البروفسكايت.. ثورة الخلايا الشمسية
ثمة ثورة هائلة تشهدها صناعة الطاقة الشمسية تتمثل في مواد البروفسكايت التي سيكون لها تطبيقات واعدة في الخلايا الشمسية نظرا لما تتمتع به من مزايا كثيرة
د. ياسر حسن
باحث ما بعد الدكتوراه بجامعة أكسفورد (بريطانيا)
على مدار التاريخ، تطلع الإنسان إلى مصدر طاقة وافر ونظيف ومستدام يمد مجتمعه ومحيطه بحاجاته من الطاقة ويسهم في المحافظة على البيئة، ولطالما كانت إمدادات الطاقة وتمركزها في أماكن معينة عالميا وطرق نقلها محركا لهجرات المجتمعات ولمعظم الحروب والصراعات بين البشر. ومن بين مصادر الطاقة المتجددة تحتل الطاقة الشمسية موضع واسطة العقد نظرا لمزاياها الكثيرة؛ فمساحة مربع طول ضلعه 100 كيلومتر مغطاة بالخلايا الشمسية يمكنها تزويد العالم أجمع بحاجته من الطاقة الكهربائية.
وثمة ثورة هائلة تشهدها صناعة الطاقة الشمسية واستخداماتها تتمثل في مواد البروفسكايت التي سيكون لها تطبيقات واعدة في الطاقات المتجددة نظرا لما تتمتع به من مزايا كثيرة.
تحول الضوء إلى إلكترونات
من المعروف أن الخلايا الشمسية هي أجهزة مصممة لامتصاص أكبر قدر ممكن من ضوء الشمس وتحويله إلى طاقة كهربائية. ويوجد داخل كل خلية شمسية مادة تمتص جزءا معينا من ضوء الشمس وتحوله إلى تيار من الإلكترونات ينتقل إلى الدائرة الكهربائية الخارجية، ومن ثم يمكننا استخدامه بشكل طبيعي.
وحين يتساءل المرء: كيف يتحول الضوء إلى إلكترونات؟ تكون الإجابة من خلال العودة إلى عام 1839، حينما اكتشف الفيزيائي الفرنسي ألكسندر بيكوريل Becquerel التأثير الكهروضوئي المتمثل في أن بعض المواد تمتص فوتونات الضوء الساقط عليها ويخرج منها إلكترونات. لاحقا، فسر العلماء هذه النظرية من خلال دراسة مستويات الطاقة داخل كل عنصر ومركب، ومعرفة الكيفية التي تمتص بها المواد فوتونات الضوء وسبب امتصاص بعض المواد جزءا معينا من الضوء وعدم امتصاصها الجزء الآخر.
وتتكون ذرات العناصر من إلكترونات تدور حول أنوية تحوي عددا من الجسيمات ذات الكتلة الكبيرة. وهذه الإلكترونات تدور في مستويات طاقة محددة، ولايمكن أن يوجد إلكترون في منطقة بين المستويات، ومن ثم لكي ينتقل الإلكترون من مستوى إلى آخر يحتاج إلى كمية من الطاقة تعادل الفرق في الطاقة بين المستويين، وهذا القدر من الطاقة يأتي من فوتونات الضوء الساقط. نستنتج من ذلك أن تلك الفوتونات يجب أن تحمل حدا أدنى من الطاقة لكي يمكن إثارة الإلكترون من مستوى طاقة إلى آخر أعلى منه، أو إثارته بشكل كاف ليترك الذرة بالكامل، ومن ثم يمكن نقله إلى الدائرة الكهربائية الخارجية ويكون تيارا كهربائيا.
وانطلاقا من هذا المفهوم نستنتج ضرورة اختيار أو تحضير مادة معينة تمتص الطاقة في نطاق الضوء المرئي حتى تمتص ضوء الشمس بكفاءة وتحوله إلى تيار كهربائي، ومن ثم ما سيحدث داخل المادة الفعالة هو أولا: سقوط ضوء الشمس على المادة التي صممناها أوحضَّرناها؛ ثانيا: تمتص الإلكترونات فوتونات الضوء (أي تمتص طاقة الشمس)؛ ثالثا: تُثار الإلكترونات لمستويات طاقة أعلى بعيدا عن النواة؛ رابعا: تتحرك الإلكترونات داخل المادة حتى تصل إلى الأقطاب الكهربائية الخارجية وتنتقل إلى الدائرة الخارجية.
