عالمة كويتية رائدة في استخدام الموجات فوق الصوتيـة في التصوير العصبي
مُلهمة بروح الابتكار العلمي في بوسطن، رغبت عالمة الأعصاب الكويتية شيخة الشعيب في الإسهام في رسم مستقبل التصوير العصبي، وهو ما حققته بفضل تمويل وفرته لها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
انتقلت شيخة الشعيب إلى بوسطن عندما كــانـت في الــســابـعـة عـــشـرة من عــمـرها للحصول على درجة البكالوريوس من جامعة بوسطن Boston University. وحـصلـت على مـنحـة دراسية من وزارة التعليم العالي في الكويت لدراسة ما قبل الطب، ثم التخصص في طب الأسنان. لكنها سرعان ما أدركت أن المجال الذي ترغب في التخصص فيه هو البحث والعمل في المختبرات، ومحاولة فهم الوظائف الداخلية الأكثر تعقيدًا للدماغ البشري.
عن ذلك قالت: “انجذبت حقًا لتعلم المزيد عن البحث العلمي”. وبمساعدة من المرشدين والمستشارين العلميين، غيرت الشعيب دراستها الجامعية إلى البيولوجيا العصبية حتى تتمكن من التخصص في مجال أبحاث علم الأعصاب. وأوضحت: “أحببتُ علم الأعصاب، وأدركتُ أنني ينبغي أن أدرس شيئًا أشعر بالشغف حياله”.
تعمل شيخة الشعيب حاليًا على إكمال شهادة الدكتوراه من خلال مشروع بحثي يعتمد على التصوير العصبي، ومن المتوقع أن تكون له تأثيرات مهمة في مستقبل الطب وفهمنا للدماغ البشري.
وقالت إنها قبل انتقالها إلى بوسطن، لم تكن تعرف سوى القليل نسبيًا عن التخصص المهني في مجال الأبحاث، ولم تكن تحلم بنيل درجة الدكتوراه في علم الأعصاب. وأضافت: “في الكويت، في بعض الأحيان، أشعر أن ثقافة المجتمع لا تحتضن العلماء ولا تحفل بأهمية ما نفعله”. لذا يصعب على شباب الكويت اكتشاف المسارات المهنية في العلوم واستكشافها: “كانت تلك العقبة الكبرى في رأيي… فلو توفرت لي إمكانية الوصول إلى المختبرات والأبحاث والعلماء الذين يمكنني أن أتعلم منهم لكنت فعلت ذلك في مرحلة أبكر بكثير من مسيرتي الدراسية”.
وتمـتـاز بـوسطـن في ولاية نيـوإنغلاند الأمريكية تاريخيًا بأنها مهد للابتكار العلمي، ولاسيما لعلم الأعصاب. وعن ذلك قالت الشعيب: “إنها المدينة الأمريكية التي وُلد فيها علم الأعصاب، وحيث أجريت التجارب الأولى في هذا المجال”.
عاش عدد كـبير من عـلماء الأعـصاب المشهورين، بمن فيهم ستيفن دبليو. كوفلر Stephen W. Kuffler، الذي يُـعرف باسم “أبو علم الأعصاب الحديث”، وأجروا تجارب متقدمة جدًا في مختبرات جامعاتها مثل جامعة هارفارد Harvard University وجامعة بوسطن. وساعد ما خلفوه من إرث علمي على ضمان بقاء المدينة مركزًا لأبحاث علم الأعصاب حاليا. قالت الشعيب: “لذا كان من السهل أن أرى ما هو علم الأعصاب من منطلق الأبحاث النظرية، وكان المختبر متاحًا للعمل فيه، وكانت ثقافة الوسط مشجعة”.
سمحت لها هذه الثقافة بإجراء سلسلة من التدريبات المهنية في بيئات مختلفة أثناء دراستها للحصول على درجة البكالوريوس في عـلم الأحياء مع التخصص في علم الأعصاب، ومن بعدها شهادة الماجستير في علم الأعصاب التي أكملتها في عام 2019. كانت إحدى دوراتها التدريبية الأولى في علم الأعصاب في مختبر الرؤية والمعرفة Vision and Cognition Lab بجامعة بوسطن الذي وفر بيئة البحث الإكلينيكي، حيث عملت مع مرضى باركنسون، وهو اضطراب تدريجي يؤثر في الجهاز العصبي.
