تحمل بعض المواد أسماء غامضة تمنع غير العلماء من فهم أهميتها في الحياة اليومية. أحد الأمثلة على ذلك هو البيروفسكايت، وهو مـعـدن قد يـكون بـاللون الأصفر أو الـبني أو الأسود ويـشـبـه الألماس. يُسـتـخـدم الـبيروفـسـكايـت في صنع الخلايا الشمسية، وهي أجهزة إلكترونية تستمد الـطاقة من الشمس وتحولها إلى كهرباء قابلة للاستخدام. قال عثمان محمد بكر، أستاذ هندسة وعلوم المواد في قسم العلوم الفيزيائية والـهنـدسة بجـامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية: “يمكن تصنـيع هذه المواد في درجات حرارة منخـفضة باستخدام كيمياء بسيطة وسهلة، وتساعدنا على جعل التصوير بالأشعة السينية ميسور التكلفة، وحـمـاية المـريض من مـخـاطر مـثـل مخـاطر السـرطان لأننا لسنا بحاجة إلى إعطاء جرعات عالية من الإشعاع”. وأضاف بكر الذي شارك في كتابة 155 بحثًا خــضـعـت لمـراجــعــة الأقران واســـتُــشـهـد به عـدة مرات في مجلات علمية مـرموقة: “الأكثر أهـــمــيـة في الأمر أن خـــلايـا الـبــيروفـــســكــايــت الـشــمـســيـة تــســـهـل في جـــمــيــع أنــحـاء الـعـالم حياة النـاس الـذيـن لا يــسـتـطـيــعـون الوصـول إلى التـشخيـص الطـبي المـنـاسب”، وهذا يعد بتحسـين كبير في الرعاية الصحية.
بكر المولود في المملكة العربية السعودية عام 1981 من أب مهندس، تعلم منذ صغره أهمية التعليم والعلوم والطموح العالي. عند إنهائه دراسته الثانوية، ذهب إلى الولايات المتحدة لـدراسة علوم وهندسة المواد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا حيث درس والده من قبل. في عام 2003، بدأ دراسته لنيل شـهـادة الــدكـتـوراه في الـفــيزيـاء الـتـطبـيقـية في جـامـعـة هـارفـارد. كـانـت الـرحلـة من مـعـهد ماسـاتـشـوســتـس للتـكـنــولـوجـيـا إلى جـامـعـة هـارفارد قـصيرة. عن ذلك قال: “ركبت مترو الأنـفـاق وخرجت منه بعد محطتين”. الدراسة في جـامـعـتـين من جامـعـات النـخبة الثماني الأمريـكية المرمـوقـة في شمـال شرق الـولايات المتحدة تسلِّح الطالب بمعرفة قوية وواسعة في فيزياء المواد وكيمـياء المواد، وتتـيح إمـكانية الــوصـول إلى مــرشـــديـن علميين مـمــتـازيـن وأعــمـال مختـبريـة. كل ذلك ساعد بكر على إدراك أهمية المواد للحـضارة والإنسانية. لكن الانتساب إلى مثل هذه الجامعات يسهم في تكوين شخصية الطالب أيضًا.
“اعتدتُ على أن أكون طالبًا جيدًا حقًا في الـسـعـوديـة”، قال بـكر. وأضاف: “في مــعـهـد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كنتُ أجلس في فصل دراسي الجميع فيه طلبة استثنائيون، وكـنت مجرد طالب عادي”. وما يثير الاهتمام هو أنه وصف تلك التجربة بأنها كانت مريحة إلاّ أنها مُحررة للفكر، ومحفِّزة إلى أبعد حد. قال: “أدركتُ أنه حتى لو لم تتمكن في بعض الأحيان من الحصول على درجة مثالية، فأنت ما زلت متفـوقًا”. في الـوقت نفسه، “كانت أهمية وجود أشخـاص من حـولك يدفعونك إلى مستوى جديد تمامًا أمرًا محفِزًا للإدراك … تبدأ ببلوغ مستوى لم تدرك وجوده من قبل. … الدراسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا تشبه أن تتمكن من الصمود أمام سيل هائل ينهال عليك. إذا تمكنت من النجاح في هذا الوسط، فهذا رائع. هذا يجعلك أقوى”.
كانت جامعة هارفارد أصغر حجمًا، لكنها تضم عددًا أكبر من الأقسام والتخصصات، وفق بكر الذي قال: “أمكن لي اختيار المواد الدراسية التي أرغب بها والعمل مع أي شخص أريده، لذلك صممت تعليمي وفق متطلباتي”. تعدد التخصصات هو المعتمد حاليًا – وذلك لسبب وجيه. شارك بكر مسكنه مع طالب في الأدب الألماني وطالب يكمل دراسته العليا في الهندسة المعمارية وآخر يتخصص في الصحة العامة. منحه احتكاكه بأشخاص من مختلف مناحي الحياة والتخصصات منظورًا للعالم ربما فاته لدى وجوده بين مجتمع يقتصر على المهندسين، وجعله يطلع على قضايا المجتمع الأهم. قال: “أدركت أنه يمكنني استخدام فضولي الفطري والتفكير التحليلي ومهارات حل المشكلات التي أمتلكها كعالم للتعامل مع المشكلات التي تنتمي إلى العلوم الاجتماعية؛ انظر إلى الكيفية التي يستخدم وفقها الباحثون الذكاء الاصـطناعي لتـحليل اللغة ومعالجة قضايا الصحة العامة… إنه مثال جيد على الكيفية التي يمكن بها معالجة مشكلات المجتمع باستخدام حلول استُنبطت في مجال العلم والهندسة”.
ومع ذلك، لم يكن العيش في الولايات المتحدة في بداياته أمرًا سهلاً. من مدرسة للبنين في المملكة العربية السعودية، انتقل بكر إلى بـيـئة شديـدة التـنوع. حتى الطـقس كان مــختــلـفـا. وصل إلى كــيـمـــبريـدج في ولاية ماساتشـوستس قـبل عام من أحداث 11 سبتمبر 2001. بعد ذلك اليوم، شعر بكر أن عليه أن يبذل جهدًا إضافيًا لضمان أن يشعر الناس بالراحة معه بدلاً من أن يحكموا عليه وفق أي من تلك الصور النمطية التي يحملونها في رؤوسهم. بعد 21 عامًا من ذلك التاريخ، يـدرس اليوم 20,954 طـالبًا سعوديًا في الولايات المتحدة بمنح دراسية. في ذلك الوقت، لم يكن هناك سوى عدد قليل منهم. قال بكر: “لم يكن من الشائع جدًا مقابلة شخص من المملكة العربية السعودية يتابع الدراسات العليا. وناهيك عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كان الناس أيضًا فضوليين حقًا لأنهم لم يكونوا يعرفون الكثير عنا”.
يتحدث بكر باعتزاز عن المملكة العربية السعودية وبرامج المنح الدراسية السخية والداعمة التي تقدمها. حصل هو نفسه على منحة حكومية لإتمام مساره الأكاديمي. قال بكر: “حتى قبل إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، أنشأت (الحكومة السعودية) جائزة الملك عبدالله للعلماء، وهي مسابقة ترعى عشرة طلبة دراسات عليا من جميع أنحاء العالم لمواصلة جهودهم البحثية…. عندما كنت أحضّر شهادة الدكتوراه، تقدمت للجائزة وفزت بـها”، ثم قرر أن يرد الجـميل لبلده باختياره البقاء وإجراء أبحاثه في المملكة، وهي أبحاث حقق من خلالها الريادة بالفعل.
بقلم آيفي لوكيت