د. ماجدة خليل سليمان
تقع الكويت في منطقة غرب آسيا، وتشمل هذه المنطقة دول الخليج العربي والعراق والأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وغزة واليمن، وهي تقع في المناطق القاحلة وشبه القاحلة. وتحتل الكويت نحو 18000 كم مربع وتقع في الجزء الشمالي من شبه الجزيرة العربية، ويعتبر النظام الإيكولوجي فيها نموذجاً واضحاً لمناخ الصحراء القاحلة، حيث يراوح معدل هطول الأمطار بين 75 و 150 ملم في السنة.
وفي أشهر الصيف، يراوح متوسط درجات الحرارة اليومية بين 42 و46 درجة سيليزية، وتتكرر عواصف الغبار لاسيما في فصل الصيف، وقد تصل سرعتها إلى 50 كم في الساعة.
أنشطة بشرية مدمرة
يمثّل التنوع البيولوجي أساس الوجود الإنساني، وهو أحد أهم المتطلبات الحيوية في العالم بسبب أهميته في إنتاج الغذاء، وتوفيره للخدمات الإيكولوجية، ودوره في التخفيف من آثار التغير المناخي، والكوارث الطبيعية. وعلى الرغم من هذه الحقائق فإن التنوع البيولوجي يشهد تراجعا كبيرا لاسيما بسبب الأنشطة البشرية، إذ إن أنماط الإنسان من إنتاج واستهلاك للموارد الطبيعية كانت ولا تزال مدمرة. إن زيادة الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، مثل التنمية الصناعية، والزيادة السكانية، والتنمية الحضرية، والافتقار إلى الوعي البيئي بالأضرار العامة، فرضت ضغوطا كبيرة على بقاء النباتات الفطرية في الكويت، وبذلك ازداد حجم الآثار الضارة بسبب العدد المحدود للأنواع وحساسيتها الشديدة.
والمعدل الذي يُغيّر فيه البشر بيئتنا، ومدى هذا التغيّر وتبعاته على التنوع البيولوجي لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، إذ بات يشكّل تهديدات كبيرة للحياة الاقتصادية والثقافية للكثير من المجتمعات، وأصبح من الضروري وضع أهداف محددة للتنمية المستدامة من قبل العديد من الاتفاقيات العالمية البيئية والتنوع البيولوجي، مثل: (اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ)، و(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) و(اتفاقية التنوع البيولوجي).
ولم تكن الكويت بمعزلٍ عن هذه الاتفاقيات لإدراكها أهمية المحافظة على النظم الإيكولوجية والموارد الطبيعية لقيمتها البيئية والاقتصادية والاجتماعية، فقد اتخذت عده إجراءات منها: التوقيع على اتفاقية التنوع البيولوجي (CBD) في يونيو 1992، وانضمت لها كدولة طرف في أغسطس 2002، كما وقّعت في عام 1973 اتفاقية الاتجار الدولي لأنواع النباتات والحيوانات المهددة بالانقراض (CITES) وانضمت إليها عام 2002، كما انضمت إلى الاتفاقية الخاصة بالمحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية في دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2002.
تقلبات الحراة وندرة الأمطار
تعد تقلبات درجات الحرارة الشديدة وندرة هطول الأمطار عاملين رئيسيين مؤثرين في التنوع البيولوجي، وعادةً ما تُعد المجتمعات التي تتكون أساسًا من النباتات الحولية أو النباتات المعمرة القصيرة العمر أكثر عُرضةً للتقلبات المناخية من تلك التي تتكون من النباتات طويلة العمر. وتتعايش النباتات والحيوانات البرية جنبًا إلى جنب كونها تشترك في علاقات تكافلية مع بعضها بعضا، حيث تستخدم الحيوانات البرية الغطاء الزهري للنظام الإيكولوجي من أجل توفير المأوى وكمصدر للغذاء وموائل للتعشيش، في حين تعتمد بعض النباتات على فضلات الحيوانات الآكلة للأعشاب مما يؤدي إلى تسهيل إنبات البذور وتكاثرها، إلى جانب مساهمتها في تلقيح النباتات عبر حبوب اللقاح العالق بها.