تركيب الخلية الشمسية
تتكون الخلايا الشمسية من عدة طبقات ذات سمك صغير جدا في نطاق الميكرونات (الميكرون هو جزء من مليون من المتر). في منتصف الخلية نجد المادة الفعالة أو المادة الماصة للضوء التي تمتص ضوء الشمس وتنتج الإلكترونات. لكن الإلكترون يحمل شحنة سالبة، وإذا ترك مكانه وتحرك فالمكان الفارغ يحمل شحنة موجبة نسميها فجوة، ومن ثم فإنه بعد سقوط الضوء يتكون داخل المادة الماصة للضوء سيل من الشحنات السالبة وسيل مماثل من الشحنات الموجبة. وهذا الفيض من الشحنات يتحرك عشوائيا داخل المادة، ومن ثم إذا اصطدم إلكترون (شحنة سالبة) بفجوة (شحنة موجبة) سيفقد الإلكترون الطاقة التي اكتسبها ويعود إلى مستواه الأصلي، وسنفقد الإلكترونات التي نحتاج إليها لتوليد التيار الكهربائي. ما الحل إذاً؟
الحل هو أن نضع طبقة من مادة مصممة بطريقة معينة وفي مستوى طاقة معين لامتصاص الإلكترونات ومادة أخرى ذات مستوى طاقة مناسب لامتصاص الفجوات، ومن ثم تُفرغ المادة الفعالة في المنتصف من الشحنات أولا فأولا، وتستمر عملية إثارة الإلكترونات وتوليد الشحنات وسريانها إلى الطبقات الماصة للشحنات السالبة والموجبة، ومنها إلى الدائرة الخارجية… وهكذا بشكل مستمر.
ثورة مواد البروفسكايت
تَعِد مواد البروفسكايت التي اكتشفت قبل نحو قرن بتطبيقات واعدة في مجالات عديدة. ويعود الفضل في اكتشافها إلى مجموعة من الباحثين الروس أسموها على اسم أستاذهم عالم المعادن الروسي ليف بروفسكي Perovski .
وتشكل هذه المواد طبقة كبيرة من طبقات القشرة الأرضية، وتتميز بالموصلية العالية للكهرباء. وبسبب تلك المواد فإن القشرة الأرضية تمتص الشحنات الكهربائية القوية من الرياح الشمسية التي تسقط على الأرض في منطقة القطبين وتتسبب في ظاهرة الشفق القطبي. ولولا طبقة البروفسكايت في القشرة الأرضية لدمرت تلك الشحنات الأرض ولما كانت هناك حياة عليها.
والبروفسكايت مادة بلورية تتكون عادة من ثلاثة أنواع من الذرات أو الجزيئات: ذرة معدن في المنتصف (تكون عادة من الرصاص أوالقصدير) ترتبط بذرات هالوجين صغيرة (عادة من الكلور أوالبروم أواليود) وكاتيون عضوي كبير الحجم يشغل الفراغ بين البلورات. تترتب البلورات على شكل هرمين ملتصقين من القاعدة.
فى عام 2009 استخدمت تلك المواد للمرة الأولى كخلية شمسية في اليابان بمختبرات الدكتور مياساكا، وبعدها بعامين أنتج البروفيسور هنري سنيث (مُشرفي في أبحاث ما بعد الدكتوراه) بجامعة أكسفورد أول خلية شمسية من مواد البروفسكايت من طبقات صلبة. ومنذ ذلك الحين نشهد أبحاثا كثيرة حول تطبيقات تلك المواد في مجال الخلايا الشمسية بصورة أساسية، والعديد من التطبيقات الأخرى.
وإدراك التطور الكبير الذي أحدثته تلك المواد في الخلية الشمسية يتبين من ارتفاع كفاءتها من 3.8% عام 2009 إلى 25.5% عام 2020، في حين استغرقت مادة السيليكون أكثر من 50 عاما من النشاط البحثي للوصول إلى الكفاءة نفسها.
ليست الكفاءة الكبيرة هي المزية الوحيدة للبروفسكايت كمادة فعالة في الخلايا الشمسية؛ فهناك العديد من المزايا الأخرى، مثل سهولة التصنيع حيث يمكن طباعتها بطرق هندسية تشبه – إلى حد ما – طباعة الورق والصحف لأن مادة البروفسكايت تُرسّب من محلول فتكون في حالة سائلة أثناء التصنيع والتحضير، ومن ثم لا يوجد كمٌّ مهدر من المواد مثل السيليكون الذي يفقد معظمه أثناء عملية التقطيع.
وهذه العوامل السابقة تسهم في خفض تكلفة إنتاج الخلايا الشمسية بشكل كبير مقارنة بخلايا السيليكون، ومن ثم يمكن استخدام تلك الخلايا بصورة واسعة نظرا للتكلفة المتدنية التي لطالما كانت المعول عليه في انتشار تلك الخلايا وزيادة استخدامها في كل المجتمعات.