جائزة الكويت

فؤاد عبد الخالق

استكشاف طبيعة العلم

يتبع تعليم العلوم نموذجًا صارمًا. يُزوَّد الطلبة بحقائق بسيطة ومبادئ عامة أو نظريات بسيطة تشرح طبيعة عالمنا. مع تقدم الطلبة في العمر، يجرون تجارب ثانوية يتعرفون من خلالها على حقائق ومبادئ جديدة أو يدخلون مجالًا مرتبـطًـا بالعلوم يرتـقي بفهمهم إلى مستويات جديدة.

لكن هذا المنهج التربوي يفتقد عنصرًا حاسمًا، وهو مفهوم يشير إليه فؤاد عبدالخالق على أنه طبيعة العلم.

قال عبد الخالق، عميد كلية التربية في جامـعة نورث كارولاينا بتشابل هيل: “إن طبيعة العلم تتطلع إلى ما هو أبعد من المعرفة وما وراء الإجراءات. ما نحتاج حقًا إلى تدريسه في المدارس هو الكيفية التي ننمي بها المعرفة العلمية والقيم والخصائص الأساسية لتعلم العـلوم، ولماذا يفـعل العـلماء ما يفـعلونه؛ وبشكل خاص لماذا يجب أن نثق بهم”.

يجري عبد الخالق أبحاثًا حول ما وراء المعرفة في العلوم منذ أكثر من عشرين عامًا. نشأ في لبنان والتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت، لكنه اهتم في مرحلة مبكرة بطريقة تعليم العلوم وسافر إلى جامـعة أوريغون لإكـمال الدكـتوراه. كان عـبد الخـالـق يطمح إلى المزيد من الفرص لاستكشاف مجاله والتعمق فيه، وفي عام 2000، انتقل للإقامة بشكل دائم في الـولايات المتـحدة لمتابعة أبحاثه بفضل منح تمويلية.

لم يمض وقت طويل قبل أن ذاعت شهرة أعماله وحصلت على التقدير العلمي. ولديه في رصيده عشرات الجوائز من مؤسسات أمريكية عدة، ويُــعـرف كـواحد من أفـضـل الباحثين في الـعـالم لما وراء المـعـرفة في مـجـال الـعلـوم. تشمل إنجازاته المرموقة نيله جائزة مجلة أبحاث تعليم العلومJRST، وجائزة NARST للمساهمات المتميزة في تعليم العلوم من خلال الأبـحاث، وجـائـزة الـكـويت لـعـام 2021 من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (في مجال العلوم الاقتـصـادية والاجتـماعـية — الـعـلوم التربوية) عن إنجازاته في تعليم العلوم خلال مساره المهني.

إن تدريس طبيعة العلم أمر مهم على نحو لا يُصدق. إنه يهدف إلى خلق الثقة في العلم بناءً على توعية الطلبة بالكيفية التي يعمل بها العلم بدلاً من مجرد معرفة الحقائق والفرضيات. ونحن في هذه الأيام نحتاج إلى ذلك أكثر من أي وقت مضى

يرى عـبد الخـالق أن جـائزة الـكـويت التي تقدمها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي هي جائزة ذات رؤية تجذب الاهتمام الذي تشتد الحاجة إليه للباحثين في الجانب التقني لتعليم العلـوم. وقال: “أنا سعيد لأن مؤسسة الكويت للتـقدم العلمي تعـمل مع آخرين لتسليط الضوء على هذه الأعمال. أنا فخور جدًا بهذه الجـائـزة وبتراثي. إنه لأمر رائع أن أستمر في التعـامل مع بلدي وأن يكون لي بعض التأثير هنا وهناك”.

يجدر التفكير في بحث عبد الخالق على أنه البنـية الأسـاسية للعلم. فهو لا يركز على منتجات العلم التي تعرّف الطلبة على النظريات أو المبادئ أو الأفكـار. بدلاً من ذلك، يركز على طبيعة العلم؛ على تعليم الطلبة الكيفية التي ينمّون بها المعرفة العلمية في المقام الأول. يعتـقد عبد الخـالق أن طبيعة العلوم لا يتم تدريسها للطلبة بدءًا من مرحلة رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر أو فصول الجامعة المبكرة، ويهدف إلى تكوين فهم أكثر اكتمالاً للعلوم مع تقدم المتعلمين في تعليمهم المدرسي.

