التوتر والقلق والاكتئاب كيف تعالج الصحة النفسية ضغوط الحياة؟
هناك شخص من بين كل ثلاثة أشخاص في العالم يعاني أحد أنواع الاضطرابات النفسية على الأقل في مرحلة ما من حياته.
د. صالح الفهد
استشاري طبي لدى منظمات الأمم المتحدة، (كندا)
يمر الإنسان خلال حياته بصعوبات وتحديات اجتماعية أو اقتصادية أو بيولوجية عديدة يقف أحيانا كثيرة عاجزا حيالها، مستسلما لها، ضعيفا أمام ضرباتها فيصاب بأمراض نفسية عدة، في حين يقاومها آخر ويواجهها بصبر وتحمل وبحث عن الحلول المناسبة، فينجو من آثارها ويتخلص من تداعياتها.
وهكذا فبينما يتمكن العديد من الأفراد من مواجهة صعوبات الحياة والإبقاء على ممارسة حياتهم بفعالية والإسهام بدورهم في المجتمع، يبقى بعض الأشخاص غير قادرين على تخطي الأحداث الصعبة، ومن ثم يدخلون في حالة من المرض النفسي، كالاكتئاب واليأس، تؤدي إلى عواقب وخيمة قد تصل إلى حد الإقدام على التخلص من الحياة.
وتعتبر الأمراض النفسية من المشكلات الصحية التي تعانيها جميع البلدان وتصيب الأشخاص من مختلف الأعمار، بغض النظر عن الجنس والعرق والخلفية الاجتماعية. وتظهر دراسات علمية أن شخصا من بين كل ثلاثة أشخاص في العالم يعاني أحد أنواع الاضطرابات النفسية على الأقل في مرحلة ما من حياته. والاعتقاد الشائع أن الأمراض النفسية تصيب البالغين فقط هو اعتقاد خاطئ؛ لأن الإحصائيات تظهر أن نصف الاضطرابات النفسية تبدأ من عمر 14 سنة، في حين يعاني واحد من بين كل خمسة أطفال اضطرابات نفسية. وتشكل الأمراض النفسية عبئا صحيا واقتصاديا على كاهل الدولة والمجتمع والأسرة لكونها من أسباب الإعاقة وقلة الإنتاجية. والأمر الخطير هو عدد حالات الانتحار بين المرضى النفسيين؛ إذ تسجل حالة انتحار كل 40 ثانية في العالم.
وتعرف منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية بأنّها “حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز”. وبذلك تكون الصحة النفسية الجيدة جزءا أساسيا ومهما من صحة الإنسان، فتكون لديه حالة من المعافاة تسمح له بالاستمتاع بحياته والتقدم وأداء دوره في المجتمع بشكل منتج ومفيد.
فجوة الرعاية بالدول النامية
على الرغم من أهمية الأمراض النفسية فإن هناك فجوة كبيرة في خدمات الصحة النفسية بين دول العالم؛ فمعظم هذه الأمراض لا تشخص أو لا تقدم لها الرعاية الصحية الكافية. وتتركز هذه الفجوه خصوصا في الدول النامية التي يوجد لديها نحو 75 % من نسبة إجمالي عدد المرضى الذين يعانون الأمراض النفسية في العالم، في حين هناك أربعة من كل خمسة مرضى في هذه الدول لا يتلقون العلاج. إضافة إلى ذلك، فإن العديد من الدول لا يوجد فيها صحة نفسية وتعاني نقصا كبيرا في الكادر الطبي لرعايا مرضى الأمراض النفسية.
وتعمل منظمة الصحة العالمية مع الحكومات على تعزيز الصحة النفسية ضمن خطة عمل شاملة لرأب الفجوة في الصحة النفسية بهدف تعزيز المعافاة النفسية والوقاية من الاضطرابات النفسية، ولإتاحة المجال أمام الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية للحصول على خدمات الصحة النفسية وتلقي العلاج على يد عاملين صحيين يتمتعون بالمهارات الضرورية في مجال الصحة النفسية.
وتشمل هذه الخطة العمل على التخفيف من الضغوط الاقتصادية على كاهل المواطنين. وتعمل المنظمة أيضا على إدماج الصحة النفسية ضمن خدمات الرعاية الصحية الأولية، لأن عددا لا بأس به من الأشخاص الذين يترددون على الرعاية الصحية الأولية (نحو الثلث) يعانون بسبب أمور متعلقة بصحتهم النفسية. وتقدر المنظمة أن نحو 70 % من هذه الحالات يمكن معالجتها في مؤسسات الرعاية الأولية.
