الروبوت جراحا: تاريخ الجراحة الروبوتية وأنظمتها الحالية
د. إيهاب عبد الرحيم علي
مع التطور المذهل الذي تشهده الروبوتات، أخذت هذه الآلات المدهشة تدخل في معظم مجالات الحياة، إن لم يكن جميعها، وتفرض نفسها بقوة على جل عملياتها ومراحلها، وباتت تعد بآفاق تحمل معها آمالا كبيرة للبشرية. وفي العقود الثلاثة الماضية بدأت الروبوتات تأخذ طريقها إلى المجال الطبي، وتستخدم في خدمات كثيرة داخله، ومنها علم الجراحة.
وتندرج الروبوتات الجراحية ضمن واحد من ثلاثة أنظمة. أولاً، قد يكون النظام خاضعاً لرقابة إشرافية، حيث يتم قبل ذلك برمجة التدخل الجراحي في حاسوب، ثم ينفذ النظام الخطوات بشكل مستقل. ثانيا، يمكن للروبوت أن يعمل من خلال الجراحة البُعادية telesurgery. وفي هذه الحالة، يتحكم الجراح في الروبوت عن بُعد، من أي مسافة محددة، في الزمن الحقيقي. ثالثا، يمكن للروبوتات توفير المساعدة الجراحية عبر نظام للتحكم المشترك، بمعنى أن الجراح يتحكم في حركات الروبوت، في حين يوفر الروبوت تعزيزاً لحركات الجراح مثل تقليل الاهتزاز أو الحركات التي قد ينتج عنها بعض الأخطاء.
أوائل الروبوتات
طور الدكتور جيمس ماكوين McEwen والدكتور بريان داي Day وجيوف أوشينليك Auchinleck وفريق من طلبة الهندسة في مدينة فانكوفر الكندية عام 1983 أول روبوت جراحي في العالم, وأطلقوا عليه اسم أرثروبوت (Arthrobot)، واستخدم حينذاك في رأب مفصل الورك الكامل لإعداد عظم الفخذ للزرع بعد استئصال رأس عظم الفخذ.
وفي عام 1985، استُخدم روبوت يدعى بوما 650 (650 PUMA) لوضع إبرة لخزعة دماغية استرشادا بالأشعة المقطعية المحوسبة CT. تمتع الروبوت بوما 650 بست درجات من الحرية، مما مكّنه من الوصول إلى أي نقطة داخل محور حركته. كان هذا الروبوت قادرا على تحديد موقعه من خلال مقياس الجهد potentiometer الذي يتحكم في ستة محركات مؤازرة (الشكل 1).
وفي عام 1988، تم تطوير البروبوت Probot في كلية إمبريال كوليدج بلندن واستخدم في جراحات البروستاتة. وقد صمّم لتمكين الجراح من تحديد الحجم المطلوب استئصاله من غدة البروستاتة، والذي يتم قطعه آلياً من دون تدخل إضافي من الجراح. وفي عام 1992، تم تطوير روبودوك ROBODOC من قبل شركة الأنظمة الجراحية المتكاملة لتقليل الأخطاء البشرية في عمليات استبدال مفصل الورك.
روبوتات ومناظير
شهدت أواخر التسعينيات التجارب الأولى للجراحة بمساعدة الروبوت كما هي شائعة حاليا. وقد تمثلت أولاها في أجهزة روبوتية لحمل كاميرات المناظير الجراحية. وأنشأ الدكتور يوليون وانغ Wang وزملاؤه، بفضل منحة من وكالة الفضاء الأمريكية (NASA)، نظام التنظير الآلي للتحديد الأمثل للمواقع أو أيسوب AESOP. واستخدم هذا النظام في البداية لإجراء استئصال المرارة بالمنظار، لكنه استُخدم لاحقا في عمليات أكثر تعقيداً مثل استئصال الكظر واستكشاف الصدر (الشكل 2).
ومن أجهزة التحكم المماثلة في كاميرات المناظير، هناك إندو أسيست EndoAssist، الذي تمت برمجته لمتابعة حركات الرأس البديهية للجراح. وقد استُخدم الروبوت إندو أسيست للمساعدة على جراحة استئصال المرارة وجراحات القولون والمستقيم.
