العلوم البيئيةالعلوم الطبيعية

حالة الخدمات المناخية في العالم.. الانتقال من الإنذارات المبكرة إلى العمل المبكر

على مدار 50 عاما حدثت أكثر من 11000 كارثة تعزى إلى أخطار تتعلق بالطقس والمناخ والماء، وتسببت في وفاة نحو مليوني شخص، وخسائر اقتصادية قدرها نحو 3.6 تريليون دولار

محمد البسام
كاتب علمي (الكويت)

      لا يكاد يمر أسبوع من الأسابيع في الأعوام القليلة الماضية إلا والعالم يشهد كارثة طبيعية في إحدى الدول تسفر في معظم الأحوال عن أضرار مادية بالغة، وفي بعض الأحيان ترافق تلك الأضرار خسائر في الأرواح فتصبح الأضرار شديدة جدا، وربما تؤدي في نهاية المطاف إلى الإعلان عن حالات الطوارئ في البلاد. وقد تستمر تلك الكارثة يوما أو عدة أيام، وقد تمتد لتبلغ أسبوعا أو أكثر، وفي بعض الحالات ربما تجاوز شهرا أو شهرين.

   وعلى مدار الخمسين عاما حدثت أكثر من 11000 كارثة تعزى إلى أخطار تتعلق بالطقس والمناخ والماء، وتسببت في وفاة نحو مليوني شخص، وفي خسائر اقتصادية قدرها نحو 3.6 تريليون                                         دولار أمريكي. وفي الوقت الذي انخفض فيه متوسط عدد الوفيات المسجلة لكل كارثة بمقدار الثلث خلال هذه الفترة، زاد عدد الكوارث المسجلة خمسة أمثال، وزادت الخسائر الاقتصادية سبعة أمثال، وذلك وفقاً لتقرير حالة الخدمات المناخية لعام 2020، الذي صدر بالتزامن مع اليوم الدولي للحد من مخاطر الكوارث في 13 أكتوبر الماضي.

   والناظر في أخطار هذه الكوارث يجد ان هناك تفاوتا شديدا في آثارها بين البلدان النامية والمتقدمة، إذ يزداد عدد الوفيات والأضرار المادية الجسيمة في الدول النامية عند وقوع أي كارثة مقارنة بما يحدث في الدول المتقدمة، بسبب التطور الكبير الحاصل في التنبؤ بهذه الكوارث والاستجابة لها ومعالجتها والتعامل معها.

      وزادت ظواهر الطقس والمناخ المتطرفة في تواترها وشدتها وحدتها نتيجة لتغير المناخ، وأصبحت تلم بالمجتمعات الضعيفة بشدة غير متناسبة. ومع ذلك، يظل واحد من كل ثلاثة أشخاص لا يتمتع بتغطية نظم الإنذار المبكر بالقدر الكافي. ويذكر التقرير أن نحو 108 ملايين شخص في العالم طلبوا المساعدة في عام 2018 من النظام الإنساني الدولي نتيجة للعواصف والفيضانات والجفاف وحرائق البراري في مناطقهم، في حين تظهر التقديرات أن هذا العدد مرشح للزيادة بحلول عام 2030 بنسبة نحو 50 %، وبتكلفة تبلغ نحو 20 بليون دولار أمريكي سنوياً.

    جهد دولي مشترك 

     يتضمن التقرير 16 دراسة حالة مختلفة عن نجاح نظم الإنذار المبكر بالأخطار، بما في ذلك الأعاصير المدارية والفيضانات والجفاف وموجات الحر وحرائق الغابات والعواصف الرملية والترابية والجراد الصحراوي والشتاء القارس وتفجّر البحيرات الجليدية.

   ويحدد التقرير الذي أعدته 16 وكالة ومؤسسة تمويل دولية، وأشرفت عليه المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، المكان والكيفية اللذين يمكن للحكومات أن تستثمر عبرهما في نظم ناجعة للإنذار المبكر، تعزز قدرة البلدان على الصمود أمام الأخطار المتعددة المتصلة بالطقس والمناخ والماء. ويشدد على ضرورة التحول إلى التنبؤ القائم على الآثار – أي التحول من “ما سيؤول إليه الطقس” إلى “ما سيفعله الطقس”، بحيث يتمكن الأشخاص وقطاع الأعمال التجارية من اتخاذ إجراءات مبكرة بناء على الإنذارات التي تعتمد في الأساس على تقنيات متطورة.

