التعليم والذكاء الاصطناعي.. تقنيات متطورة ومعلمون آليون
دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم يعطي القدرة على مواجهة بعض أكبر التحديات في التعليم، وابتكار ممارسات جديدة في التعلم، وتسريع التقدم نحو توفير التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع.
د. خالد صلاح حنفي
أستاذ مساعد في كلية التربية، جامعة الإسكندرية
في كل يوم تقريبًا يطل علينا العلم بتقدم جديد في مجال الذكاء الاصطناعي، ويفتح لنا آفاقا واسعة لتطبيقاته المذهلة، ويدفعنا إلى المزيد من البحث العلمي في هذا المجال الواعد. وأسهمت التطورات الحاصلة في تقنيات التعلم العميق، وانفجار البيانات المتدفقة من هواتفنا الذكية والحواسيب، والزيادات الهائلة في قوة الحوسبة في تمكين الذكاء الاصطناعي من أداء مجموعة متزايدة من المهام بشكل أفضل من الإنسان. وهذا كله أدى إلى تحفيز دول العالم نحو تخصيص ميزانيات هائلة للإنفاق على هذا المجال في خضم الحديث عن سباق تسلح تكنولوجي جديد. ولعل ذلك دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القول إن من سيقود الذكاء الاصطناعي سيحكم العالم، والرئيسَ الأمريكي (السابق) دونالد ترامب إلى توقيع قرار تنفيذي يطلب إلى الوكالات الاتحادية تخصيص مزيد من الموارد للبحث في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والصينَ إلى تبني استراتيجية طموحة للهيمنة على هذا المجال.
ويمكن القول إن العالم على أعتاب ثورة شاملة ستغير شكل الحياة البشرية يقودها الذكاء الاصطناعي؛ لأن تطبيقاته تتعدد وتتزايد بصورة يصعب حصرها، فهي تقريبًا تدخل في جميع مجالات الحياة، لكن لم يتم حتى الآن وضع تصور أو تقييم موضوعي لتداعياتها. ويمكن القول إن بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي ربما تكون سببًا في زيادة سطوة الآلات على الحياة البشرية.
نظم الذكاء الاصطناعي
تتميز نظم الذكاء الاصطناعي بثلاث صفات: الأولى القدرة على التعلم، أي اكتساب المعلومات ووضع قواعد استخدامها؛ والثانية جمع وتحليل البيانات والمعلومات وإيجاد علاقات فيما بينها من خلال استخدام البيانات الضخمة؛ والثالثة اتخاذ قرارات بناء على عملية تحليل المعلومات.
ومر تطور الذكاء الاصطناعي بأربع مراحل بدأت الأولى بالقدرة على الفهم التي تعتمد على استخدام خوارزمية لمراقبة سلوك البشر ورصدها، ومثالها ترشيحات الأخبار فى غوغل؛ أما الثانية فكانت الذكاء الاصطناعي القادر على تحليل العلاقات الارتباطية، مثل التنبؤ بحالة المريض بناء على تاريخه المرضي؛ والثالثة مرحلة الذكاء الاصطناعي الواعي القادر على الإدراك الكامل لبيئته، كتطبيقات الهواتف الذكية التي تحل الواجبات المنزلية للطلبة؛ ثم ظهرت المرحلة الرابعة التي هي مرحلة الذكاء الاصطناعي المستقل ذاتيًا، ومن أمثلته السيارات ذاتية القيادة، والطائرات من دون طيار. ويبشر الكثير من الباحثين بالانتقال إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي ذاتي التطور، ليصبح أكثر ذكاءً من الإنسان، فيصير قادرًا على تصميم آلات مذهلة، ويطور أجيالاً من نفسه، ويجد حلولاً لمشكلات يصعب على الإنسان معالجتها.
جودة التعليم
على الرغم من مخاوف عديدة جلبها الذكاء الاصطناعي فإنه بدأ بتغيير أساليب التعلم والتعليم؛ فلم تعد فكرة استخدامه في التعليم من أفكار المستقبل بل أصبحت واقعا معاشا فاق توقعاتنا. وهناك توجه عالمي نحو تبني ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم، فقد اعتمد ممثلو الدول والمنظمات الدولية والمؤسسات الأكاديمية والمجتمع المدني والقطاع الخاص في مؤتمر دولي عن الذكاء الاصطناعي والتعليم عقد في بكين في مايو عام 2019 (وثيقة بكين)، التي تعد أول وثيقة تقدم إرشادات وتوصيات حول أفضل السبل التي ربما تستجيب بها الدول الأعضاء للفرص والتحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي لتسريع التقدم نحو تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة الخاص بضمان جودة التعليم.
ودعت الوثيقة إلى نشر تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم لزيادة الذكاء البشري وحماية حقوق الإنسان وتعزيز التنمية المستدامة، من خلال التعاون الفعال بين الإنسان والآلة في الحياة والتعلم والعمل، واستخدام أنظمة التدريس الذكي. وذكرت أن مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم تشمل الذكاء الاصطناعي لإدارة التعليم وتقديمه، والتدريس وتمكين المعلمين، وتقييم التعلم والتعليم، وتنمية القيم والمهارات اللازمة للحياة والعمل، وتقديم فرص التعلم مدى الحياة للجميع.
نظم الإدارة المدرسية
يرى المتخصصون أن بإمكان نظم الذكاء الاصطناعي تنفيذ مهام الإدارة المدرسية بهدف تخفيف الأعباء الإدارية وتقديم خدمة أفضل وجودة عالية في العمل، وذلك من خلال تحويل نظام الإدارة المدرسية إلى نظم إلكترونية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يسهم في اتخاذ القرارات الإدارية الصحيحة، وتوزيع المقررات والحصص الدراسية على المعلمين وفق قدراتهم واتجاهاتهم، واكتشاف الطلبة الموهوبين، وتوفير برامج مناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة، ومراقبة سير التعلم لكل طالب مع التواصل المباشر مع أولياء أمور الطلبة دون مجهود بشري.
ويتوقع أن تكون التطبيقات الذكية القائمة على الذكاء الاصطناعي أكثر حضوراً وأهمية في نقل التعليم للطلبة، التي تأتي بصورة تعليمية أو تقويمية مقدمة لهم التغذية الراجعة، ومساعدة لهم على اتخاذ القرارات الدراسية المناسبة. كما يمكن تفعيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي من خلال البيئات الافتراضية لبعض المقررات الدراسية التي لا يتمكن المعلم من محاكاتها في أرض الواقع.
وسيسهم الذكاء الاصطناعي في انتقال الفصول الدراسية من الشكل التقليدي إلى استخدام مزيج من التقنيات المصممة حسب حاجات المتعلمين، وستستفيد نسبة كبيرة ومتزايدة من الطلبة من الروبوتات، وسيتحرَّر المعلمون من الأعباء الإدارية وسيتفرغون للتركيز على الطلبة.
ولا شك في أن دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم يعطي القدرة على مواجهة بعض أكبر التحديات في التعليم، وابتكار ممارسات جديدة في التعلم، وتسريع التقدم نحو توفير التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع.
ويشهد العالم تزايد الاهتمام بالذكاء الاصطناعي، وتضمينه في المقررات الجامعية، وتأسيس الطلبة منذ سنوات الدراسة الأولى على التعامل معه، بل الاستفادة منه في التعليم ليكون هو معلِّم المستقبل مع وجود نوع من المتابعة والضبط من بعض المعلمين، ومن ثم تفرغ المعلمين لأداء أدوار أكثر إنسانية وتفاعلية واتصالية، وهو أمر سيحقق ثورة في مجال التعليم.