت إلى توافر الظروف البيئية والطبيعية المناسبة، من صفاء المياه وقلة العكارة والإضاءة المثلى ودرجة الحرارة المناسبة، وغيرها من الظروف الإيكولوجية الملائمة لنمو تكوينات الشعاب المرجانية ومستعمراتها. لذا فإن الساحل الجنوبي والمناطق الجنوبية من المياه الإقليمية الكويتية بشكل عام تحظى بقدر وافر من هذه التكوينات ومن الشعاب المرجانية الصخرية. ومقابل ذلك لا تحظى سواحل الكويت الشمالية ولا أي موقع آخر في بحر الكويت بأي تكوين أو قطعة مرجانية؛ نظرا لافتقارها إلى العوامل الملائمة وارتفاع درجة العكارة فيها بشكل لافت.
وهناك نحو 35 نوعا من المرجان الصلب في المياه الكويتية، منها 29 نوعاً بانية للشعاب المرجانية وستة غير بانية (غضة وغير صخرية)، وهناك أكثر من 100 نوع من الأسماك التي تستوطن تلك الشعاب.
وسميت تلك الرقع الفريدة بأسماء محددة يعرف مواقعها بدقة النواخذة والبحارة وهواة الغوص وكل من كان يعمل بالغوص على اللؤلؤ في الكويت قديما. ولعل من أبرز وأشهر هذه القطع مديرة وأم العيش (صخرة تايلور) وقطعة عريفجان وسلامة وبنيدر ورأس الزور والبنية، وإن وجدت قطعا أخرى أصغر حجما وأقل ثراء أمام سواحل البدع والفنيطيس ورأس الجليعة ورأس حمارة. وجميع هذه القطع توجد عند أعماق ضحلة نسبيا، لا تتجاوز 15 مترا، لكن لكل منها خصائص بيئية مميزة وتكوينات لافتة تستحق أن نسلط الضوء عليها، إضافة إلى أهميتها للسياحة والغوص والصيد.
1- قطعة عريفجان:
تقع هذه القطعة على عمق 12 مترا بالقرب من ساحل الأحمدي في منطقة بحرية تبعد 10 كيلومترات جنوب شرق ميناء الشعيبة، وتحديدا عند تقاطع خط عرض 28:59:54° شمالا مع خط طول 48:15:36° شرقا، ويمكن على ذلك الوصول إليها بسهولة من شاطئ الفحيحيل أو ميناء عبدالله.
وتعد قطعة عريفجان أكبر شعاب منبسطة في المنطقة، ذلك أن كثيرا من الشعاب فيها قد نما وتراكم على أنقاض وهيكل سفينة غرقت في الموقع نفسه قبل 40 عاما. وتتصف هذه الشعاب في واجهتها الشرقية بتنوع وثراء مجموعات المرجان المتاحة، حيث يوجد حطام السفينة المذكورة، في حين تقل درجة الثراء هذه ومقدار التنوع بالواجهة الغربية؛ نظرا لانتشار الرمال وفتات المرجان في معظم أجزاء ذلك الجانب. وتتشكل أغلب المستعمرات والتكوينات المرجانية المتاحة في هذه القطعة من المرجان الكتلي massive corals والمخي brain corals، وهي توفر أيضا المأوى لأنواع أخرى من الكائنات البحرية مثل الإسفنجيات والمحاريات والحبار.
2- قطعة أم العيش (صخرة تايلور):
قطعة مرجانية صغيرة بيضاوية الشكل تمتد بطول 600 متر تقريبا، وتقع على بعد 10 كيلومترات أو أقل قليلا جنوب شرق جزيرة كبر، عند تقاطع خط عرض 29:01:31° شمالا مع خط طول 48:34:34° شرقا.