وأسهم في التقرير الوكالة الفرنسية للتنمية، و‏صندوق التكيّف، ومبادرة السياسات المناخية، ومبادرة المخاطر المناخیة ونظم الإنذار المبكر، ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، و‏الفريق المخصص المعني برصد الأرض، والصندوق الأخضر للمناخ، ومرفق البيئة العالمية، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وشراكة الإجراءات المبكرة القائمة على معرفة المخاطر، ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومجموعة البنك الدولي و‏المرفق العالمي للحد من الكوارث وللإنعاش التابع لها، وبرنامج الأغذية العالمي، ومكتب المناخ والصحة المشترك بين منظمة الصحة العالمية (WHO) والمنظمة (WMO).

  وفي مقدمة التقرير يقول الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية الدكتور بيتيري تالاس إن “نظم الإنذار المبكر تعتبر شرطا أساسيا للحد بصورة فعالة من مخاطر الكوارث والتكيف مع تغير المناخ … فالاستعداد للكوارث والقدرة على اتخاذ إجراءات في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب، يمكن أن ينقذا حياة الكثيرين ويحميا سبل عيش المجتمعات في كل مكان”.

كورونا وتغير المناخ

   يربط الباحثون بين التغيرات المناخية التي شهدها العالم في عام 2020 وبين التأخر في التعافي منها بسبب جائحة كوفيد-19 التي شهدها العالم في ذلك العام، وأحدثت أضرارا بالغة في كل المجالات والقطاعات.

   ويوضح تالاس ذلك بالقول: ” بينما فجر فيروس كورونا (كوفيد-19) أزمة صحية واقتصادية دولية كبيرة سيستغرق التعافي منها سنوات عدة، فمن الأهمية بمكان أن نتذكر أن تغير المناخ سيظل يشكل تهديداً مستمراً ومتزايداً لحياة الإنسان وللنظم الإيكولوجية والاقتصادات والمجتمعات لقرون مقبلة”.

    وأضاف: “إن التعافي من جائحة كوفيد-19 يمثل فرصة للمضي قدماً في طريق أكثر استدامة نحو تحقيق القدرة على الصمود والتكيف في ضوء تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية”.

    ويسعى التقرير إلى توفير أساس واضح لفهم كيفية تعزيز حماية الفئات الأكثر ضعفاً، لا سيما من خلال آليات معينة مثل مبادرة المخاطر المناخیة ونظم الإنذار المبكر (CREWS)، التي قدمت مع الوكالة الفرنسية للتنمية التمويل اللازم لإعداد التقرير وإصداره.

فجوة القدرات والموارد

      من الواضح أن ضعف القدرات المادية، وقلة الموارد المالية والاستثمارات الأجنبية لدى الدول النامية والفقيرة يؤثر تأثيرا بالغا في الحد من استفادتها من التقنيات الحديثة المتخصصة بالإنذار من الكوارث، ومن ثم فإن الأضرار الحاصلة بسبب أي كارثة طبيعية تكون بالغة. ولا يمكن تلافي هذه المشكلة إلا بوجود دعم عالمي لهذه الدول للحد من تأثير الكوارث في المستقبل، وإلا فإن الأضرار  ستشهد ازديادا طرديا.

  وهنالك نحو 90 % من أقل البلدان نمواً (LDCs) والدول الجزرية الصغيرة النامية (SIDS) تحتاج إلى مثل تلك التقنيات بصور ملحة للتعلب على المشكلات المرافقة لتغير المناخ. غير أن معظمها يفتقر إلى القدرات اللازمة لذلك، فضلاً عن أن الاستثمار المالي لا يتدفق دائماً إلى المجالات التي تمس فيها الحاجة إلى الاستثمار.