مشكلات الحياة
هناك عوامل عديدة يتفاعل بعضها مع بعض وتؤثر في حياة الفرد وسلوكه، وتؤدي في معظم الأحيان إلى حدوث اضطرابات نفسية لدى الشخص، وأهمها :
الخلفية العائلية:تعد حياة الأسرة من أهم العوامل التي تؤثر في الصحة النفسية لدى الفرد. فبينما تساعد الأسرة القوية المترابطة والخالية من المشكلات من بناء شخصية قوية ذات نفسية جيدة، تساهم الطفولة غير السعيدة في أسرة مضطربة يسودها سوء المعاملة والصراع العائلي في حدوث المرض النفسي في وقت لاحق من الحياة.
أحداث الحياة المجهدة:هناك تحديات كثيرة تواجه العديد من الأشخاص في حياتهم مثل البطالة، والعمل في ظروف مجهدة وغير مناسبة، ووفاة شخص عزيز، والضغوط الاقتصادية، والشعور بالوحدة، والتعرض للعنف والصدمة. وهي تُسهم في ارتفاع نسبة التعرّض للإصابة بمرض نفسي.
عامل الوراثة: الوراثة عامل مهم في حدوث المرض النفسي الشديد. ووجود هذا العامل مضافا إلى العوامل البيئية المحيطة بالفرد مثل الضغوط الحياتية أو الاقتصادية يجعل الشخص أكثر عرضة للأمراض النفسية.
المشكلات الطبية: قد تسبب الأمراض الجسدية لبعض الأشخاص اضطرابًا شديدًا فتؤدي إلى دخولهم في حالة نفسية سيئة. وتشكل الأمراض الجسدية عوامل خطر أساسية تؤثر في الصحة النفسية لدى بعض المرضى. والمرضى الذين يعانون بعض الأمراض النفسية هم أقل اهتماما وقدرة على التعامل مع الأمراض الجسدية مما يؤدي إلى حدوث مضاعفات وخيمة تزيد من تدهور حالتهم الجسدية والنفسية.
ممارسات إيجابية
على الصعيد الفردي، يجب على كل شخص أن يكون لديه وعي كاف بشأن التعامل مع الضغوط النفسية بشكل جيد. وينصح الخبراء باتباع نمط حياة وممارسات عدة تساعد على تخطي التحديات والمصاعب التي يواجهها الشخص في حياته، ومن أهمها:
– المحافظة على نظام غذائي سليم: يعتبر الغذاء السليم والمتزن من العوامل المهمة للوقاية من الأمراض النفسية، فهو يسهم في الوقاية من الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط، ويقي من فقر الدم ونقص الفيتامينات. وينصح بالتخفيف من المنبهات لأنها تساهم في زياده التوتر.
– الحفاظ على التوازن بين الحياة العملية والحياة الاجتماعية: يجب تخصيص وقت للأسرة بعيدا عن أعباء العمل وضغوطه، وكذلك المحافظة على العلاقات مع الأصدقاء وبناء علاقات جديدة وأداء أنشطة مشتركة ترفيهية معهم.
– المحافظة على ممارسة الرياضة: تساعد التمارين الرياضية مثل المشي بشكل منتظم على تحسين الحالة المزاجية و الحد من القلق والإجهاد.
الابتعاد عن العادات المضرة مثل التدخين وشرب الكحول: إضافة إلى الضرر الجسدي الذي تسببه هذه العادات الضارة وإسهامها في عدد كبير من الأمراض الخطرة، فإنها تزيد من القلق وتؤدي إلى مشكلات حادة في الذاكرة وفي التنسيق الحركي.
الأعمال الخيرية: يزيد العمل في مجال مساعدة الآخرين من احترام الشخص لذاته، ويجعله يشعر بالرضا عن مكانه في المجتمع. ويشكل هذا الشعور عاملا مهما للوقاية من الأمراض النفسية.
ممارسة الهوايات المفضلة: مثلا، إذا كان الشخص يرغب في الرسم فعليه تخصيص وقت للاستمتاع بهذه الهواية؛ لأن الامتناع عن ذلك ربما يجعله منزعجا وغير سعيد.
التنفس العميق: التدرب على ذلك وممارسته في لحظات التوتر يساعدان على تقليل ضربات القلب وتوفير الأكسجين للجسد ببطء وتوازن، ومن ثم الشعور بالهدوء والراحة النفسية.