وتنمو الشعاب في هذه المنطقة على شكل هرمي، حيث تنحدر الشعاب فيها نحو القاع بحدة في الطرف الشمالي، ويقل الانحدار في الطرف الغربي. ويتدرج الانحدار في الجهة الجنوبية حتى 15 مترا، ومن ثم يتجه الانحدار نحو القاع. وهذه القطعة تفتقر إلى التنوع والثراء بشكل عام؛ حيث يقتصر وجود الشعاب بها على نوعين فقط هما: المرجان الكتلي، وبدرجة أقل المرجان الغصني؛ بسبب تعرضها لتيارات قوية وأمواج عاتية في معظم الأحيان. غير أن هذه القطعة تشتهر بكثرة أنواع الأسماك فيها، وبضخامة حجمها مقارنة بالمناطق المرجانية الأخرى، وهو ما يشكل عامل جذب لهواة صيد الأسماك.
ويصل عمق المياه في المنطقة إلى نحو 31 مترا، والقاع فيها عبارة عن كتل صخرية مسطحة تقريبا تكسوها الطحالب، وتفتقر إلى التنوع والحياة البيولوجية الثرية بصفة عامة. وتوجد المستعمرات المرجانية على القاع في شكل كتل صغيرة الحجم ومنفصلة ترتفع إلى نحو 5 أمتار تحت مستوى سطح الماء.
3- قطعة مديرة:
تعتبر شعاب مديرة (أم ديرة) المغمورة أبعد مناطق الشعاب المرجانية على مستوى دولة الكويت، كونها تقع على بعد 48 كيلومترا إلى الشرق من ساحل الكويت عند بنيدر، وإلى الشمال بنحو 13 كيلومترا من جزيرة قاروه، وتحديدا عند تقاطع خط عرض 29:56:12° شمالا مع خط طول 48:46:28° شرقا. وهذه الشعاب توجد في منطقة يصل عمق المياه فيها إلى نحو 35 مترا، مما يضفي عليها أهمية إضافية، نظرا لوجودها عند هذا العمق الكبير.
وعلى الرغم من شدة التيارات المائية السائدة في هذه المنطقة، فإن درجة صفاء المياه فيها لا تضاهى؛ لذا فإن الشعاب المرجانية الموجودة فيها تتميز بالتنوع، وتعد ضمن الأكثر ثراء على مستوى الكويت، وإن تفوقت عليها الشعاب الموجودة بالقرب من جزيرة قاروه في الحجم والامتداد. وتشتهر هذه القطعة بوجود الشعاب المرجانية الصخرية من المرجان الغصني والمرجان القشري والمرجان الضخم، فضلا عن المرجانيات الحية، وبخاصة شقائق النعمان.
4- قطعة بنيدر:
توجد هذه القطعة على مقربة من ساحل بنيدر جنوب شرق قاعدة محمد الأحمد البحرية بنحو 8 كيلومترات، عند تقاطع خط عرض 28:48:09° شمالا مع خط طول 48:20:16° شرقا في موقع قريب من الساحل ضحل العمق نسبيا (5 إلى 8 أمتار)، وهي بذلك تعد من أقرب الرقع المرجانية قربا للساحل الرئيسي.
وهذه القطعة تحتوي على تجمعات ثرية نوعا ما من شعاب المائدة Acropra table corals، والشعاب المتفرعة branching corals، التي تجتذب أنواعا عديدة من الأسماك والسلطعونات، وغيرها من الكائنات التي توجد عادة في مواطن الشعاب المرجانية والمناطق القريبة. ونظرا لكثرة الأنواع السمكية بهذه الرقعة، فإنها كانت تشتهر قديما بأنها من أفضل مناطق الصيد على مستوى الكويت.
5- قطعة سلامة:
توجد هذه القطعة بالقرب من ساحل بنيدر جنوب شرق القطعة السابقة بنحو 4.5 كيلومتر، وشمال شرق رأس الزور بنحو 8.5 كيلومتر، وتحديدا عند تقاطع خط عرض 28:47:42° شمالا مع خط طول 48:23:10° شرقا.