قال عبد الخالق: “نحن لا نعلِّم طبيعة العلم كمفهوم. نجعل الجميع يحفظون الحقائق من أجل الوصول إلى نوع من المعرفة، لكننا نهمل إظهار المجموعة الكاملة من الأشياء المطلوبة لإنشاء فكرة علمية”.

لنأخذ كوفيد-19، على سبيل المثال. قال: “لا يـمـكن لأي شخـص أن يتـعلـم كل العـلوم اللازمة لإصدار أحكام مستنيرة بشأن الجائحة… علم الفـيروسات وعلم الأوبـئة كلاهما معقدان جدًا، ولن يفهم الجمهور كل هذه العوامل في وقت واحد. لو أننا وفرنا تعليمًا شاملًا في العلوم، حتى لغير المتخصصين، لرأينا استجابة مختلفة تمامًا للجائحة”.

يشير عـبد الخالق إلى ضعف التعليم حول طبيـعة العـلوم باعتـباره أحد أكبر العوامل المؤثرة في الاستجابة للجائحة في عام 2020.

قال: “كان من السهل على الناس رفض الطرح العلمي، لأن الكثير منهم لم يفهموا ما هي المـصادر التي يـجب أن يثـقوا بها لاتخاذ قراراتهم. المؤلم في الأمر هو أنه كان من الممكن إنـقاذ مـئات الآلاف من الأرواح لو أن الناس وثقوا في طبيعة العلم”.

من الـواضح أن شيئًا ما يحتاج إلى التغيير في مناهـجنا التربوية العـلمية الحالية. للأسف، سيـكون تغـيير طريقة تدريس العلوم في المدارس معركة شاقة.

قال عبد الخالق: “نحن نعرف الآن الكيفية التي يدفع بها التعليم الحالي الناس إلى التفكير في المـعرفة العلمية. لكن ذلك لا يُمارس على نحو شائع”.

ما الذي يمنع المعلمين من دمج طبيعة العـلـوم في الفصول الدراسية؟ الـتــذبـذب على مر التاريخ.

قال عبد الخالق: “أدركت الولايات المتحدة أنها لم تكن تتحلى بالقدرة التنافسية علميًا بعد إطلاق سبوتنيك، لذلك طورنا وأعددنا مزيدًا من العلماء في ستينات القرن العشرين… ومع ذلك، فإننا نعد حاليًا الخريجين للعمل في عالم تتعـاظم فـيه أهمية التكنولوجيا والعلم. بطريقة ما، كنا نتأرجح بين فترات الإعداد العلمي وفترات تكوين مستهلكين أذكياء للعلم؛ وليس كلا الأمرين مطلقًا”.

يفتح العالم عينيه ببطء على أهمية التربية العـلمية. ولكن التقدم المحرز بطيء. مازالت العـديـد من الفـصول الـدراسيـة تـعلم الـعملية أو منـتـجات العـلم بدلاً من طبـيعته، وتعتمد بـشكل كـبير على اللـغة والحـقائق والنظريات لتثقيـف المتعـلمين. مع الأسف، ما زال هذا الأمر يخطئ الهدف.

قال عبد الخالق: “العلم أكثر تعقيدًا من مجرد الطريقة العلمية. إنه لا يبدأ بملاحظة. يبدأ بفكرة أو نظرية – وهو بالضبط ما تُعلِّمه طبيعة العلم”.

ويسعى عبدالخالق جاهدا لتطبيق تدريس طبيعة العلم في الفـصول الدراسية في الـولايات المـتـحدة وخارجـها. وهو عازم على مواصلة البحث فيما وراء معرفة العلوم بطرق فعـالة أكثر، ومساعدة الطلبة على التخرج من مدارسهم وهم يمتلكون فهمًا راسخا لطريقة التفكير في العلم واتخاذ قرارات أفضل بشأن العالم الذي نعيش فيه.

وقال “إن تدريس طبيعة العلم أمر مهم على نحو لا يُصدق. إنه يهدف إلى خلق الثقة في العلم بناءً على توعية الطلبة بالكيفية التي يعمل بها العلم بدلاً من مجرد معرفة الحقائق والفرضيات. ونحن في هذه الأيام نحتاج إلى ذلك أكثر من أي وقت مضى”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى