على مر التاريخ، كان الوصول إلى موارد طاقة معقولة التكلفة أحد العوامل الرئيسية في تطور الحضارات ومحركاً للنجاح الاقتصادي. هذا وتتطلب الاستدامة والتغير المناخي والمخاوف البيئية الإسراع في خفض استخدام الوقود الأحفوري، ومن ثم فإن الحاجة إلى الاستثمار والبحث عن تقنيات الطاقة المتجددة الفعالة
أمر بالغ الأهمية.
بالنسبة إلى دولة مثل الكويت، يعتمد اقتصادها إلى حد كبير على النفط، فإن مثل إعادة التوجيه الاستثماري هذا يعد أكثر أهمية؛ وذلك لضمان الاستقرار الاقتصادي والحفاظ على مستويات المعيشة الحالية في بيئة قاحلة. ونظرًا إلى استحالة الاعتماد على الطاقة المائية وتوليد الطاقة من الأمواج في دول الخليج والشرق الأوسط، فإن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي خصصت مبلغا كبيرا في أبحاث الألواح الكهروضوئيةPhotovoltaic (اختصاراً: الألواح PV) أو الخلايا الشمسية، للاستثمار في مورد وفير لدى الكويت.
يقول ياسر عبد الرحيم، عضو هيئة التدريس في قسم الهندسة الكهربائية بكلية الهندسة والبترول في جامعة الكويت: “توفر الكويت حاليًا %6 من طاقة الوقود الأحفوري في العالم ككل”. ويضيف: “يعرف الجميع تأثير استهلاك الوقود الأحفوري على كوكبنا، وليس الأمر سوى مسألة وقت حتى ينفد احتياطي الوقود الأحفوري، أو يجد الناس بدائل مما سيكون له تأثير مدمر في اقتصادات مثل اقتصاد الكويت”.
عبد الرحيم عضو في فريق جامعة الكويت المشارك في مشروع أبحاث الخلايا الكهروضوئية متعدد المراحل بالشراكة مع المعهد البلجيكي IMEC، المركز الرائد عالميا للبحث والتطوير والابتكار في مجال الإلكترونيات النانوية والتقنيات الرقمية. بدأ فريق المشروع مناقشة إمكانات تصميم وتصنيع الخلايا الكهروضوئية في الكويت في المؤتمرات الدولية قبل ثماني سنوات. بعدها تعرَّف باحثو جامعة الكويت على ائتلاف (كونسورتيوم) تطوير الخلايا الكهروضوئية باستخدام السيليكون في المعهد IMEC.
يقول عبد الرحيم: “ الائتلاف هو مجموعة من مراكز الأبحاث والشركات الصناعية والأوساط الأكاديمية التي تعمل معًا على خريطة طريق موحدة لتطوير الألواح الكهروضوئية، وتخضع أبحاثها للمراجعة مرتين في السنة”. تمكن كل من جامعة الكويت والمعهد IMEC من أن يصبحا عضوين في الائتلاف في عام 2012، ثم تلقيا تمويلًا من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ثم قدمت المؤسسة منحة ثالثة وأخيرة للمشروع في 2019.
بحثا عن الخلايا الكهروضوئية المثلى
يدرس المشروع العديد من التقنيات الكهروضوئية. ويهدف الفريق في البدء إلى جعل خلايا السيليكون الكهروضوئية المتوفرة حالياً ذات الوصلة المتغايرة أو غير المتجانسة Heterojunction أرق ومن ثم أرخص، مع الحفاظ على أدائها. ويستكشف مسار بحثي ثانٍ استخدام مواد جديدة لتطوير الخلايا الكهروضوئية، مع التركيز على هياكل معادن الهالايد Metal halide structures العضوية-غير العضوية من البيروفسكايت Perovskite، التي تمتاز بمجموعة استثنائية من الخصائص الواعدة جداً للخلايا الكهروضوئية.
يقول عبد الرحيم: “إن البيروفسكايت مواد ممتازة لامتصاص الطاقة من الشمس، بسبب خاصية تعرف باسم ’فجوة النطاق’ Bandgap الخاصة بها والتي تتوافق مع الطاقة القصوى لضوء الشمس… كما أنها توصل الكهرباء بكفاءة عالية. عندما صنع العلماء لأول مرة أجهزة تستخدم مواد البيروفسكايت، دُهشوا من كفاءتها العالية نظراً إلى أنها صُنعت من مواد غير مكلفة وباستخدام تقنيات معالجة رخيصة نسبياً”.
إن الميزة الأخرى للمادة الكهروضوئية المصنوعة من البيروفسكايت هي أنه يمكن تصنيعها من قاعدة في حالة سائلة Liquid-form base، وهذا يعني أنه يمكن رش طبقة رقيقة جداً منها على الأسطح. وهذا يفسح المجال أمام رشها على أجهزة مرنة يمكن وضعها على أسطح منحنية، وإمكانية صنع نوافذ شفافة من الخلايا الشمسية.
