السنة الدولية للفواكه والخضراوات.. التكنولوجيا في خدمة الأغذية واستدامتها
السنة الدولية للفواكه والخضراوات تسلّط الضوء على دور المهم للابتكارات والتكنولوجيات الرقمية في تحسين التغذية، وفي تعزيز سلامة إنتاج الأغذية واستدامتها والحد من هدرها
محمد الحسن
كاتب علمي (الكويت)
العدد 113، إبريل-يونيو، 2021
لم تعد الابتكارات والتكنولوجيات حبيسة المصانع والمختبرات، أو أسيرة المؤسسات البحثية والعلمية والأكاديمية، أو مقتصرة على طبقة من النخب والعلماء والباحثين، بل غدت لها تطبيقات على أرض الواقع في كل مجالات الحياة، واستخدامات يومية تشمل جميع متطلبات الإنسان. لذا لم يكن غريبا أن يكون الهدف الأساسي للسنة الدولية للفواكه والخضراوات، التي اعتمدتها منظمة الأمم المتحدة السنة الدولية لعام 2021، هو كيفية الاستفادة من الابتكارات والتكنولوجيات في تحسين سلامة إنتاج الأغذية واستدامته، والحد من الفاقد والمهدر من الأغذية، على الرغم مما قد يشعر به بعض القراء بأن هناك بعدا كبيرا بين الفواكه والابتكار، والتكنولوجيا والخضراوات.
والسنة الدولية للفواكه والخضراوات، التي أعلنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والسبعين قبل عامين، مخصصة للتوعية بالدور المهم الذي تضطلع به الفواكه والخضراوات في تغذية الإنسان والأمن الغذائي والصحة. وقد أطلقتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) باعتبارها الوكالة الرائدة لإحياء هذه السنة الدولية بالتعاون مع منظمات أخرى، لكن الإطلاق جرى من خلال حدث دولي عُقد بصورة افتراضية بسبب الاشتراطات التي يتطلبها التعامل مع جائحة كوفيد-19.
صحة الإنسان والبيئة
وبمناسبة انطلاق هذه السنة الدولية، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “إن الفواكه والخضراوات هي أساس نظام غذائي صحي ومتنوع. فإنها تمد الجسم بالعناصر الغذائية اللازمة، وتقوي جهاز المناعة وتساعد على تقليل مخاطر الإصابة بالأمراض. ومع ذلك، فإننا لا نحصل على ما يكفي منها، على الرغم من فوائدها الكبيرة”، مضيفا إنه “بإعلان عام 2021 السنة الدولية للفواكه والخضراوات، نعتزم أن ندرس عن كثب هذا القطاع الحيوي والدعوة إلى اتباع مقاربة شاملة للإنتاج والاستهلاك تعود بالنفع على صحة الإنسان وعلى البيئة”.
وذكر أن تزايد عدد السكان، والتوسع الحضاري، وندرة الموارد الطبيعية، والتلوث الفلاحي، وتغير استخدام الأراضي، وهدر الأغذية، وآثار تغير المناخ، كلها عوامل تسلط الضوء على هشاشة نظمنا الغذائية”.
وفي يوم الإطلاق، وصف المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) شو دونيو المبادرة بأنها “فرصة فريدة من نوعها لإذكاء الوعي العالمي”، مضيفا إن جائحة كوفيد-19 انطوت على تحديات كثيرة لكي يستكشف الأشخاص سبلاً جديدة لمكافحة الجوع وسوء التغذية، وإن السنة الدولية للفواكه والخضراوات ستسلّط الضوء على دور التكنولوجيات الرقمية في تحسين التغذية والفرص في الأسواق.
وقال دونيو: “في ظلّ الأزمة الصحية الراهنة التي نعاني منها في مختلف أرجاء العالم، من المجدي تمامًا تشجيع الأنماط الغذائية الصحية لتقوية نظم مناعتنا”. وإذ أشار إلى التحديات التي تعترض تحسين الإنتاج وسلاسل الإنتاج الزراعي والغذائي، فقد شجّع البلدان على النظر إلى السنة الدولية على أنها فرصة لتحسين البنى التحتية والممارسات الزراعية، ومن ثم دعم صغار المزارعين، مشددا على أنّ الفواكه والخضراوات هي سبيل جيّد للمزارعين لإنتاج محاصيل نقدية.
