الحُبارى.. الانقراض يهدده والصيادون يطاردونه
بقلم: أسعد الفارس
يعد طائر الحبارى من أشهر طيور العالم، ولا سيما في الجزيرة العربية، فهو الطريدة المفضلة لرياضة الصيد بالصقور التي هي بدورها الرياضة المفضلة لكثير من الأشخاص في الوطن العربي.
ولعله الطائر المدلل في الجزيرة العربية؛ فقد كان يعيش في البادية بكثرة، وكان موضع تفضيل بالنظر إلى جودة لحمه، وهو يألف البيئة العربية، حتى إن بعض أنواعه سميت دولياً بالحبارى العربية Arabian Bustards. غير أن هذا الطائر- شأنه شأن كثير من الطيور والحيوانات النادرة الأخرى- في طريقه إلى الانقراض؛ بسبب الصيد الجائر والملاحقة المستمرة، وعدم وجود التشريعات الكافية لحمايته، كما أنَّ الصيادين لا يتقيدون بالقوانين الدولية الخاصة بالصيد فيلحون في طلبه .
أنواع معروفة عربياً وعالمياً
طيور الحبارى متنوعة فيها أكثر من 26 نوعاً مميزاً، وكل نوع له صفاته وشكله، والبيئة التي يعيش فيها، ولبعض أنواعه سلالات إقليمية خاصة، فمعظم أنواعه تعيش في القارة الإفريقية، وبعضها يعيش في أوروبا وآسيا وأستراليا، وكل الأنواع تجمع في عائلة مستقلة تدعى عائلة الحبارى Family Otidida ، وهي واحدة من عائلات الطيور التي تصنَف حتى الآن ضمن رتبة طيور الكركي Gruiformes. والحبارى بصورة عامة تعد من الطيور القديمة في البيئة، ولقدمها تعرضت للتنوع والتبدل في مختلف العصور.
الوصف والبيئة والسلوك
طيور متوسطة القد إلى كبيرة، ووزنها يراوح بين 450 غراماً في حبارى الفلوريكان الهندية Sypheotides indica و19 كيلوغراماً في الحبارى «الكوري» الإفريقية Ardeotis Kori، وهي تبدو ممتلئة الجسم، طويلة الساقين والرقبة، عريضة المنقار، وأرجلها تحتوي على ثلاثة أصابع فقط، أما الأصبع الرابع فيضمر في أنواعها بصورة ملحوظة. والأصابع عريضة وقصيرة ومزودة بمخالب قوية، والرسغ وجزء من الساق عارٍ من الريش.
والذكر يختلف عن الأنثى بالحجم والشكل، ولكن الذكر أجمل من الأنثى وأكبر حجماً منها. ولون الريش على جسم الحبارى جميل جداً، وفيه تمويه ليناسب الحياة في الصحراء، وفي ترتيب رائع يراوح بين البني، والأصفر، والبرتقالي، والكستنائي، والرمادي، والأسود، والأبيض, ومساحة الجناح واسعة لتساعد الحبارى على الطيران. وعندما تحلق طيور الحبارى في الجو تمد رقبتها نحو الأمام وأرجلها نحو الخلف كما يفعل الكركي تماماً. والعش يكون مجرد (أفحوصة) في الأرض، ويكون غالباً بالقرب من شجيرة كثيفة الأغصان أو بجانب الحجارة المتوسطة. تضع فيه الأنثى ما بين 6-1 بيضات غالباً ما تكون بلون بني زيتي يضرب نحو الحمرة. ومدة الحضانة ما بين 25-20 يوماً حيث تغادر الفراخ العش بعد النقف مباشرة، ثم تكتسي بالريش بعد نحو خمسة أسابيع.
تكثر طيور الحبارى في البيئات الصحراوية وشبه الصحراوية، حيث ترتاد السهول العشبية المنبسطة، والمشجرة بشجيرات صغيرة، وهي تفضل المناطق الصحراوية ذات الغطاء النباتي المنخفض والسهول العشبية الرملية أو الحجرية. وقد تشاهد حول مناطق «السافانا»، وبالقرب من الأراضي المزروعة في المناطق الجافة، وهي بصورة عامة تحب المناطق الدافئة أكثر من الباردة، والسهول النائية المكشوفة هي بيئتها المفضلة، ففي تلك البيئة تستطيع التخفي عن الأنظار، لأن لون ريشها يساعدها على التمويه والتخفي، كما أن فرصتها لرؤية الخطر تكون أفضل في المناطق المفتوحة.
طائر الحبارى هو طائر خجول حذر؛ لذا فهو يخاف من الإنسان والحيوانات المفترسة والطيور الجارحة، وتحاول الحبارى تجنب الأخطار بالركض أو الابتعاد، وقد تقف وقفات متقطعة للنظر لمعرفة مدى الخطر، وإذا أدركت الخطر فإنها تبادر للطيران بسرعة وبقوة، ويساعدها على الطيران مساحة الجناح الواسعة، ويكون طيرانها عادة على ارتفاعات منخفضة، وتنام بعض أنواع الحبارى وهي تلقي برأسها على كتفيها، وقد تنشر ريشها فتبدو على شكل مروحة جميلة.