أما بيمات PMAT، فهو نظام آخر حامل للكاميرات، ويوفر ثلاث درجات من الحرية ويتكون من حزام من الألمنيوم الخفيف الوزن يعلق بكاميرا المنظار على كتفي الجراح. وقد استخدم هذا الجهاز بنجاح في استئصال الزائدة الدودية واستئصال أكياس المبيضين بالمنظار، وساعد على تطور الأجهزة المثالية لحمل المناظير الجراحية.
تطوّر النظم الحالية
ظهر النموذج الأول لنظام دافنشي da Vinci ، الذي أطلق عليه اسم زيوس ZEUS في أواخر التسعينيات. كان هذا الروبوت الثلاثي الأذرع مجهزا بمنظار داخلي مفعّل بالصوت ويرتكز على الروبوت أيسوب AESOP، وذراعين تعملان بمثابة تمديدات لذراعي الجراح، ومجهزتين لاستيعاب 28 أداة جراحية. يمكن التحكم في المجموعة الثانية من الأذرع عن بُعد من قبل الجراح الجالس على الحاسوب، مما يسمح بالحركات الدقيقة والمجهرية. في عام 1997، استُخدم الروبوت زيوس للمرة الأولى في استئصال المرارة بالمنظار. وفي عام 1999، استخدم زيوس بنجاح لإجراء «مفاغرة أنبوب فالوب» في كليفلاند والمساعدة على إجراء عملية المجازة القلبية في جامعة ولاية أوهايو.
لكن سرعان ما أوقف إنتاج نظام زيوس لصالح نظام دافنشي الجراحي، وهي منظومة جراحية أحدث وأكثر تطوراً من سابقتها (الشكل 3).
نظام دافنشي الجراحي
في عام 2000، أصدرت شركة إنتويتف للنظم الجراحية Intuitive Surgical نظام دافنشي الجراحي للجمهور بعد الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA). يُعد نظام دافنشي الجراحي روبوتا تفاعليا متعدد الأذرع يتألف من وحدة تحكم، وعربة لنظام الرؤية، وعربة بجانب المريض (الشكل 4). يجلس الجراح في وحدة التحكم، التي عادة ما توجد بعيداً عن طاولة العمليات. تكون حركة يد الجراح وأطراف الأدوات الجراحية متزامنة وبديهية، بخلاف تنظير البطن التقليدي، حيث يجب على الجراح تحريك يده في الاتجاه المعاكس لحركة طرف الآلة بسبب تأثير نقطة الارتكاز. يستعيد النظام دافنشي التنسيق الصحيح بين اليد والعين، ويتبع الروبوت مدخلات الجراح تآزريا، حيث تُنفذ الحركات باستخدام سبل التحكم المثبتة في أطراف الأصابع.
وعلى الرغم من أن اسم نظام دافنشي الجراحي يشير إلى كونه «روبوتاً»، فإن دافنشي هو في الواقع جهاز توجيه عن بُعد يعمل بمساعدة الحاسوب. ومع أن بإمكان دافنشي تقديم بعض التغذية الارتجاعية للجراح، فإن الجهاز لا ينفذ المهام من تلقاء نفسه.
وعلى غرار الجراحة التنظيرية، فإن دافنشي يصنع شقوقا صغيرة بواسطة أدوات طويلة، ويستخدم البطن كحاجز، ويحتاج إلى كاميرا للمساعدة البصرية داخل الجسم.
تحتوي أذرع دافنشي على مفاصل تشبه المعصم تضم العديد من أجهزة إندو أسيست EndoWrist التي تتمتع بمدى حركة أكبر بكثير من المعصم البشري. يسمح هذا التصميم بالتوجيه السريع والحساس مع إعدادات بديهية لقياس الحركة والتحكم عن طريق الأصابع، مما يسمح بتعديل متناغم لنسب حركة اليد إلى الأداة (الشكل 5).
