لدى العالم العربي عامةً ودول الخليج العربي خاصةً فرصة ذهبية للاستفادة من التطور العلمي في علوم الطب الجيني والتسارع الكبير في عالم العلاج الجيني
د. باسل طارق عساف
اختصاصي في علم الأمراض المقارن، و باحث رئيسي في شركة فايزر للأبحاث و تطوير الأدوية (الولايات المتحدة)
يعد فك الشيفرة الوراثية وتحليل التسلسل الجيني للحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) للإنسان من أهم الإنجازات الطبية في القرن الحادي والعشرين. وكان لذلك الإنجاز أثر بالغ في تقدم علوم الطب الجيني ومعرفة عدد كبير من الطفرات الجينية المسببة لعدة أمراض جينية لم يكن يُعرف سببها حتى ذلك الاكتشاف، كأمراض الهيموفيليا (الناعور أو نزف الدم الوراثي) والثلاسيميا وأمراض ضمور العضلات الجينية muscular dystrophies .
العلاج الجيني
استفادت البشرية من علوم الطب الجيني في أمور كثيرة لعل من أهمها تسارع التقدم في مجال العلاج الجيني. والعلاج الجيني في أبسط تعريفاته هو العلاج القائم على تغيير المحتوى الجيني للخلية، وذلك إما بإدخال جين سليم إلى الخلية المصابة ليستبدل الجين المعطوب كما هو الحال في أمراض الهيموفيليا (مثلاً Hemophilia B) حيث يُعطى المصاب نسخة صالحة من جين Factor IX لعلاج خلل تخثر الدم المصاحب لهذه الطفرة الجينية، أو بإدخال جين جديد إلى الخلية ليعطيها خاصية جديدة لم تملكها من قبل، أو إدخال تشفير جيني قادر على تثبيط أحد جينات الخلية المسببة للمرض، أو لتعديل الشيفرة الوراثية بذاتها كما هو الحال في تقنية كريسبر كاس CRISPR-Cas الحديثة.
لكن كيف استطاع خبراء العلاج الجيني إيصال هذه الجينات العلاجية إلى داخل نواة الخلية داخل الجسم؟ هناك عدة طرق استحدثها العلم الحديث لإيصال المعدلات الجينية إلى الخلية، من أهمها وأكثرها انتشاراً “سرقة” قدرة الفيروسات الطبيعية على اختراق الجسم لإيصال مادتها الوراثية إلى الخلية المصابة. فالفيروسات مكونة من غطاء بروتيني قادر على الانتشار في الدم إلى جميع أنحاء الجسم. وبحسب نوع الفيروس يمكنه الارتباط بمستقبلات محددة على سطح نوع محدد من الخلايا لتمكن الفيروس من الدخول إلى داخل الخلية وإفراز مادته الوراثية داخلها. إضافة إلى ذلك، فإن لدى الفيروسات القدرة على استغلال أدوات الخلية الطبيعية لنسخ وترجمة مادتها الوراثية إلى بروتينات جديدة. وقد استخدمنا كلمة “سرقة” هنا لأن خبراء العلاج الجيني بفطنتهم استعاضوا عن معظم جينات الفيروس العلاجي، ولاسيما تلك القادرة على إحداث المرض، بالجينات العلاجية المراد إيصالها إلى الخلية المصابة في جسم المريض، مع الحفاظ على قدرة الفيروس الطبيعية على إصابة الخلايا وإيصال الجينات العلاجية إلى داخل النواة.
فيروسات متميزة
يعد Adeno-associated viruses (AAV) و Lentivirusesمن أكثر الفيروسات استخداماً في العلاج الجيني. فالفيروس AAV يستخدم في إدخال الجينات العلاجية عن طريق حقن الفيروس مباشرة داخل جسم المريض، وفي المقابل يستخدم LENTIVIRUS لتعديل المحتوى الوراثي للخلية المستخلصة من المريض خارج جسمه، ومن ثم تعاد معدلة إليه. وللفيروس AAV مزايا فريدة جعلت منه الفيروس الأكثر استخداماً في العلاج الجيني؛ فهو صغير الحجم، وسهل التعديل، ومتوفر في الطبيعة على أنماط مصليّة مختلفة Serotypes كل منها قادر على إصابة أنواع محددة من خلايا الجسم، مما مكن الباحثين ومطوري الأدوية من استخدام النمط المصلي المحدد القادر على استهداف الخلايا المصابة لمرض ما دون عن غيرها من الخلايا السليمة، وهو صمّام أمان طبيعي للتقليل من احتمال حدوث أعراض جانبية. إضافة إلى ذلك فإن الفيروس AAV هو من أنواع الفيروسات الاعتماديةDependoparvovirus التي تكون غير قادرة على التضاعف بمفردها وتحتاج إلى مساعدة من فيروسات أخرى في الطبيعة Helper Viruses لإتمام عملية تضاعفها داخل الخلية، مثل فيروس Adenovirus، ومن هنا جاءت تسمية هذه الفيروسات Adeno-associated viruses لأنها عادةً ما تُعزل من الخلايا المصابة بفيروس Adenovirus .