وذكر أنّ الفاقد والمهدر من الأغذية في قطاع الفواكه والخضراوات لا يزال يطرح مشكلة ذات تداعيات مهمة، وأنّ التكنولوجيات والنهج المبتكرة تكتسب أهمية حاسمة بهذا الصدد نظرًا إلى قدرتها على المحافظة على السلامة والجودة وإطالة مدة تخزين المنتجات الطازجة والمحافظة على قيمتها التغذوية.
أما المديرة العامة للمنظمة الدولية للمستهلكين السيدة هيلين لورنت،التي تمثل 200 من منظمات المستهلكين حول العالم، فقد اعتبرت أن من الأهمية بمكان أن يكون للمستهلكين الحق في وجود سوق عادلة وآمنة ومستدامة، وأن يشاركوا بصورة فاعلة في تحديد معالم هذه السوق في المستقبل.
بين الهدر والاستدامة
تعدّ الفواكه والخضراوات مصادر جيدة للألياف والفيتامينات والمعادن الغذائية، ومواد كيميائية نباتية مفيدة. وتوصي كل من منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية بأن يستهلك كل شخص من البالغين ما لا يقل عن 400 غرام من الفواكه والخضراوات يوميًا للوقاية من الأمراض المزمنة، كداء السرطان وداء السكري وأمراض القلب والسمنة، إضافة إلى التعويض عن النقص في المغذيات الدقيقة. وقد أظهرت جائحة كوفيد-19 بشدة الحاجة إلى تحويل طريقة إنتاج أغذيتنا واستهلاكها وإعادة التوازن إليها.
ومن شأن خفض الفاقد والمهدر من الأغذية أن يحسّن الأمن الغذائي والتغذية، ويحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ويخفّض الضغط على الموارد من الأراضي والمياه، ويزيد الإنتاجية ويحقق النمو الاقتصادي.
إنّ نسبة قد تصل إلى 50 في المئة من الفواكه والخضراوات التي تنتجها البلدان النامية تُفقد في سلسلة الإمداد ما بين عمليتي الحصاد والاستهلاك. والدعوة إلى المنتوج الطازج تتماشى مع الهدف المتمثل في تعزيز دور أصحاب الحيازات الصغيرة والمزارعين الأسريين وتعزز الفرص المتاحة في الأسواق بالنسبة إلى ملايين الأسر الريفية.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى فرص المساواة بين الجنسين، على اعتبار أنّ المرأة غالبًا ما تؤدي أدوارًا رائدة بالنسبة إلى أسرتها المعيشية في عمليتي إنتاج الفواكه والخضراوات واستهلاكها.
عقدا التغذية والزراعة الأسرية
تندرج السنة الدولية للفواكه والخضروات لعام 2021 ضمن (عقد الأمم المتحدة للعمل من أجل التغذية 2016-2025) الذي يعبر عن التزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالاضطلاع بعشر سنوات من التنفيذ المستدام والمتسق للسياسات والبرامج الخاصة بالتغذية، وبزيادة الاستثمارات للقضاء على سوء التغذية بجميع أشكاله في كل مكان، دون ترك أي شخص يتخلف عن الركب. كما تندرج ضمن (عقد الأمم المتحدة للزراعة الأسرية 2019-2028) الذي يهدف إلى تسليط الضوء على ما الذي يعني أن تكون مزارعًا أُسَرياً في عالم سريع التغير، ويبيّن أكثر من أي وقت مضى الدور المهم الذي يؤدّيه المزارعون الأسريون في القضاء على الجوع وتشكيل مستقبل أغذيتنا.