ويشير عبد الرحيم إلى أن “رأس المال الاستثماري اللازم لإنشاء معامل ومصانع الأجهزة الكهروضوئية التي تعتمد على البيروفسكايت يمثل جزءاً صغيراً مما هو مطلوب لتصنيع أجهزة تعتمد على السيليكون”. ويضيف إنه “خلال المرحلة الثالثة من مشروعنا، وبالاستعانة بخبرة المعهد IMEC، نهدف إلى إقامة منشأة لتصنيع الخلايا الكهروضوئية بالاعتماد على البيروفسكايت في الكويت”.
وبينما يستفيد فريق جامعة الكويت من الوصول إلى المعرفة القيِّمة والمعدات عالية التقنية المتاحة في المعهد IMEC، فإن عبد الرحيم يفتخر بمساهمة باحثي جامعة الكويت بأفكارهم وآرائهم في المشروع، مع إسهامات كبيرة في تعزيز الفهم الأساسي لكيفية عمل الخلايا ذات الوصلات غير المتجانسة وأَمْثَلَة Optimization أداء الوحدة الكهروضوئية. أما التحدي الذي تواجهه أمثَلة الأداء فهو كيفية إنشاء وحدات كهروضوئية يمكنها مقاومة المناخ القاسي في الكويت. ولكي تصبح الطاقة الشمسية مصدر الطاقة السائد في الصحراء، يجب إيجاد توازن دقيق بين: تكلفة تصنيع مواد تحافظ على استقرارها وفعاليتها في الظروف القاسية، وتطوير بنية أساسية مناسبة، وتوفير الطاقة المولَّدة بسعر معقول، وتكاليف تصدير الطاقة إلى الدول المجاورة.
يقول عبد الرحيم: “على الرغم من أن الخلايا الكهروضوئية القائمة على البيروفسكايت تثير الكثير من الحماسة، فإن هناك عيوبًا في استخدامها – خاصة في الصحراء، لأنها تتحلل تحت الحرارة الشديدة والضوء القوي. … ستساعد أبحاثنا على تحسين فهم سلوك الأجهزة وتعزيز استقرار الخلايا في البيئات القاحلة”.
تتمثل إحدى طرق تحقيق ذلك في وضع خلايا البيروفسكايت داخل علبة واقية وشفافة مصنوعة من البلاستيك أو الزجاج أو الإيبوكسي Epoxy. ومع ذلك، فإن هدف عبد الرحيم طويل المدى هو تصميم مواد نانوية مستقرة بطبيعتها في ظل الظروف القاسية، لضمان حياة طويلة لكل لوح شمسي. كما يحتاج الفريق إلى تصنيع عناصر بيروفسكايت كهروضوئية باستخدام عناصر غير سامة، إذ تستخدم التصاميم الحالية الرصاص واليود، وهذا قد يلحق الضرر بالبيئة بمرور الوقت.
يقول عبد الرحيم: “هناك هدف آخر هو الجمع بين البيروفسكايت والسيليكون لصنع خلايا شمسية ذات ’بنية مترادفة’ Tandem structure”. ويوضح أن “هذه التقنية الهجينة تحقق أفضل ما في التقنيتين، باستخدام خلية بيروفسكايت مصممة لالتقاط جزء الطول الموجي القصير من أشعة الشمس بوضعها فوق خلية السيليكون المصممة لالتقاط الأطوال الموجية الأطول؛ إن لهذا المزيج القدرة على زيادة كفاءة الخلايا الشمسية إلى أبعد ما هو ممكن حاليًا”.
أما الطموح الآخر فهو إجراء أبحاث على ألواح ذات وجهين. يمكن لهذه الأجهزة التقاط أشعة الشمس من كلا الجانبين، الأمر الذي يزيد من كفاءة الخلايا الشمسية عن طريق التقاط أشعة الشمس الشاردة التي تقع على ظهر الألواح الشمسية.
تركز الشراكة في المقام الأول على تطوير الخلايا الكهروضوئية في الوقت الحالي، لكن هناك خططاً لإشراك باحثين آخرين في المستقبل القريب للتركيز على البنية التحتية المطلوبة، بما في ذلك إلكترونيات الطاقة وتقنيات البطارية.
يقول عبد الرحيم: “أنا سعيد بالتقدم الذي نحرزه بالتعاون مع المعهد IMEC بمساعدة التمويل الذي نحصل عليه من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. … ربما تكون السنوات القليلة المقبلة حافلة بالأحداث بالنسبة إلينا، وهذا سيزيد شغفنا للمساهمة في مصادر الطاقة المستدامة والمستقرة من أجل بلدنا بل وحتى لتحقيق ما هو أبعد من ذلك”.