خليل أمين.. رائد بطاريات السيارات الكهربائية
عندما نفكر في العلماء وأبحاثهم، نتخيل المفاهيم النظرية التي تزدهر في بيئة المختبر، ولكنَّ هذا لا ينطبق على خليل أمين، الحائز «جائزة الكويت للعلوم التطبيقية» للعام 2022، من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. يعمل أمين في مجال تكنولوجيا تخزين الطاقة – في الغالب تقنيات البطاريات المتقدمة – على مستوى المواد والأنظمة للتطبيق في السيارة الكهربائية والشبكة الذكية. ولكنْ يمكن تطبيق هذه التكنولوجيا – أيضاً – على الإلكترونيات الاستهلاكية، والأجهزة الطبية، والأقمار الاصطناعية، والتطبيقات العسكرية، وذلك من بين جملة من التطبيقات الأخرى.
حصل أمين على درجة البكالوريوس من جامعة مراكش في المغرب، ثم الماجستير والدكتوراه من جامعة بوردو في فرنسا، وأتبع تلك بحصوله على درجة الدكتوراه من بروكسل ببلجيكا. بعد أن أكمل تعليمه، ذهب إلى اليابان في العام 1990، وبعد ذلك – مباشرة – بدأت شركة سوني في بيع بطارية ليثيوم أيون قابلة لإعادة الشحن، وذلك على مستوى تجاري. ويرى أمين أن هذا كان أفضل وقت للوجود في اليابان؛ لأن مجموعة كبيرة من العلماء كانوا يبحثون في تكنولوجيا بطاريات الليثيوم أيون الجديدة. بدأ أمين البحث في إمكان استخدام بطاريات للسيارات الإلكترونية؛ لكنها شكَّلت تحديّاً جديداً تماماً.
قد يكون عمر الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية عامين أو ثلاثة أعوام؛ لكن عمر السيارة الكهربائية يصل إلى 15 عاماً؛ لذلك – يقول أمين – يجب أن يكون لدينا شيء مستقر وقوي ويوفر الطاقة المطلوبة، وفي الوقت نفسه منخفض التكلفة، لاستخدامه كبطاريات للسيارات الكهربائية. بدأ بحثه في جامعة كيوتو، وانضم أيضاً إلى المختبر الوطني بمعهد أوساكا الوطني للأبحاث، وتبوأ مكانته في مجتمع البطاريات، باختراعه أول كاثود 5 فولتات. يُستخدم هذا الكاثود الآن عالمياً لتطبيقات الشبكة الكهربائية وأنظمة 48 فولتاً.
قاده تطوير بطاريات 5 فولتات إلى مختبر آرغون الوطني في الولايات المتحدة؛ حيث تم تعيينه لتشكيل الفريق، ومواصلة العمل على هذه التكنولوجيا هناك. يقول أمين إن مختبر آرغون يمتاز عالميّاً بأحدث المعدات، وقد استقطب أفضل العقول لإجراء الأبحاث. وهناك شكَّل فريقه وصاروا يعملون على أربعة إلى خمسة مشروعات في وقت واحد. وفي مختبر آرغون شارك أمين في اختراع مادة الكاثود NMC التي تستخدمها الآن معظم السيارات الكهربائية حول العالم. وقد ساعد اختراعه هذا على تقليل انبعاث الغازات الدفيئة؛ إذ صار من الممكن إنتاج السيارات الكهربائية إنتاجاً تجاريّاً واسعَ النطاق. لدى أمين أكثر من 700 بحث، وأكثر من 200 براءة اختراع باسمه، وبالتعاون مع فريقه. وبما أن مختبر آرغون مؤسسة بحثية، فإن أي ابتكار ينبغي أن تُسجَّل براءة اختراعه أولاً قبل نشره.
تم ترخيص وتسويق نحو 30 من براءات اختراعه. ويحرص أمين على تعزيز التكنولوجيا لضمان وصول ابتكاراته إلى العالم الحقيقي. يقول جود فيردن، المدير المساعد لمختبر شمال غرب المحيط الهادئ الوطني: «إن أمين واحد من الناس الذين التقيت بهم تفرداً، فلا تمتاز أبحاثه بالتميز العالمي فقط، ولكنه – أيضاً – يبتكر ويقدم حلولاً للصناعة وصانعي البطاريات على مستوى العالم». ويتابع قائلا: «خليل لديه القدرة على التساؤل: ما أهم المشكلات التي تتعامل معها الصناعة؟ ما البحث العالمي الذي يمكنني القيام به لمعالجتها؟ ومن ثم تعود هذه الحلول المبتكرة إلى الصناعة».
