الموارد الطبيعية والأمن الغذائي ومسـتقبل البـشـــرية
نواف الناصر
هل ستكون قدرة البشر على إطعام أنفسهم في المستقبل معرضة للخطر بسبب الضغط الشديد على الموارد الطبيعية وتزايد عدم المساواة وآثار التغير المناخي؟ وكم ستبلغ كلفة التوسع في إنتاج الغذاء والنمو الاقتصادي على البيئة الطبيعية؟ وهل ستختفي نصف الغابات التي غطت الأرض في يوم من الأيام؟ وهل ستتعرض مصادر المياه الجوفية للنضوب بسرعة؟ ويتآكل التنوع البيولوجي بصورة كبيرة؟
تلك الأسئلة التحذيرية وغيرها من الأمور المتعلقة بالموارد الطبيعية والأمن الغذائي ومستقبل البشرية ودور بني البشر في ذلك كله، كانت محور تقرير حديث أطلقته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) من مقرها في روما، مستهدفة من خلاله تسليط الضوء على تلك الموضوعات المهمة لمستقبل البشرية، وبقاء أبنائها على قيد الحياة.
ووفق التقرير الذي صدر بعنوان (مستقبل الأغذية والزراعة: توجهات وتحديات)، فمن المرجح أن يبلغ عدد سكان العالم 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050. وفي سيناريو نمو اقتصادي معتدل، فإن هذه الزيادة في عدد السكان ستزيد من الطلب العالمي على المنتجات الزراعية بنسبة
%50 مقارنة بالمستويات الحالية، وهو ما سيزيد من الضغوط على الموارد الطبيعية الشحيحة أصلاً.
وفي الوقت نفسه، فإن أعداداً أكبر من الناس ستتناول حبوباً أقل وكميات أكبر من اللحوم والفواكه والخضراوات والأطعمة المصنعة، وذلك نتيجة التحول الغذائي العالمي السائد حالياً، وهو أمر سيضيف إلى تلك الضغوط بما يؤدي إلى زيادة في إزالة الغابات وتدهور الأراضي وانبعاث غازات الدفيئة.
جهود لتقليص الجوع
إن التوجه الحالي السائد لدى البشرية في التعامل مع الموارد الطبيعية، ربما يتجاوز قدرة كوكب الأرض على التحمل، وفق ما كتبه المدير العام (للفاو) جوزيه غرازيانو دا سيلفا، في مقدمة التقرير، مضيفا إنه إلى جانب هذه التوجهات، سيشكل تغير المناخ عوائق إضافية؛ لأنه سيؤثر على كل جوانب الإنتاج الغذائي. وتشمل هذه العوائق تقلبات هطول الأمطار وزيادة في حالات الجفاف والفيضانات.
وعلى الرغم من تحقيق تقدم حقيقي وكبير في جهود تقليص الجوع في العالم خلال السنوات الثلاثين الماضية، فإن «كلفة التوسع في إنتاج الغذاء والنمو الاقتصادي كانت غالباً عالية على البيئة الطبيعية»، وفق التقرير. كما أن نحو نصف الغابات التي غطت الأرض في يوم من الأيام قد اختفت الآن، في حين تنضب مصادر المياه الجوفية بسرعة ويتآكل التنوع البيولوجي بصورة كبيرة.
وفي ضوء ذلك كله، فإن قدرة البشر على إطعام أنفسهم في المستقبل معرضة للخطر بسبب الضغط الشديد على الموارد الطبيعية وتزايد عدم المساواة وآثار التغير المناخي.
الإنتاجية وموارد الطعام
وبالنظر إلى المجال المحدود لاستخدام الزراعة النامية للمزيد من الأراضي وموارد المياه، فإن الزيادة في الإنتاج المطلوبة لتلبية الطلب المتنامي على الغذاء لن تتحقق إلا من خلال تحسين الإنتاجية وفعالية استخدام الموارد، كما يرى التقرير، مضيفا إن هناك مؤشرات مقلقة تظهر أن النمو في إنتاج المحاصيل الرئيسية يستقر عند مستواه. فمنذ تسعينيات القرن العشرين لم يزد إنتاج الذرة الصفراء والأرز والقمح على المستوى العالمي إلا أكثر بقليل من %1 سنوياً.