لكن سرعان ما اكتشفت الشعيب أنها تستمتع بإجراء التجارب في المختبرات أكثر من العمل مع المرضى في بيئة إكلينيكية. فالمخـتبر الرطب Wet lab هو مخـتبر مجهز بالمــصـارف والتـهـويـة والمـعـدات التي تـسمـح بإجراء البحث العلمي والتجارب العملية، مثل مختبر Membrane Biophysics Lab في جامعة بوسطن، حيث تعمل حاليًا. وقالت إنها تفضل بيئة المختبر الرطب لأنها تسمح بإجراء تجارب أوسع مع قيود أقل من حيث الاعتبارات الأخلاقية. وعلى العكس من عملها في البيئة الإكلينيكية مع مرضى أحياء، تتعامل الشعيب حاليًا مع عينات من أدمغة حيوانات مختلفة في المختبر.
يشمل مشروعها البحثي لنيل شهادة الدكتوراه حاليًا اختبار تقنية الموجات فوق الصوتية على نماذج حيوانية مختلفة، بهدف فهم الكيفية التي تؤثر بها الموجات فوق الصوتية في الخلايا العصبية والغشاء العصبي، والكيفية التي تتواصل بها الخلايا العصبية مع بعضها بعضًا. لقد أمكنها تنفيذ هذا المشروع – جزئياً – بفضل التمويل الذي وفرته لها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (KFAS).
وعندما قررت أنها ترغب في مواصلة بحثها بعد نيلها درجة الماجستير، شكل التمويل مصدر قلق كبير لها. وتقدمت بطلب للحصول على تمويل من المؤسسة في ربيع 2020 وحصلت على المنحة.
وأضافت الشعيب أنها أمضت هي والمشرفان عليها، الدكتور جن – وي لين Jen –wei Lin من جامعة بوسطن والدكتور يوشيو أوكادا Yoshio Okada من كـليـة الــطـب بـجـامـعة هارفارد، الفترة الانتقالية في “حل المشكلات وتجميع القطع معًا”. لقد تعلمت الكثير خلال هذه الفترة. وبدا أن العالم يتباطأ بسبب عمليات الإغلاق التي فرضتها مكافحة جائحة كوفيد، لكن ظلت الشعيب قادرة على الوصول إلى المختبر والتواصل على نحو غير مسبوق مع المشرفَيْن عليها اللذين كانا أقل انشغالًا من المعتاد. قالت: “لقد تعلمت أشياء لم أكن أعتقد أنني سأتعلمها”.
وفي سبتمبر 2020، عندما أُبلغ فريقها بأن المؤسسة ستساعد على تمويل مشروعهم، كانوا جاهزين لتوفير المواد والمعدات النهائية التي يحتاجون إليها لتنفيذ تجاربهم والبدء بجمع البيانات فورا.
منذ ذلك الحين، أجرت الشعيب تجارب على عينات من أدمغة ثلاثة حيوانات مختلفة: الفئران وجراد البحر وذباب الفاكهة. طرحت كل منها تعقيدات فريدة من نوعها وساعدت في تقدم المشروع. في نهاية المطاف، قد يؤدي هذا البحث إلى إعادة صياغة التشخيص العصبي والعلاج من خلال توفير خيارات جديدة للتدخلات الجراحية العصبية غير الباضعة Non-invasive، ورسـم خــرائـط للــدمـاغ في الوقت الفعلي، وهو ما تعجز تقنيات التصوير الأخرى مثل التصوير المقطعي والتصوير بالرنين المغناطيسي عن فعله. وكذلك، سيساعد البحث على الفور على تكوين فهم أفضل للكيفية التي تؤثر وفقها الموجات فوق الصوتية في الخلايا العصبية، ولاسيما توصيل الإشارة عبر المشتبكات العصبية Synaptic Transmission. وقالت الشعيب: “إن الإمكانات كبيرة” لتحقيق تقدم في المجال.
مع قرب انتهاء الجولة الأخيرة من التجارب، تتطلع الشعيب حاليًا إلى كتابة ونشر نتائجها على مدار العامين المقبلين. وهي تتوقع نشر أول ورقة بحثية لها في الصيف المقبل. وفيما بدأت بتجميع نتائجها والتفكير في المشروع، تشعر الشعيب بالامتنان للتقدير والدعم اللذين حصلت عليهما من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
وقالت: “كان مستوى حرية البحث الذي توفر لنا بفضل التمويل مدهشًا. لقد تعلمت الكثير خلال العامين الماضيين”.
بقلم ماريانا دينين