والطبيعة الاعتمادية للفيروس AAV جعلت منه فيروسا غير ممرض بل وجعلته ضعيفا في تحفيز جهاز مناعة جسم المصاب، وهو ما أدى إلى كونه أداة مستساغة للعلاج الجيني؛ لأنه مكّن الباحثين من إيصال الجينات العلاجية إلى الخلايا المصابة داخل الجسم دون الخوف من إحداث أمراض أو تحفيز جهاز المناعة الذي قد يؤدي لاحقاً إلى إزالة هذه الجينات العلاجية من جسم المصاب، وفقدان الفائدة العلاجية منها على المدى البعيد، وما قد يُصاحب تحفيز جهاز المناعة من أضرار جانبية على الجسم.
ساعي بريد متميز
يمتاز الفيروس AAV عن عدة فيروسات علاجية منها LENTOVIRUS في أن مادته الوراثية تبقى محلّقة على شكل Episome بجانب مادة الخلية الوراثية داخل النواة، في حين أن فيروس LENTIVIRUS يعمل على دمج مادته الوراثية بمادة الخلية الوراثية Genomic Integration . وعلى الرغم من أن قدرة الفيروس LENTIVIRUS على دمج مادته الوراثية تؤدي دوراً مهما في قدرته العلاجية لبعض الأمراض المحددة، بيد أن ضعف قدرة فيروس AAV على ذلك يعطيه عامل أمان إضافيا لاستخدامه كوسيلة علاج دون إلحاق الضرر بجسم الإنسان المصاب. وإذا صح التعبير، فإن الفيروس AAV يمثل ساعي البريد القادر على إيصال الرسالة إلى عنوان أي خلية في الجسم، ومن ثم تستطيع قراءة الرسالة وترجمتها إلى بروتين مفيد لتعويض العطب الجيني فيها وتصحيح علامات المرض الجيني في جسم المصاب. فلو أخذنا مثلاً مرض الهيموفيليا (ب) الناجم عن عطب جيني في خلايا الكبد يؤدي إلى نقص بروتين عامل تخثر الدم رقم 9 (Factor IX)، فقد تمكن الباحثون في التجارب الإكلينيكية (السريرية) من إيصال النسخة السليمة من جين Factor IX باستخدام الفيروس AAV إلى خلايا الكبد المصابة، مما مكن خلايا الكبد من إنتاج بروتين Factor IX المفقود وبمستويات موافقة لتصحيح العطب في تخثر الدم والتقليل من معدلات النزيف السنوية إلى درجة تصل إلى انعدام حدوث النزيف المصاحب لمرض الهيموفيليا.
آمال كبيرة
أدى التسارع الكبير في الاكتشافات في مجال العلاج الجيني إلى زيادة طلبات الأبحاث الإكلينيكية باطراد، وتدافعها على المؤسسات الدوائية كمؤسسة الدواء الأوروبية (EMA) وهيئة الدواء والغذاء الأمريكية (U.S. FDA) لتطوير وتسجيل العلاجات الجينية. وبلغ عدد التجارب الإكلينيكية المسجلة حالياً أكثر من ألف تجربة، بل إن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية توقعت أن توافق على ما بين 10 إلى 20 علاجا جينيا سنوياً بحلول عام 2025. وهذا المجال لم يعد ضرباً من الخيال العلمي أو مقتصراً على الأبحاث المختبرية، ففي عام 2012 تمت الموافقة على أول علاج جيني Glybera من قبل مؤسسة الدواء الأوروبية، ثم تبعتها موافقة هيئة الدواء والغذاء الأمريكية على Luxterna عام 2017 وZolgensma عام 2019، وكلها علاجات جينية قائمة على استخدام الفيروس AAV. كذلك تمت الموافقة على عدة علاجات جينية قائمة على استخدام الفيروس LENTIVIRUS كما هو الحال في Strimvelis وZynteglo.
إن لدى العالم العربي عامةً ودول الخليج العربي خاصةً فرصة ذهبية للاستفادة من التطور العلمي في علوم الطب الجيني والتسارع الكبير في عالم العلاج الجيني؛ لما لهذه العلوم من قدرة على علاج كثير من الأمراض الجينية المنتشرة في عالمنا العربي بسبب انتشار زواج الأقارب الذي يؤدي إلى اختزال بعض الصفات الوراثية المرضية الذي ينتج منه اختلالات وراثية متنحية.
Therapeutic gene | الجين العلاجي |
Vectors | النواقل |
Target cell | الخلية المستهدفة |
In Vivo | داخل الجسم الحي |
Ex Vivo | خارج الجسم الحي |
Patient | المريض |
Isolation of hematopoietic target cells | عزل الخلايا المستهدفة المكونة للدم |
Gene transfer | نقل الجين |
Reinfusion of gene-modified cells +/- BM conditioning | إعادة ضخ الخلايا المعدلة جينياً مع أو من دون (+/-) تهيئة نخاع العظم |