وهو ينظم العديد من المؤتمرات الناجحة على مستوى العالم، حيث يجمع كبار العلماء، وأهم الشركات في العالم في مجال بطاريات السيارات معاً دوريّاً، عبر هذه المؤتمرات. أراد أمين، الحائز «جائزة الطاقة العالمية» للعام 2019، أن يكون مخترعاً وعالماً منذ صغره، وينسب الفضل في ذلك إلى والده الذي عزّز هذا الدافع لديه. كان والده أستاذاً للغة العربية، وقد أولى أهمية للتعليم، ودفعه بشدة إلى التفوق. وسعياً إلى أن يكون الأفضل، اختار أمين دراسة موضوعات متنوعة جداً: الكيمياء وعلوم المواد. لقد ساعدته دراسة الموضوعات المتنوعة على أن يكون مخترعاً غزير الإنتاج؛ لأنه يستطيع دمج مفاهيم من مجالات مختلفة لابتكار شيء ثوري. ويستخدم خبرته الواسعة في كيمياء الفلور، وكيمياء الكربون، والموصلية الفائقة، والفيزياء، وكيمياء الإقحام Intercalation chemistry لاختراع مواد تعمل على استقرار كيمياء البطاريات، وإنشاء مواد إلكترودات وإلكتروليتات جديدة، وأنظمة بطاريات مستحدثة.
أمين مواطن أمريكي، لكنْ لديه حب قوي جداً للمغرب، وهو شغوف بمساعدة شعبه؛ فيوفر فرصاً للطلبة المغاربة لإجراء الأبحاث في أفضل المؤسسات حول العالم. وقد قبل فيردن كثيرين منهم في مختبره. يهدف المغرب إلى خلق بيئة يساعد فيها شعبه الدولة على تحقيق رؤيتها للطاقة النظيفة. يشارك أمين في ذلك الجهد على جميع المستويات، ويعمل على تجميع هذه القطع معاً لتمكين الطلبة الذين لم يكن من الممكن أن يحصلوا على مثل هذه الفرص.
عندما نتحدث عن البطاريات، فإن النقاش الدائر بشأن الكهرباء العالمية، والمركبات الكهربائية هو في صلب الموضوع. يقول خليل أمين إنه إذا أردنا أن تكون البطاريات متاحة في كل مكان، فيجب علينا بناء نظام مستدام جدّاً، ومنخفض التكلفة جدّاً، وسهل الاستخدام. تبلغ التكلفة المستهدفة حالياً نحو 190 دولاراً لكل كيلووات في الساعة، ويجب أن يكون الهدف بحلول العام 2025 هو 100 دولار. إذا انخفضنا إلى 80 دولاراً أو 70 دولاراً لكل كيلووات في الساعة، فسنصل إلى تكافؤ في التكلفة بين السيارات التقليدية والكهربائية. ثم بحلول العام 2030، بدلاً من أن يكون لدينا 5 ملايين سيارة كهربائية، قد يكون لدينا 30 مليوناً.
ويعمل أمين حالياً على بطارية كثيفة الطاقة، تعتمد على الأكسجين والصوديوم. لقد تم بالفعل نشر إثبات المفهوم Proof of concept في مجلة نيتشر إنرجي Nature Energy. وبما أن كثيرين يتواصلون بهدف التعاون بعد النشر، يتوقع أمين أن يؤدي ذلك إلى تسريع تطبيق النظام، والتحقق من صحته. وهو يشعر بأنه إذا توافر جهد جماعي للعمل على هذا النظام، فإن هناك فرصة جيدة لأن يصبح متاحاً تجارياً في فترة تتراوح بين 10 و15 عاماً. وإذا كنت قلقاً من أن هذه التكنولوجيا المستقبلية قد تخنقك، فلا داعي للقلق! يقول أمين إن التفاعل قابل للعكس، ومن ثم فإنه لا يستهلك الأكسجين فقط، بل يُطلقه أيضاً في الغلاف الجوي.
لكنَّ أمين لا يلقي بثقله كله على نظام واحد فقط؛ إذ يعمل هو وفريقه أيضاً على الكبريت، وبطارية الحالة الصلبة، وبطارية أيونات الصوديوم… والمزيد. على الرغم من أن تركيزه ينصب – في الغالب – على ما هو أبعد من أيون الليثيوم، ويأمل أن تتمكن التكنولوجيا التي اخترعها، والتي تعتمد على الهواء والليثيوم أو الصوديوم، من تحقيق النجاح في حياته.
بقلم: شويتا