بيد أنه يتم استنفاد التنوع الحيوي للنباتات المحلية في شبه الجزيرة العربية، الذي يتكون من أكثر من 3500 نوع بشكل متسارع، حيث تعاني أكثر من 90 % من إجمالي مساحة الأرض حاليا بعضَ أشكال التصحر، و44 % بسبب التدهور الشديد أو البالغ الشدة. ويتكون الغطاء النباتي الفطري من غطاء متناثر من الشجيرات والأعشاب والحشائش المنخفضة النمو، ووجود عدد كبير من النباتات الحولية في الشتاء؛ فهناك 374 نوعاً مرتبطًا بـ 55 عائلة من النباتات الفطرية والمتجانسة في الكويت، كما تم تحديد أكثر من 350 نوعاً من الطيور و 28 نوعاً من الثدييات و 40 نوعاً من الزواحف.
المحميات الطبيعية
حرصت الكويت على حماية الأراضي والمحافظة على التنوع البيولوجي من خلال إنشاء المحميات الطبيعية، حيث تضم الكويت حاليا 12 محمية بمساحة تزيد على 10 % من المساحة الإجمالية للدولة. وفي مقدمة هذه المحميات محمية صباح الأحمد الطبيعية التي وُضِعتْ على قائمة الأولويات سواء على المستوى الوطني أو في اهتمامات معهد الكويت للأبحاث العلمية الذي أجرى دراسة علمية أوصت بإنشاء هذه المحمية وأسهم في تشييدها لتجمع بين البيئتين الصحراوية والساحلية. وتعد محمية صباح الأحمد كبرى المحميات في الكويت إذ تمتد على مساحة قدرها 330 كم مربع، وتمتاز باحتوائها على نظم إيكولوجية مختلفة، تشمل تضاريس جيولوجية ومنخفضات ضحلة وأجرافا ووديانا وكثبانا رملية وسهولا منبسطة، وتشكّل بيئات طبيعية لكثير من أنواع النباتات والحيوانات البرية.
إضافة إلى ذلك، هناك محميتان بحريتان تبلغ مساحتهما 3 % من المساحة الإجمالية للكويت. ولمعهد الكويت للأبحاث العلمية إسهاماته الواضحة في التخطيط لمستقبل المحميات بالكويت وتطويرها، من خلال وضع وتطوير خطط لتطوير الموارد الطبيعيــة وإعــــادة تأهـيل الأراضــــي المُدِمّرة، وتوطين الحياة البرية. ويلتزم المعهد في ذلــــك بمفهوم التخطيط المستدام حسب المواصفات العالمية للمحميات والمتنزهات الوطنية، ووفقا للضوابط والشروط التي حددها الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN).
إضافةً إلى ذلك، وحــــرصا على التزام الكويت ببنــــود اتفاقية التنـــــوع البيولوجي (CBD) أنشأ معهد الكويت للأبحاث العلمية بنك البذور للمحافظة على الخصائص الوراثية للنباتات البرية، ودراسة كفاءة البذور وفترات النمو لتحديد الظروف الطبيعية المثلى لزراعة البذور، وتطوير معلومات عامة عن طريق جمــع وتنظيف وتخزين وزراعة البذور وغيرها.
إعادة تأهيل البيئة
تعد عمليات إعادة تأهيل وحفظ البيئة حاجةً مُلحة في الوقت الحالي. كما تُعد خطط الإدارة السليمة وتنفيذ القانون وحماية النباتات والحيوانات ضرورة ماسة للحفظ المستدام، مع الأخذ في الاعتبار مبادرة الكويت في طرح (استراتيجية التنوع البيولوجي الوطنية) التي تهدف إلى حماية الأنواع المحلية في الكويت وصيانتها وإعادة تأهيلها، وتركز على مراقبة القضايا البيئية، والبحث، وخلق الوعي وتثقيف المجتمع.
