السوبرنوفا (المستعرات العظمى) التي رصدها العلماء العرب
د. سائر بصمه جي
يعرف علماء الفلك السوبرنوفا (المستعر الأعظم أو الفائق) Supernova بأنه نجم يتألق فجأة بشكل هائل، بحيث يتضاعف لمعانه ملايين المرات. ويحدث ذلك عندما يتعرض نجم إلى انفجار في كامل كتلته، بحيث تقذف بعيداً مصدرة ضياءً شديداً. وتحدث مثل تلك الانفجارات في النجوم التي قطعت شوطاً كبيراً في تطورها، متجاوزة حزام التتابع الرئيسي، هابطة دونه، مقلصة مادتها النجمية إلى درجة كبيرة، مع ارتفاع حرارة مركزها من جراء ذلك إلى نحو 600 مليون درجة مئوية، مما يجعلها تحت قوتين: (الجاذبة المركزية وقوة الضغط للخارج بفعل الحرارة)، تعملان على انهيارها.
وسجل العلماء العرب رصدهم لاثنين من هذه النجوم السوبرنوفا: الأول هو SN1006، والآخر SN1054، وذلك في القرن (الخامس الهجري/ الحادي عشر للميلاد).
واستخدم العلماء العرب عدة أوصاف تخص السوبرنوفا، فقد أطلقوا عليها لفظ (النيزك العظيم) و(الكوكب الكبير) و(الكوكب الأثاري) و (النجم العظيم الشأن). ولم يذكروا لفظ (النجم) لأنه كان في العرف العلمي السائد أن لفظ (النجم) تحديداً يشير إلى مجموعة نجوم الثريا.
السوبرنوفا SN1006
تذكر كتب التاريخ أن العالم العربي علي بن رضوان (توفي 453 هـ/1061م) رصد ما عرف (بالنيزك العظيم) في 29/7/396هـ (الموافق 30/4/1006م) نحو الساعة الحادية عشرة ليلاً، وهو لم يكن نيزكاً بالمعنى المتعارف عليه حالياً، وإنما هو السوبرنوفا SN1006.
وتتبع الباحث برنارد غولدشتاين B. Goldstein دراسة هذا السوبرنوفا فعثر على سجلات في بلدان أخرى (الصين، أوروبا) تشير إلى ظهوره، لكنها لم تكن دقيقة كما شرحها علي بن رضوان. فقد وصفه راهب في سويسرا بأنه نجم له قدرٌ غير عادي، وأنه ظهر في أقصى الجنوب، وأنه بقي يتقلص ويتمدد لمدة ثلاثة أشهر. وبعد أن جمع غولدشتاين الكثير من المعلومات طلب إلى القائمين على مرصد (يال) في أمريكا الجنوبية تصوير الموقع في ربيع عام 1965م، فحصلوا على صورة فيها قرص مقداره 25 ثانية قوسية، رجحوا أنه الأثر المتبقي من نجم علي بن رضوان.
وضع ابن رضوان رصده لهذا السوبرنوفا في تعليقه على كتاب بطليموس Tetrabiblos أي الكتب الأربعة. وقال ابن رضوان: «… وكان نيزكاً عظيماً مستدير الشكل، يكون عظمه قدر الزهرة مرتين ونصف أو ثلاث مرات. وكان نوره يضيء منه الأفق، ويلمع لمعاناً شديداً ومقدار ضيائه ربع ضياء القمر وأكثر قليلاً». ومثل غيره من الفلكيين، ذكر ابن رضوان أن النجم الجديد كان منخفضاً في الأفق الجنوبي. وقدّم رهبان في دير القديس غال بيانات مستقلة عن حجمه وموقعه في السماء، فكتبوا أنه: «… شوهد لمدة ثلاثة أشهر في أقصى الجنوب، وراء كل الأبراج التي ينظر اليها في السماء».
موقع السوبرنوفا
وحدد ابن رضوان موقعه بالضبط حيث قال: «كانت الشمس في ذلك اليوم على ارتفاع 15 درجة في كوكبة الثور والمشهد على بعد 15 درجة من كوكبة العقرب»؛ أي إنه يقع في كوكبة الذئب جنوب كوكبة العقرب.
ومن المرجّح أن السوبرنوفا الذي أشار إليه ابن الأثير (توفي 630هـ / 1233م) ودونه في كتابه (الكامل في التاريخ) في شعبان 396هـ/مايو 1006م، هو نفسه الذي رصده ابن رضوان. حيث قال ابن الأثير: في ” مستهل شعبان، طلع كوكب كبير يشبه الزهرة عن يسرة قبلة العراق، له شعاع على الأرض كشعاع القمر، وبقي إلى منتصف ذي القعدة وغاب”. ووثق بعض مؤرخي الحوليات في (القرن 10هـ/ 16م) مثل ابن الديبع الشيباني (توفي 944هـ/1537م) ظهور هذا السوبرنوفا. لكنهم لم يحددوا لنا هل كانت مصادرهم عمن سبقهم من المؤرخين؛ لأننا سنجد بعض الاختلافات في أوصاف رصده.