وهي تقع في منطقة بحرية ضحلة لا يتجاوز عمقها خمسة أمتار، وتحتوي على مستعمرات مرجانية محدودة من الشعاب المتفرعة branching corals وبدرجة أقل الشعاب الشجرية، وإن لوحظ تعرض أجزاء كثيرة منها للدمار بسبب تعرضها لموجات ابيضاض الشعاب وعمليات الصيد الجائر. لذا حاولت أكثر من جهة إعادة تأهيل وإثراء هذه المنطقة، ولعل من أبرزها فريق الغوص الكويتي التابع حاليا للمبرة التطوعية البيئية، الذي ثبت عدة مرابط لرسو السفن واليخوت للحيلولة دون تعريض الشعاب للتدمير من جراء استخدام الخطاطيف والمراسي، كما استزرع الشعاب المرجانية الاصطناعية وثبت مجسمات خرسانية للمساعدة على نمو الشعاب، وذلك ضمن مبادرة محميات جابر الأحمد الكويت البحرية.
6- قطعة الزور:
تقع هذه القطعة على بعد 1.2 كيلومتر شمال رأس الزور غير بعيد عن اللسان الرملي القريب من ذلك الرأس، وهي على ذلك تعد أقرب الرقع المرجانية للساحل على مستوى دولة الكويت، ويليها في القرب من الساحل قطعة البنية الموجودة جنوب الخيران، ثم قطعة بنيدر المذكورة آنفا.
وهذه القطعة توجد على عمق 2.5 متر إلى 5 أمتار، كون الشعاب المرجانية الموجودة بها هي من النوع الملاصق أو الهدابي Fringing Reef القريب من الساحل، الذي يعد من أكثر أنواع الشعاب المرجانية شيوعا من حيث التصنيف الجيومورفولوجي. وهي تعد من أكبر مسطحات الشعاب المرجانية الساحلية في الكويت، ذلك أنها تأخذ شكلا شبه دائري، وتمتد بطول نحو 1000 متر وعرض يبلغ نحو 800 متر، وإن كان مساحة الجزء البارز تبلغ نحو 600 ألف متر مربع فقط.
وهذه القطعة تحتوي على تكوينات مرجانية من نوع السنامي الكتلي Porites lute أو السنامي العقدي Porites compressa واللفائفي Platygyra or Maze-like corals، وإن كان فريق الغوص الكويتي قد رصد بها أنواعا أخرى من المرجان مثل الغصني المنضدي Acropora clathrata، ومخي حلقي Favia pallida ومكتنزي عقدي Psammocora contigua. وتشكل المستعمرات المرجانية من النوع السنامي العقدي نحو 99% من مساحة قمم الشعاب.
كما تتميز بثراء الشعاب المرجانية فيها، وبعدم تعرضها للتدمير، وقلة نسبة الركام الرملي المرجاني، وهذا يرجع إلى عامل الحماية الطبيعية المتوافر لها، لأنها توجد على عمق ضحل جدا، وعلى مقربة من الساحل، وهو ما يصعب من إمكانية رسو كثير من اليخوت والمراكب، ومن استخدام الخطاطيف للرسو بهذه المنطقة.
7- قطعة البنية (بناية):
توجد هذه القطعة في جنوب بحر الكويت بالقرب من مدخل الخيران الجنوبي عند تقاطع خط عرض 28:37:01° شمالا مع خط طول 48:25:41° شرقا، لتكون بهذا آخر القطع المرجانية قبل الحدود البحرية الكويتية مع السعودية، وإن وجدت قطعة مرجانية أخرى إلى الجنوب منها أقل ثراءً وامتداداً هي قطعة الحمارة.
وقطعة البنية رقعة محدودة من التكوينات الصخرية المرجانية من النوع المخي والشجري المسطح، تجتذب معها طائفة كبيرة من الكائنات البحرية، ولاسيما من الإسفنجيات (النوعين الأزرق والأحمر)، علاوة على الجلدشوكيات من نوع الدولار الرملي، والقشريات وغيرها. وعلى الرغم من شهرة هذه القطعة بالشعاب ومختلف أنواع الأسماك فإن مظاهر التراجع البيئي تبدو على هذه التكوينات، وهو ما يمكن ملاحظته بشكل جلي من وجود شعاب ميتة ومن انتشار الركام المرجاني وفتات الشعاب بكثرة في محيطها.