   ويذكر التقرير أنه منذ عام 1970، خسرت الدول الجزرية الصغيرة النامية 153 بليون دولار أمريكي بسبب الأخطار المتصلة بالطقس والمناخ والماء، وهو مبلغ كبير بالنظر إلى متوسط الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول البالغ 13.7 بليون دولار. وفي الفترة ذاتها، راح ضحية الأخطار المتصلة بالطقس والمناخ والماء في أقل البلدان نمواً 1.4 مليون شخص (70 % من إجمالي الوفيات).

وتظهر البيانات التي قدمها 138 عضواً في المنظمة (WMO) أن 40 % منهم فقط لديه نظم إنذار مبكر بالمخاطر المتعددة (MHEWS). وهذا يعني أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص في العالم يظل غير متمتع بالإنذارات المبكرة. كما أن هنالك 75 دولة من أعضاء المنظمة (WMO) تقدم في الوقت الحالي خدمات تنبؤ تعتمد على الآثار.

  ويرى التقرير أنه لا توجد قدرة كافية على نطاق العالم لترجمة الإنذارات المبكرة إلى إجراءات مبكرة لا سيما في أقل البلدان نمواً. وأكبر الثغرات في القدرات توجد في أفريقيا؛ ففي جميع أنحاء هذه القارة الشاسعة، يتمتع 00044 شخص فقط من كل 000100 شخص بمظلة الإنذارات المبكرة، في البلدان التي تتوافر فيها البيانات، في حين تتوافر قدرات جيدة من حيث المعرفة بالمخاطر والتنبؤ بها. وتعتمد جميع خدمات الطقس والمناخ على البيانات المستمدة من عمليات الرصد المنهجية. غير أن شبكات المراقبة غالباً ما تكون غير ملائمة، لا سيما في أفريقيا، حيث لم تستوف سوى 26 % من المحطات متطلبات الإبلاغ الخاصة بالمنظمة (WMO) في عام 2019.

تعزيز الاستثمارات

    إن الزيادة الحاصلة في عدد الكوارث المتصلة بالمناخ تظهر ضرورة زيادة الاستثمار في التكيف في جميع المجالات، لاسيما في الحد من المخاطر المتصلة بالطقس والماء والمناخ، وذلك من خلال الاستثمار في تحسين الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالمخاطر وتعزيز النظام (MHEWS).

   ووفق التقرير، فإن تمويل المناخ بلغ مستويات قياسية، متجاوزاً نصف تريليون دولار أمريكي لأول مرة في عامي 2018-2017. ومع ذلك، لا يزال العمل أقل بكثير مما هو مطلوب في ظل سيناريو 1.5 درجة مئوية. فالتقديرات تشير إلى الحاجة إلى تمويل قدره 180 بليون دولار أمريكي سنوياً خلال الفترة 2030-2020، حسبما اقترحت اللجنة العالمية المعنية بالتكيف.

    وعلى الرغم من أن التمويل السنوي المتتبع للمناخ بلغ تريليون دولار للمرة الأولى في عام 2018، فإن تمويل التكيف لا يمثل سوى جزء صغير جداً (5 %)، وتمويل المعلومات عن المخاطر ونظم الإنذار المبكر (EWS) ليس سوى جزء من ذلك.

توصيات استراتيجية

يقدم التقرير ست توصيات استراتيجية لتحسين تنفيذ نظم الإنذار المبكر وفعاليتها على نطاق العالم، وهي:

  1.     الاستثمار لسد الثغرات في القدرات فيما يتعلق بالنظم (EWS)، لا سيما في أقل البلدان نمواً والدول الجزرية الصغيرة النامية في أفريقيا.
  2.     تركيز الاستثمار على تحويل معلومات الإنذارات المبكرة إلى إجراءات مبكرة.
  3.     ضمان استدامة التمويل للنظام العالمي للرصد الذي تستند إليه الإنذارات المبكرة.
  4.     تتبع التدفقات المالية لتحسين فهم المجالات التي ستخصص فيها هذه الموارد فيما يتعلق باحتياجات تنفيذ النظم (EWS)، وتحديد الأثر المترتب على ذلك.
  5.     تحقيق مزيد من الاتساق في المراقبة والتقييم لتحديد فعالية النظم (EWS) بصورة أفضل.
  6.     سد الفجوات في البيانات، لا سيما في الدول الجزرية الصغيرة النامية.

 

 

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

I agree to these terms.

زر الذهاب إلى الأعلى