مساوئ نظام دافنشي
إن إجراء الجراحات بمساعدة الروبوت لا يخلو من تقييدات. وأحد العيوب الواضحة للأنظمة الحالية هو غياب ردود الفعل اللمسية للمشغل ( اللمسيات haptics). وعلى الرغم من أن النظام يوفر تنقلاً بصرياً محسناً مع تصوير ثلاثي الأبعاد عالي الدقة، فإن الجراح يظل مضطرا للاعتماد على الإشارات البصرية فيما يتعلق بموضع الأدوات وسرعتها وتسارعها.
وإضافة إلى سعره الباهظ الذي يبلغ 1.5 مليون دولار تقريباً لكل روبوت، فإن ترقية النظام وصيانته هي تكاليف إضافية يجب مراعاتها أيضاً. وربما كان أحد أكبر التحديات التي ينطوي عليها تشغيل دافنشي هو التكلفة الفادحة للوقت والمال الضروريين للتدريب العملي المكثف اللازم لأتمتة التقنية الجراحية بأمان.
وتشمل عيوب نظام دافنشي الجراحي أيضاً الإصابات المحتملة بسبب المضاعفات الجراحية، وأكثرها شيوعا حروق الأنسجة بسبب أطراف الأدوات العالية الطاقة.
ومع تواصل ازدهار شعبية الجراحة الروبوتية، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن بعض المضاعفات الجراحية ستحدث لا محالة.
الروبوتات الجراحية المستقبلية
مع التطور السريع للتكنولوجيا، تطور نظام دافنشي كثيرا منذ حصوله على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) ونسخته الأولى في عام 2000، بما في ذلك النظام الأصلي. هناك الآن أربعة نماذج في عائلة نظام دا فينشي الجراحي (الشكل 6). في عام 2006، أنتجت شركة إنتويتف الجراحية الخلف الأول، da Vinci` S ، تلته النسخة Si في عام 2009، ونظام الموقع الأحادي في عام 2010. تم تعزيز النسخة da Vinci S HD بشاشة عرض عالية الدقة، ودمج المعلومات الحيوية الخاصة بالمريض (مثل الصور الشعاعية المتراكبة لتسهيل الجراحة) ، فيما يُعرف بالنسخة تايل برو TilePro.
تتميز السلسلة Si بواجهة أكثر انسيابية وبقدرتها على استخدام أدوات الموقع الواحد. يقوم نظام الموقع الواحد بعمل شق جراحي بشكل ثقب المفتاح عبر السرة، والذي يُستخدم كمدخل واحد للعملية الجراحية، مما يؤدي إلى الحد الأدنى من الندوب.
هناك نظام روبوتي جديد قيد التطوير حاليا، هو نظام سبورت SPORT الجراحي (وهو اختصار: تقنية المنفذ الروبوتي المنفرد Single Port Orifice Robotic Technology) من قبل شركة تيتان الطبية. في كندا. يتكون النظام من منصة روبوتية ومحطة عمل تفاعلية تمكن الجراح من التحكم في الآلة. تستخدم النظم الحالية للجراحة الروبوتية غالبا في جراحات الجهاز التناسلي للمرأة والمسالك البولية.
لقد أحدثت التطورات التقنية ثورة في الطب. وعلى الرغم من أنه لم يتم بعد تحديد الإمكانات الكاملة لتقنيات الجراحة الروبوتية، فقد حسّنت هذه الأجهزة بالفعل من أداء المهام المرهقة جسدياً. في الجراحة، أثبتت الروبوتات فائدتها في مجموعة من المهام التي تراوح بين حمل الكاميرا بكل ثبات وعمق شق جراحي خالٍ من الارتعاش واستئصال الأنسجة المطلوبة بكل دقة. ومع ذلك، لا تزال الأنظمة الحالية تواجه العديد من التحديات؛ وقد يؤدي التطوير المستمر للأبحاث إلى التغلب على هذه المشاكل. والأهم من ذلك أن هناك ما يبرر إجراء مزيد من البحوث لتقييم تحليل التكلفة والفائدة الكاملة للجراحات الروبوتية. >