ويقوم الذكر في موسم التكاثر برقصات جميلة نافشاً ريشه ليجذب الإناث، وقد يصدر نداءً عميقاً يسمع من مسافة 50 متراً، ولا توجد رابطة تزاوجية دائمة بين الذكر والأنثى، بل تجمعهما المصلحة في فترة التكاثر. والحبارى بصورة عامة تعيش في مجموعات أثناء فترة الهجرة وفي مناطق الإشتاء، أما في موسم التكاثر، فتعيش متفرقة أو في مجموعات صغيرة.
نوع الغذاء
تعتمد الحبارى في غذائها على البراعم النباتية والثمار البرية والأزهار في الشجيرات الصحراوية والنباتات، و تلتقط الحبوب في المراعي الطبيعية، وقد تأكل الحشرات مثل الجراد والخنافس، وتتغذى بالنمل والعناكب والزواحف الصغيرة، وهي متكيفة في معيشتها مع ظروف الصحراء.
وبعض الحبارى تقيم في بيئتها لفترة طويلة، وإذ ما هاجرت فيكون ذلك لمسافات محدودة، وبعضها يهاجر بعيداً خصوصاً في موسم الشتاء، وهي تألف البيئة الأوروبية والآسيوية والإفريقية، ويندر أو ينعدم وجودها في البيئة الأمريكية.
أشهر الأنواع
ومن أشهر أنواع الحبارى الحبرج Chlamydotis undulata: وهو طائر معروف في البيئة العربية، وإذا ما تحدث الناس في البيئة العربية عن الحبارى فهم يعنون هذا النوع من الحبارى دون غيره، لأنه الطريدة المفضلة عند الصيادين العرب لجودة لحمه، وللمتعة في اقتناصه ومطاردته بواسطة الصقور.
وهو متوسط القد يبلغ طوله الوسطي نحو 60 سم والمسافة بين جناحيه تبلغ 140سم، وثوبه السفلي أبيض ناصع البياض، والكساء العلوي بندقي أسمر مزركش بخطوط سوداء تمتد على الظهر والأجنحة والذنب، وعلى الأجنحة القليل من السواد والبياض يظهر أثناء الطيران، والعنق رمادي رملي مع خصلات من الريش الأسود تتدلى على جانبي العنق في الذكر. تفرخ طيور هذا النوع من الحبارى في جزر الكناري، وشمال إفريقيا، وفي الشرق الأوسط، وفي جنوب غرب آسيا ووسطها، وبعض سلالاته قد تستوطن في بيئتها طوال العام وإذا ما هاجرت فإلى مسافات محدودة، وبعضها يهاجر من الشمال نحو الجنوب طلباً للدفء في بداية الخريف من كل عام وتعود للتكاثر في الشمال ما بين شهري إبريل ويوليو من كل عام.
في هذا النوع من الحبارى ثلاث سلالات على الأقل:
1. حبرج جزر الكناري حيث تستوطن في هذه الجزر، وهي من أصغر السلالات، وذات لون قاتم.
2. حبرج القارة الإفريقية C.U. undulata وهذه السلالة تعيش وتستوطن مناطق شمال إفريقيا من المغرب حتى مصر، ونادراً ما تهاجر بعيداً عن مناطق تكاثرها، وتذكر بكثرة في المغرب وموريتانيا والنيجر ومالي.
3. حبرج القارة الآسيوية C. undulata macqueenii أو سلالة «ماكوين» وهذه السلالة يصَنفها بعض الأشخاص كنوع مستقل، فهي أكبر قليلاً من بقية السلالات ولونها أفتح منها، وتنتشر من شبه صحراء سيناء والجزيرة العربية، وبعض البلاد في الشرق الأوسط، ووسط وشرق آسيا حتى منطقة جبال التاي في منغوليا، فزمان تكاثرها هو في نهاية الربيع ومطلع الصيف ومكانه هو في أواسط آسيا والصين ومنغوليا، وهي بصورة عامة مستوطنة في الأجزاء الجنوبية من مناطق تكاثرها في آسيا، غير أن بعض أسرابها تتحرك مهاجرة نحو الجنوب وخصوصاً الحبارى التي تنطلق من مناطق الاتحاد السوفييتي (سابقاً) وذلك في الخريف ومطلع الشتاء متجهة إلى باكستان وإيران والعراق وسورية وأقطار الخليج العربي، وقد تستوطن بعض المجموعات من الحبارى الآسيوية في إيران، والعراق، وباكستان، والسعودية، وسلطنة عُمان، واليمن. والحبارى الآسيوية مهددة بالانقراض لأن الصيادين العرب يطاردونها من باكستان حتى الجزيرة العربية.
