مقالات في العمق

حمد ياسين: جهود حثيثة لتشخيص داء الكلى المتعدد الكيسات وعلاجه

الكلية الطبيعية هي بحجم قبضة يد الإنسان وهي تشبه في الشكل حبة الفاصولياء. يوجد لدى الإنسان زوج من هذه الكلى يقعان إلى يسار ويمين الظهر أسفل القفص الصدري. ولكن لدى الإصابة بداء الكلي المتعدد الكيسات الصبغي الجسدي السائد Autosomal Dominant Polycystic Kidney Disease (اختصارًا: الداء ADPKD) قد تنمو الكليتان لتصيرا بحجم ثمرة الشمام وتزن كل منهما أكثر من 13 كيلوغرامًا؛

ذلك لأن المرض يتسبب في نمو تكيسات على الكلى. وفي بعض الأحيان، تنمو على الكلى الآلاف من هذه الأكياس الممتلئة بالسائل والتي تشبه البثور ويتراوح حجمها من مجرد نقطة قلم إلى ما هو أكبر من حجم حبة الرمان. يقول حمد علي ياسين، الأستاذ المشارك في الطب الجينومي بجامعة الكويت والباحث المشارك في معهد دسمان للسكري، إن هذه التكيسات تؤثر بمرور الوقت “في الأنسجة السليمة في الكلى وفي قدرتها على الترشيح”.

تختلف التقديرات، ولكن يبدو أن هذه الحالة المؤلمة تؤثر في واحد من كل 800 إلى 1000 شخص، فالداء ADPKD هو، وفق ما يقول ياسين، “مرض الكلى الوراثي الأكثر شيوعًا… وبعض المرضى يضطرون إلى الخضوع لعمليات زرع الكلى”، مشيرًا إلى أن بعض أقاربه وأصدقائه يعانون هذه الحالة الوراثية.

هذا ما دفع ياسين إلى إجراء أبحاث على المرض لمكافحته، وهو ساهم في الآونة الأخيرة، في إحراز تقدم كبير في المجال. بتمويل من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، شارك في مشروع تعاوني علمي عالمي كشف السبب الوراثي الثالث الأكثر شيوعًا وراء الإصابة بالداء ADPKD، الأمر الذي من شأنه إنقاذ عدد كبير من الأشخاص في الكويت وفي مختلف أنحاء العالم من خطر الإصابة بالفشل الكلوي.

درس ياسين، وهو أيضًا الأمين العام للجمعية الكويتية لزراعة الأعضاء، علم الجينات الجزيئي في جامعة ولاية أوهايو Ohio State University بالولايات المتحدة وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة نيوكاسل University of Newcastle بالمملكة المتحدة. وهو يتعاون مع باحثين وأطباء من أوروبا والولايات المتحدة لفك الألغاز الجزيئية لأمراض الكلى المزمنة.

هناك شكلان من الداء ADPKD، الأول شائع سائد والثاني متنحٍ أقل شيوعًا. يقول ياسين إنه في الشكل السائد، إذا كانت الأم أو الأب يحملان الطفرة المُعطلة وظيفيًا “يكون الطفل عرضة بنسبة 50 % للإصابة بالمرض”. وفي حالات نادرة، قد يصاب الطفل أيضًا بالمرض جراء طفرة جينية عفوية من دون أن يحمل أي من الوالدين الخلل الجيني.

يبلغ عدد المصابين بالمرض ما بين أربعة إلى سبعة ملايين في جميع أنحاء العالَم، ولكن ربما لا يدرك العديد ممن يعانونه أنهم مصابون بهذه الحالة، خاصة في سنوات الشباب. يقول ياسين: “إن مسار المرض متغير بدرجة كبيرة، بدءًا من القصور الكلوي المبكر في العشرينات من العمر، إلى بقاء وظائف الكلى طبيعية حتى العقد السابع من العمر”. في كثير من الأحيان، لا تظهر الأعراض لدى المرضى إلا في عقد العشرينات والثلاثينات من العمر.

المؤشر الأول بشكل عام هو ارتفاع ضغط الدم، كما يشكو العديد من المرضى من ألم مزمن في خاصرتهم وقد تظهر أيضًا مضاعفات صحية أخرى. والمصابون بالداء ADPKD هم معرضون أكثر -بنحو خمسة أضعاف- لخطر الإصابة بتمدد الأوعية الدموية في الدماغ Aneurysms in the brain – وهي انتفاخات تشبه البالون في الأوعية الدموية يمكن أن تتمزق، وتؤدي في أكثر الأحيان إلى الوفاة. وقد يصابون بتكيسات أقل شدة على الكبد أو على صمامات القلب اللينة وهي حالة تُسمى انسدال الصمام التاجي Mitral valve prolapse، وفيها لا ينغلق الصمام الذي يفصل حجرتي القلب بشكل صحيح، مما يتسبب في رفرفة أو خفقان في الصدر.

بمجرد أن تبدأ الأكياس في التأثير في قدرة الكلى على تصفية الفضلات من الجسم وطرحها في البول، يمكن أن تتراكم المستويات السامة منها مسببة حالة تسمى اليوريمية Uremia. عندما يحدث ذلك، يدخل المريض في المرحلة النهائية من مرض الكلى أو الفشل الكلوي. للبقاء على قيد الحياة، يحتاج المرضى للخضوع لغسيل الكلى بانتظام أو إجراء عملية زرع – “إذا توفرت الكلية”، يقول ياسين. في المتوسط، يعاني المصابون بالداء ADPKD بالفشل الكلوي في الخمسينات من العمر، وقد يحدث ذلك لدى البعض في وقت أبكر من ذلك.

