انتصار الهتلاني الكيمياء التحليلية تجعل كل قطرة مهمة
تحسينات في تقنيات الطب الشرعي تساعد جهات إنفاذ القانون على التعرف على المشتبه فيهم وحل القضايا بسرعة أكبر. انتصار الهتلاني رائدةٌ في الكيمياء التحليلية في الكويت، إذ تعمل على تحقيق الأهداف التي حلمت بها وهي على مقاعد الدراسة. عن ذلك، قالت اختصاصية الكيمياء التحليلية في جامعة الكويت: “كنت أتابع كل البرامج التلفزيونية التي تتطرق إلى حل ألغاز الجرائم. كنت أراهم يستخدمون الأدوات نفسها التي لدينا في مختبرنا. أعلم أن الحلقات لم تكن واقعية، لكن الأمر كان يجذبني كثيرًا. رأيت الكيفية التي تُستخدم بها الكيمياء في مجال حقيقي ومهم، وكل ما أردت هو أن أفعل ذلك”.
نما اهتمام الهتلاني بالكيمياء التحليلية في جامعة هال University of Hull بالمملكة المتحدة حيث أمضت بعثتها لاستكمال دراساتها العليا، وكان التخصص المطلوب هو الكيمياء التحليلية. قالت الفائزة بجائزة جابر الأحمد للباحثين الشباب في مجال العلوم الطبيعية والرياضيات لعام 2020 التي تمنحها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (كيفاس): “لقد وجدتها رائعة حقًا. إذا كان بإمكانك تحليل شيء ما لتحديد ما يحتويه وبأي مقدار، فإن بإمكانك الإجابة عن العديد من الأسئلة”. ينبع اهتمامها بالموضوع جزئيًا من التحدي المتمثل في حل الألغاز. وعبر مقارنة البحث العلمي بحل جريمة ما، قالت: “لديك عدة أدلة وكلها مهمة، لكن الأمر متروك لك لتقرير أي منها أكثر أهمية”. فالتحليل الكيميائي قد يساعد عن طريق استخلاص أكبر قدر ممكن من المعلومات من كل دليل.
على سبيل المثال، كانت بصمات الأصابع عنصرًا أساسيًا في التحريات على مدى أكثر من قرن، لكن خبراء مثل الهتلاني يمكنهم الحصول على أشياء أكثر بكثير منها مقارنة بما كان ممكنًا في السابق. قالت الهتلاني إن بصمات الأصابع هي “أكثر من مجرد طبعة”، ويمكن أن يوفر تحليلها بطرق مختلفة معلومات حول العرق أو الجنس، إضافة إلى تفاصيل أخرى.
ركزت بعض أبحاثها على تحسين قدرتنا على استخدام بصمات الأصابع ليس لمعرفة من هو صاحبها فحسب وإنما كذلك معرفة الغرض الذي كان في يده. إذ يمكن أن يكون اكتشاف آثار للمخدرات وتحديدها لدى تحليل بصمات الأصابع مفيدًا جدًا في تحديد ما حدث في مسرح الجريمة، خصوصا مع تفاقم مشكلة المخدرات في الكويت.
تبحث الهتلاني في ذلك بالنظر في تعديل تقنية الإنتزاز/التأين بالليزر بمساعدة السطح، وتُعرف اختصارًا باسم تقنية SALDI؛ إذ تسلط الليزر على العينة فتؤيَنها ثم تحدد ماهية الجزيئات المتأينة باستخدام مطياف الكتلة، وهي تقنية شديدة الدقة. طوّرت الهتلاني العملية عندما تساءلت ما إذا كان يمكن تحسين هذه الطريقة برش بصمات الأصابع بجسيمات نانوية من أكسيد معدني. عندما جربوا الفكرة، وجد أعضاء فريق الهتلاني أنها قللت من ضوضاء الخلفية التي يمكن أن تشوِّش على التحليل. وتمكن الباحثون من اكتشاف آثار مخدرات – بشكل موثوق – على بصمات الأصابع بعد أسبوع، بعد تخزين العينات في درجات حرارة منخفضة أو معتدلة.