قال ابن الديبع: «فلما كانت ليلة النصف من رجب سنة ستة وتسعين وثلثمائة طلع نجم مثل الزهرة أربع مرات بعد غروب الشمس بنصف ساعة، ولم يكن مدوّراً بل هو إلى الطول أقرب وفي أطرافه مثل الأصابع وله حركة عظيمة كأنه في ماء يضطرب، وله شعاع كشعاع الشمس وكان طلوعه في منزلة الغفر من برج الميزان، ولم يزل كذلك إلى ليلة النصف من رمضان ثم نقص نوره واضمحل».
والعنصر المشترك في الروايات كلها هو أن قدر السوبرنوفا SN1006 يعادل قدْر كوكب الزهرة الذي يكون (-4.14) في حالته العظمى. ويذكر معظمهم أنه مكث يُرى في السماء من شعبان إلى منتصف ذي القعدة أي نحو ثلاثة أشهر ونصف.
واكتشف علماء الفلك الحديث البقية الباهتة لهذا الانفجار وقرروا أنه كان على بعد 7100 سنة ضوئية من الأرض.
السوبرنوفا SN1054
السوبرنوفا الآخر الذي رصده العلماء العرب هو SN1054. ووثّق ظهوره لنا الطبيب والمؤرخ ابن أبي أصيبعة (توفي 668هـ /1270م) نقلاً عن الطبيب المختار بن بطلان (توفي 458هـ/ 1066م).
قال ابن أبي أصيبعة: «ونقلت من خطه فيما ذكره من ذلك ما هذا مثاله قال: ومن مشاهير الأوباء في زماننا الذي عرض عند طلوع الكوكب الأثاري في الجوزاء من سنة ست وأربعين وأربعمائة، فإن في تلك السنة دفن في كنيسة لوقا بعد أن امتلأت جميع المدافن التي في القسطنطينية أربعة عشر ألف نسمة في الخريف. وقال أيضاً بعد ذلك ولأن هذا الكوكب الأثاري طلع في برج الجوزاء وهو طالع مصر أوقع الوباء في الفسطاط بنقصان النيل في وقت ظهوره في سنة خمس وأربعين وأربعمائة. وصح إنذار بطليموس القائل الويل لأهل مصر إذا طلع أحد ذوات الذوائب وأنجهم في الجوزاء». ونلاحظ أن النص يشير إلى ثلاث سنوات هي (445، 446 ، 447 للهجرة)، وهي تقابل على التوالي: 23 أبريل 1053م – 11 أبريل 1054م، 12 أبريل 1054م- 1 أبريل 1055م، و 2 أبريل 1055م- 20 مارس 1056م. ونجد هنا تناقضا واضحا في سنة حدوث النجم، فقد أعلن أول مرة أنه وقع سنة 446هـ، ثم 445هـ. ويمكن حل هذه المشكلة عن طريق قراءة مداخل أخرى في الكتاب، تحدد بوضوح أن نهر النيل كان منخفضاً عند سنة 446هـ. استمر هذا العام في التقويم الإسلامي من 12 أبريل 1054 إلى 1 أبريل 1055م، وهو متوافق مع ظهور النجم في يوليو 1054م، حيث إن موقعه كان في برج الجوزاء (وهي، بسبب مبادرة الاعتدالين Axial precession [التغيير البطيء والمستمر لاتجاه محور الجسم الفلكي الدوار، ويستخدم بشكل خاص لوصف التغير المستمر لاتجاه محور الأرض]، التي تغطي الجزء الشرقي من كوكبة برج الثور).
إذاً يمكن تحديد تاريخ الحدث بالإشارة إلى أن مستوى النيل يشير إلى الفترة التي سبقت الفيضان السنوي لها، وهذا يعني أنه حدث خلال فصل صيف 1054م.
أمر آخر يشير إليه النص وكان شائعاً في ذلك العصر هو أن ظهور أي جرم سماوي (سواء كان هذا الجرم نيزكا أم مذنبا أم سوبرنوفا) دلالة على ظهور الأوبئة والأمراض في ذلك البلد. وبناءً عليه فقد كانوا يتشاءمون من ظهوره، واستمرت هذه العقلية بالتعامل مع هذه الظاهرة حتى أواخر القرن العشرين. فقد شهدنا خوف الناس في مختلف بقاع الأرض لدى علمهم بظهور مذنب هالي عام 1986م واقترابه من الشمس.
إذاً لم يتخلف العلماء العرب عن رصد هذه الأجرام المميزة في السماء، وإنما سجلوا كل ما استطاعوا تدوينه من صفاتها وحسب الإمكانات المتاحة في عصرهم. وهو أمر بالغ الأهمية؛ إذْ لا تزال المراجع الأجنبية تستشهد بهم وتضع تدويناتهم في سياقها التاريخي العلمي.