توفر الزراعة الأسرية فرصة فريدة لضمان الأمن الغذائي وتحسين سبل العيش وإدارة الموارد الطبيعية بشكل أفضل، وحماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، لا سيما في المناطق الريفية. وبفضل حكمة هؤلاء المزارعين ورعايتهم للأرض، فإن المزارعين الأسريين يمثلون عوامل التغيير الضرورية للقضاء على الجوع، ولكوكب أكثر توازناً ومرونة، وأهداف التنمية المستدامة. وتعزز كل هذه الاحتفالات إبراز صغار المنتجين بقدر أكبر، وزيادة التوعية بالأمن الغذائي والتغذية. وقد أحيت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) لأول مرة اليوم الدولي للتوعية بالفاقد والمهدر من الأغذية في 29 سبتمبر 2020.
خطوط العمل للسنة الدولية
- أنشطة الدعوة والتوعية:
- التوعية بكيفية مساهمة الفواكه والخضراوات في تحسين التغذية، والتنوع الغذائي، والصحة؛ وتأثيرها على المجتمع والاقتصاد والبيئة؛ ومساهمتها في التنمية المستدامة.
- الترويج لأهداف هذه السنة وتشجيع إدماجها في جداول أعمال التنمية على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية.
- تنشيط حوار عالمي حول مختلف جوانب الفواكه والخضراوات ومساهمتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وسائر الاتفاقيات والخطوط التوجيهية العالمية ذات الصلة.
- إنتاج المعارف ونشرها:
- تحسين فهم كيفية مساهمة مختلف جوانب النظم الغذائية للفواكه والخضراوات في الاستدامة المجتمعية والاقتصادية والبيئية في البلدان النامية والمتقدمة النمو على السواء، وبلورة رسائل إعلامية قائمة على الأدلة.
- تعزيز الأدوات والآليات اللازمة لرصد وقياس التأثيرات الإيجابية والسلبية لمختلف جوانب السنة الدولية للفواكه والخضراوات.
- وضع السياسات:
- تعزيز السياسات والقوانين واللوائح القائمة على الأدلة، وتبادل الممارسات الجيدة التي تنهض بمستوى مساهمة الفواكه والخضراوات في التنمية المستدامة، والنمو الاقتصادي في الريف وسبل العيش، وسلامة الأغذية، وتعزيز الأنماط الغذائية المتنوعة والمتوازنة والصحية، والتي تعظّم مساهمة الفواكه والخضراوات فيها.
- التشجيع على اتباع نهج متكاملة وشاملة في معالجة النظم الغذائية للفواكه والخضراوات، من خلال سياسات وطنية مشتركة تسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومقاصدها الواردة في الاتفاقيات والخطوط التوجيهية العالمية ذات الصلة.
- تحفيز التعاون والشراكات بين القطاعين العام والخاص في ما يتصل بمختلف جوانب السنة الدولية للفواكه والخضراوات، بما في ذلك في مجال البحوث.
- تشجيع الاستثمار في مجال الابتكار وتطوير البنى التحتية لتعزيز الاستهلاك والإنتاج المستدامين للفواكه والخضراوات والحد من الفاقد والمهدر منهما.
- تنمية القدرات والتثقيف:
- دعم صياغة وتنفيذ السياسات والبرامج التثقيفية (مثل برامج التغذية المدرسية، والبساتين المدرسية، والبساتين في المناطق الحضرية والمحيطة بالمراكز الحضرية، والبساتين على الأسطح، وأماكن العمل الصحية، ومحو الأمية الغذائية، والبرامج التثقيفية المجتمعية حول الفاقد والمهدر من الأغذية) والمواد التثقيفية ذات الصلة، والترويج لمنافع الفواكه والخضراوات واستهلاكها وتأثيرها على الصحة والتغذية، وغير ذلك من المواضيع ذات الصلة بهذه السنة.
- تعزيز إدماج التثقيف التغذوي، مع تسليط الضوء على أهمية الفواكه والخضراوات، في وضع المناهج الدراسية بما يتماشى مع خطة عام 2030 وأهداف التنمية المستدامة.
- تمكين أصحاب المصلحة، لا سيما النساء والشباب، من خلال بناء المعارف وتنمية المهارات في مجال إنتاج الفواكه والخضراوات ومناولتها بعد الحصاد وتجهيزها وتحضيرها وتسويقها واستهلاكها.