ويعمل فريقها الآن على استخلاص مزيد من المعلومات من بصمات الأصابع؛ يعمل أحد الطلبة على التعرف على آثار مستحضرات التجميل في بصمات الأصابع، وربما حتى التعرف على العلامة التجارية المحددة، في حين يحاول طالب آخر اكتشاف مزيد من المعلومات حول “الخصائص الذاتية” – أو سمات الشخص الذي ترك البصمة.كما توصلت الهتلاني إلى طريقة تمكنها من التعرف على سمات شخص ما من خلال عينة صغيرة من اللعاب. فقضت تفرغها العلمي في مختبر إيغور ليدنيف Igor Lednev’s lab في جامعة ألباني، جامعة ولاية نيويورك University at Albany, SUNY، لتتعلم تقنية مطيافية رامان Raman Spectroscopy. لدى استخدام مطيافية رامان، تُضاء العينة بالليزر وتُستخدم التغيرات في طاقة الفوتونات المنبعثة لتحديد التركيب الجزيئي للعينة. أعجب ليدنيف بعمل الهتلاني وقال: “أدركنا على الفور أن لديها خلفية ممتازة وخبرة كبيرة في التحليل الطيفي والقياس الطيفي. أبحاثها كانت ممتازة في مختبري، ونشرنا بحثًا مشتركًا في أرقى دورية علمية في هذا المجال”.
تناولت الورقة البحثية التي كانت موضوع غلاف ذاك العدد من المجلة معرفة ما إذا كان أثر اللعاب قد أتى من مدخن. من خلال تدريب نظام تعلم الآلة على أطياف رامان من مدخنين وغير مدخنين، طور الباحثون نموذجًا يمكنه تحديد مصدر العينة بدقة. قال ليدنيف: “ربما يكون هذا مفيدًا جدًا لجهات إنفاذ القانون، خاصة في بداية التحقيق، لأنه سيوفر معلومات إضافية حول المشتبه فيهم المحتملين”. تتوفر مقاييس طيف رامان المحمولة باليد، وهذا يتيح إجراء التحليل مباشرة في مسرح الجريمة.
أثناء تفرغها العلمي، طورت الهتلاني أيضًا طريقة محسنة لتشخيص داء الاضطرابات الهضمية الزلاقي Celiac Disease. كان فريق ليدنيف يستخدم تحليل رامان الطيفي لتشخيص الداء الزلاقي على أساس عينة من الدم، لكن نهجهم تطلب تحليلًا إحصائيًا لاكتشاف التغيرات الطفيفة في طيف رامان. من خلال تعديل الطول الموجي لأشعة الليزر المستخدمة، وجدت الهتلاني ظروفًا تنتج أطيافًا أسهل في التحليل بكثير. وقال ليدنيف: “حاليًا، صارت الاختلافات كبيرة جدًا. يمكنك رؤيتها بالعين المجردة”. على الرغم من أهمية النتائج، أشار ليدنيف إلى أنه ينبغي التحقق من صحتها باستخدام مجموعة عينات أكبر ومن ثم نشر نتائجها. وأضاف: “نحن نفكر حتى في تسجيلها كبراءة اختراع”.
كان الموضوع الأساسي في الكثير من أعمال الهتلاني هو استخلاص أكبر قدر ممكن من المعلومات من المواد المحدودة المتوفرة. وينطبق هذا على مساهمة أخرى قدمتها لمعالجة إدمان المخدرات. فمن خلال التقنيات نفسها المستخدمة لتحليل بصمات الأصابع، تمكنت الهتلاني وفريقها من معرفة ما إذا كان شراب ما يحتوي على مخدر من مجرد بضعة أجزاء من المليون من اللتر – أي من أقل من قطرة منه.
استحوذ تحليل المواد المخدرة على الدوام على اهتمام الهتلاني. عن ذلك قالت: “أعتقد أنها مشكلة الآن. وقد كانت مشكلة في الماضي، وستظل دائمًا مشكلة ستزداد سوءًا بمرور الوقت. إذا كان لدينا أشخاص يمكنهم العمل على هذا ومواكبة التغييرات باستخدام التكنولوجيا، فربما يمكننا احتواء الموقف”.
إن الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات من كل دليل أمر حيوي في الطب الشرعي، نظرًا لأن مواد التحقيق المتوفرة تكون محدودة ولا يمكن تعويضها. والميزة المهمة الأخرى للتقنيات التي تطورها الهتلاني هي سرعتها. فهي تقول إن على خبراء الطب الشرعي في الكويت التعامل مع عدد كبير جدًا من القضايا، لذا سيستفيدون من كل زيادة في السرعة والكفاءة. وهي تأمل على المدى الطويل أن يكون بالإمكان، من خلال مركز تعاوني بين جامعة الكويت ووزارة الداخلية، الجمع بين الباحثين وخبراء الطب الشرعي للدفع بالتحليلات إلى الأمام واكتشاف تطبيقات جديدة.