واستمرار الوضع على ما هو عليه ليس خياراً مناسبا لمواجهة التحديات الواردة في التقرير. لذا يرى التقرير أن العالم بحاجة إلى إجراء تحولات رئيسية في أنظمة الزراعة والاقتصادات الريفية وإدارة الموارد الطبيعية إذا أراد التصدي للتحديات التي يواجهها، والاستفادة من كامل طاقات الأغذية والزراعة لضمان مستقبل صحي وآمن لجميع الناس وكوكب الأرض بكامله.
ويقول إن أنظمة الزراعة ذات المدخلات العالية والاستخدام الكثيف للموارد، والتي تسببت في إزالة الغابات بصورة كثيفة وندرة المياه ونضوب التربة ومستويات عالية من انبعاث غازات الدفيئة، لن توفر إنتاجاً غذائيا وزراعياً مستداماً.
ويتمثل التحدي الرئيسي الذي يواجه البشرية في إنتاج المزيد بموارد أقل، مع حماية وتعزيز سبل معيشة المزارعين الأسريين وأصحاب الحيازات الصغيرة، وضمان حصول أكثر الناس ضعفا على الطعام. ولتحقيق ذلك ينبغي استخدام نهج ثنائي يجمع بين الاستثمار في الحماية الاجتماعية – لمعالجة نقص التغذية فوراً – والاستثمار في نشاطات إنتاجية لمصلحة الفقراء – لاسيما في الزراعة والاقتصادات الريفية – لزيادة فرص تحقيق الدخل للفقراء.
منظومات الغذاء والتحولات الكبرى
إن السؤال الرئيسي الذي يطرحه تقرير (الفاو) هو: هل ستكون الزراعة ومنظومات الغذاء في العالم قادرة في المستقبل على تلبية حاجات سكان العالم المتزايد بصورة مستدامة؟
والجواب عن هذا السؤال هو: نعم، تستطيع منظومات الغذاء ذلك، لكن إطلاق هذه الإمكانية، وضمان استفادة البشرية بكاملها يتطلب ما يسميه التقرير “تحولات كبرى”. ويلخص ذلك بالقول إنه من دون الاندفاع نحو الاستثمار في منظومات الغذاء وإعادة تنظيمها، سيظل الكثير من الناس جوعى عام 2030، وهو العام الذي حددته أجندة أهداف التنمية المستدامة للقضاء على انعدام الأمن الغذائي المزمن وسوء التغذية.
ويقول التقرير: «من دون جهود إضافية لنشر التنمية لمصلحة الفقراء وتقليص عدم المساواة وحماية الناس الضعفاء، سيكون هناك أكثر من 600 مليون شخص يعانون من نقص التغذية في عام 2030». وفي الواقع، فإن معدل التقدم الحالي لن يكون كافيا للقضاء على الجوع حتى بحلول عام 2050.
منظومات مستدامة
إن العالم سيحتاج إلى الانتقال إلى أنظمة غذائية أكثر استدامة، بحيث يكون بالإمكان الاستفادة بصورة فعالة من الأراضي والمياه وغيرها من المدخلات الزراعية والحد من استخدام الوقود الأحفوري، وبما يؤدي إلى انخفاض انبعاثات غازات الدفيئة والحفاظ على أكبر قدر ممكن من التنوع البيولوجي والحد من الهدر. ووفق التقرير، فإن هذه الخطوة تتطلب المزيد من الاستثمارات في الأنظمة الزراعية والغذائية الزراعية، و زيادة الإنفاق على البحث والتطوير بهدف تعزيز الابتكار ودعم زيادة الإنتاج المستدام، وإيجاد طرق أفضل للتكيف معَ المشكلات الأخرى مثل شح المياه والتغير المناخي.
وإضافة إلى زيادة الإنتاج والقدرة على الصمود، فمن المهم أيضاً إيجاد سلاسل إمداد غذائية تساعد على وصول المزارعين في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل إلى الأسواق الحضرية بصورة أكثر فاعلية، إلى جانب وضع تدابير تضمن حصول المستهلكين على أغذية مغذية وآمنة بأسعار معقولة، مثل فرض سياسات التسعير وبرامج الحماية المجتمعية، وفق ما يقترح التقرير.