وتتشارك العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة والفرق التطوعية في الدولة في هذه الأنشطة، مثل الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية، والهيئة العامة للبيئة، ومعهد الكويت للأبحاث العلمية، وجامعة الكويت، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وبلدية الكويت. ويتعاون المعهد مع الشركات النفطية ونقطة الارتباط الوطنية، وغيرهما من الجهات ذات الصلة، لضمان استمرار عمليات التأهيل البيئية، مثل مشاريع برنامج الكويت لمعالجة البيئة الخاصة بمشاريع التعويضات مع نقطة الاتصال الوطنية الكويتية (KNFP) ولجنة الأمم المتحدة للتعويضات (UNCC) والمؤسسات ذات الصلة.
وتتطلب برامج إعادة الغطاء النباتي على نطاق واسع – للحفاظ على النباتات المحلية – كميات هائلة من المواد النباتية المحلية وطرقا فعالة لزراعة الشتلات عالية الجودة. وتُعد عمليات إكثار النباتات، وتوحيد الإنبات، والقدرة العالية على البقاء، وسهولة التعامل مع البذور أمراً بالغ الأهمية. وباعتبار أن وفرة الغطاء النباتي من العوامل المهمة للاستقرار البيئي، ومع تدني هذا الغطاء بسبب العديد من العوامل، مثل مواسم الجفاف المتوالية، والرعي الجائر، والتمدد العمراني، وغيرها من العوامل الطبيعية والبشرية، لذا نفذ المعهد – ولا يزال – مشاريع بحثية عدة كخطوة إصلاحية لتطوير تقنيات فعالة للبذور الفطرية، وتحسين ظروف تخزين البذور المعالجة، وتقييم أداء البذور في الظروف الحقلية لضمان إنبات منتظم ومتفوق. وستسهل هذه التقنيات إلى حد كبير عملية الإنتاج الضخم للنباتات المختارة لأنشطة الترميم على المدى الطويل، ومن ثم، وبناءً على القدرة على التكيف مع الظروف القاسية في الكويت، يتم توحيد معايير إكثار النباتات الفطرية.
وتوصل المعهد إلى طرق فعالة وموحدة لإكثار العديد من النباتات المحلية مثل الطلحة، واللبانة، والعنصيل، والخزامى، والعوسج، والغردق، والقرظي، والحرمل، والعرفج. وهو يسهم في تحسين أداء الأنواع النباتية الفطرية لدراسة فعالية تقنيات الزراعة وتحمل الملوحة وتعزيز نموها من خلال تحسين التربة ودراسة الكائنات الدقيقة المجهرية المفيدة فيها، نظراً لقدرتها على تعزيز نمو النبات من خلال مجموعة متنوعة من الآليات.
إجراءات ضرورية
ونتيجةً لفهم الآثار القاسية من جرّاء تدمير البيئة، أصبحت (استعادة)، و(إعادة تأهيل)، و(إعادة الغطاء النباتي) الكلمات الأساسية الحاسمة للباحثين حول العالم، لذا ينبغي مواصلة المحاولات المختلفة التي تهدف إلى منع حدوث مزيد من التدهور البيئي أو التراجع عن الأضرار بطريقة طبيعية.
ومن أجل تحقيق هذه السياسة البيئية الوطنية، ينبغي مواصلة التركيز على تحسين وإحداث الوعي لدى المجتمع الكويتي بشأن حماية الموارد الوطنية والنباتات والحيوانات المحلية، وتنفيذ الجهات الحكومية المعنية القوانين الحالية لحماية الطبيعة والحفاظ عليها، وتعزيز التمويل لمرافق البحث الوطنية الحالية، وتحسين التنسيق والتعاون بين المؤسسات الحكومية لحماية التنوع البيولوجي في الكويت. >