وقد قام المركز الوطني لأبحاث الطيور (NARC) التابع لهيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها في دولة الإمارات العربية المتحدة بتتبع خطوط الهجرة لأكثر من خمسين طائراً من الحبارى بأجهزة بث كانت مثبتة في أجسامها متصلة بالأقمار الصنعية، فتم تحديد هذه الخطوط والمسارات على مدار العام بدقة متناهية. وتبين أن هذه الطيور تقطع أثناء هجرتها ما بين 7000-4000 كم ذهاباً إلى المناطق الشتوية في الخريف وإيابا إلى مناطق التزاوج في الربيع، وقد تستكمل الرحلة خلال ثلاثة أسابيع وقد تمتد هذه الرحلة إلى شهرين. ومعظم الحبارى الآسيوية تهاجر خلال النهار، ونادراً ما تهاجر أثناء الليل
وتتوقف هذه الحبارى لعدة أيام في محطات لها أثناء الهجرة، وذلك للتغذية واختزان الطاقة الكافية لمواصلة هذه الرحلة الطويلة، وحتى السلالات الآسيوية غير المهاجرة قد ترتحل لمسافات طويلة نسبياً بحثاً عن مواطن هطل الأمطار، وعن البيئة التي تكثر فيها النباتات والبيئة المناسبة للتكاثر. وقد تبين أن بيئة منغوليا والصين هي واحدة من مواطن التكاثر.
حماية الحبارى وتربيتها في الأسر
تراجعـــــت أعداد طيور الحبارى في العالم بمعدلات مخيفــــــة في نهاية القرن الماضي ومطلع القرن الحادي والعشرين. ويعزى ذلك إلى الصيد الجائر لمثل هذه الطيور الجميلة، فالصيادون أخذوا يطاردونــــــها في كـــــل مكان، وللتلوث وانتشار التصحر، وتدهور البيئة الفطرية التي تعيـــش فيـــها الحبارى.
ويقدر أن ما بين 10000-5000 طائر حبارى يتم اصطيادها كل عام، وإذا استمرت عمليات الصيد وتدمير البيئة على هذه الوتيرة فستنخفض أعداد الحبارى في العالم تدريجياً، وربما تنقرض بالكامل بحلول عام 2027.
و وضعت بعض أنواع الحبارى في القائمة الحمراء المخصصة للأحياء المهددة بالانقراض في كثير من دول العالم؛ ولهذا دعت الكثير من المنظمات المحلية والعالمية إلى حماية طيور الحبارى، وتوفير البيئة الآمنة للأعداد المتبقية منها؛ فالحماية تخفف الضغط على الأعداد المتبقية وتوفر البيئة الآمنة اللازمة للتكاثر بعيداً عن بنادق وصقور الصيادين، مما يضمن استمرار نمو الأعداد المتبقية في الطبيعة.
كانت عملية تربية الحبارى وإكثارها في الأسر مجرد حلم في الماضي، لكنها اليوم تعد حقيقة واقعة، وتجربة واعدة لإنقاذ هذا الطائر من الانقراض والإبادة في كثير من دول العالم، وفي دول أوروبا وآسيا وفي بعض بلدان الشرق الأوسط، وفي إفريقيا والجزيرة العربية. ومن المؤسسات والمراكز الرائدة في هذا المجال في الوطن العربي:
1. «المركز الوطني لأبحاث الحياة الفطرية» في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية، حيث يتم فيه تفقيس البيوض الأولى في الأسر، ثم تطلق الحبارى النامية في البيئة من جديد، وخصوصاً في محمية «محازة الصيد» في السعودية. وما بين عامي 1998-1991 بلغت أعداد الطيور المطلقة في المحمية المذكورة 330 طائراً. وقد سجلت أول أعشاش للحبارى وسط المملكة بعد انقطاع دام أربعين عاماً، وخلال عشر سنوات منذ بداية العمل تم إنتاج نحو 2000 طائر من الحبارى في الأسر .
2. ومن المراكز الدولية الحديثة التي تعنى بتربية الحبارى وحمايته وإكثاره في الأسر: «المؤسسة الدولية لسمو الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود (رحمه الله) لحماية وتنمية البيئة الفطرية (IFCDW)» التي افتتحت مرافقها عام 1997 في أغادير بالمغرب؛ وذلك لإكثار وتربية وحماية الحبرج Houbara Bustard بأنواعه وسلالاته الآسيوية والإفريقية، ففي هذا المركز محطة ومرافق لتربية الحبارى في الأسر، ومختبرات ومراكز أبحاث، وعيادة بيطرية، ومختبرات وراثية، ولدى المؤسسة برامج لحماية أمكنة تعشيش الحبارى في بيئتها الطبيعية، حيث يتم جمع البيض وحضنه وتفقيسه في المركز، ثم تربى الأعداد النامية في الأسر، مع برامج لإطلاق سراح الكثير من الحبارى المنتجة وإعادة تأهيلها في البيئة».
ودأب مركز أغادير لتربية الحبارى في السنوات الأخيرة على إنتاج ما بين 1500-1000 طائر سنوياً من الحبارى في الأسر.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة مراكز وتجارب مماثلة يرعاها المركز الوطني لأبحاث الطيور (NARC) والصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى وبعض المراكز والمؤسسات الأخرى. ولدى دولة الكويت حالياً توجه لتربية الحبارى الآسيوية، بالتعاون بين معهد الكويت للأبحاث العلمية وجمهورية منغوليا. >