كان الأطباء على دراية بجينين رئيسيين، يُسمى أحدهما PKD1 والثاني PKD2، ويسببان معظم حالات الداء ADPKD. كما عرفوا بعض التشوهات الجينية الأخرى لكنها نادرة.

لكن في نحو خُمس المرضى، لم يكن معروفًا ما الذي يسبب المرض. يقول ياسين “لم ننجح في تحديدهم جينيًا… هذا يعني أننا لا نستطيع أن نقدم لهم أي معلومات حول مآل المرض Prognosis أو مدى خطورة حالتهم”، أو منحهم خيارًا يضمن أن أيًا من أطفالهم لن يصاب بالمرض، من خلال الحمل عن طريق الإخصاب في المختبر وفحص الأجنة قبل زرعها في الرحم.

يقول ياسين: “يمكنهم اختيار جنين لا يحمل الطفرة… ولكن إذا كنا لا نعرف الطفرة فلا يمكننا تقديم هذا لهم”.

فحص ياسين وزملاؤه في ثماني دول مئات الحالات التي لم ينجح الطب في الفصل بشأنها واكتشفوا صلة سببية بين الطفرات في الجين IFT140 مما يجعله السبب الجيني الرئيسي الثالث. قدم الفريق، بقيادة الباحث بيتر هاريس Peter Harris من مستشفى مايو كلينيك Mayo Clinic، تحليلًا إكلينيكيًا مكثفًا لهذه المجموعة الفرعية من المرضى. ولحسن الحظ، يبدو أن السبب الجيني المكتشف حديثًا يسبب تكيسات أصغر، مما يجعله أحد الأشكال الأقل خطورة للمرض.

الثلاسيميا

التعاون هو إحدى نقاط القوة لدى ياسين، كما يقول فهد المُلا، الرئيس التنفيذي لقطاع الابحاث في معهد دسمان للسكري. ويتابع الملا قائلا: “ينبغي أن تكون متواضعا لتغدو عالماً ناجحاً مثله… الداء ADPKD مرض غير متجانس إلى حد كبير. بعض الناس لديهم عدد قليل من الأكياس، وبعضهم الآخر المئات منها. وكانت هناك حاجة لفهمه على المستوى العالمي، ويعمل ياسين على دراسة المرض في إطار هذا البعد العالمي”.

يبدو أن الطفرات الجينية المُسبّبة للداء ADPKD تفسد البروتينات المُنظِّمة للخلايا التي تشكل الأوعية الدموية ومليون مُرشِّح Filter وأنبوبة (النُبَيبة) Tubules موجودين في كل كلية. يُشخص المرض عادة بالفحص بالموجات فوق الصوتية وتقنيات التصوير الأخرى، ولكن لا علاج له حاليًا. كل ما يمكن للأطباء أن يفعلوه هو أن يعالجوا ارتفاع ضغط الدم المصاحب للمرض، وأن ينصحوا المرضى بالحفاظ على وزن صحي وممارسة التمارين البدنية وتجنب التدخين وتناول نظام غذائي قليل الملح مع الكثير من السوائل، مما قد يبطئ نمو الأكياس. ومؤخرًا رخّصت بعض البلدان استخدام دواء جديد يُسمى تولفابتان Tolvaptan ويبدو أنه يؤخر إلى حد ما تدهور الكلى.

بتمويل من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، نجح ياسين في وضع خريطة جينية للداء ADPKD في الكويت لمعرفة الطفرات الأكثر انتشارًا بين سكان الكويت، ومدى ارتباط ذلك بخطورة المرض. واستكشف الباحث أيضًا ما إذا كانت المواد الموجودة في البول يمكن أن تكون بمثابة “مؤشرات حيوية” Biomarkers – وهي علامات تحذير مبكرة على أن كليتي المريض بدأتا في التدهور. حصل هذا العمل البحثي أيضًا على دعم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. ولم يسبق استكشاف المشهد الجيني للمرض ADPKD في الكويت من قبل. وهي كدولة صغيرة تتكون ألأسرة فيها في المتوسط من سبعة أفراد، يمكنها أن توفر معلومات جينية قيمة حول المرض ADPKD بما في ذلك تباين النمط الظاهري Phenotypic variation داخل الأسرة الواحدة. وصف بحث نشره ياسين في مجلة الكلى السريرية Clinical Kidney Journal وهي المجلة الرسمية لجمعية الكلى الأوروبية المشهد الجيني للمرض ADPKD في الكويت وصفا شاملا.

ويقول ياسين إن التغاير الجيني Genetic heterogeneity الملحوظ للداء ADPKD جنبًا إلى جنب مع طيف النمط الظاهري Phenotypic spectrum الواسع يكشف مستوى تعقيد الفيسيولوجيا المرضية لهذا المرض. ويمكن للاختبار الجيني للداء ADPKD تحسين رعاية المرضى من خلال تحسين التنبؤ بمآل المرض وتوجيه العلاج ودعم التجارب الإكلينيكية والمساعدة على تقديم الاستشارة الوراثية.

في المحصلة، قد يوفر التحرير الجيني علاجًا لملايين المصابين بالداء ADPKD. ويقول ياسين: “الداء مُرشَّح جيد للعلاج بالتحرير الجيني لأنه ينشأ بسبب جين واحد”. بفضل مساهمة ياسين البحثية، سيعرف مهندسو الجينات في المستقبل بالتحديد الجينات التي يجب استهدافها.

بقلم أوته إيبرلي

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى