د. أيمن الأحمد
يعتمد طب الأسنان اعتماداً كبيراً على استخدامات الأشعة في نواحي التشخيص والكشف المبكر عن الآفات السنية، إضافة إلى العلاج المناسب؛ نظراً لما توفره الأشعة المتنوعة من بيانات للطبيب يصعب تحديدها بالعين المجردة، ولما تسهم فيه من توفير الجهد والوقت، ودقة العلاج وسلامته، وسرعة الشفاء.
ومنذ أن استخدمت الأشعة في المجال الطبي في بدايات القرن العشرين لجأ طب الأسنان إلى استخدام تلك التقنية في اكتشاف الآفات السنية، ومن ثم علاجها. وتطور الأمر بمرور السنين مع تطور الأشعة وتنوع استخداماتها، لاسيما الليزر، إذ كان طب الأسنان يستفيد من التطورات العلمية في مجال الطب الإشعاعي، ويطور ذلك التخصص وفقاً لتلك المستجدات.
الأشعة السينية
بعد أن اكتشفت الأشعة السينية (x) عام 1895، وانتشار ذلك الاكتشاف العلمي بدءاً من العام التالي، سعى الأطباء إلى الاستفادة منه في المجال الطبي. وبدأت استخدامات تلك الأشعة تدخل شيئاً فشيئاً في التشخيص الطبي العام، ثم بدأ استخدامها في طب الأسنان.
وتتوفر هذه الأشعة في جميع عيادات الأسنان، وتتمثل حالياً في أفلام صغير ة الحجم، يستطيع كل منها تصوير نحو ثلاث أسنان لتساعد الطبيب على التشخيص والعلاج. وتطورت تلك الأشعة حيث صارت تظهر مباشرة على جهاز حاسوبي يراه الطبيب دون حاجة إلى مواد تحميض خاصة.
واستفاد طب الأسنان من تلك الأشعة أيضاً في التصوير (البانورامي) حيث يتم تصوير أسنان الفكين في صورة واحدة، وكذلك تصوير المفصل الصدغي الفكي والجيب الأنفي وقعر العين. وتعتبر هذه الصورة من البديهيات الواجب التقيد بها قبل البدء بعلاج الأسنان. وهي تساعد في أمور عدة منها التأكد من وجود التسوس مع تبيان عمقه ومكانه بدقة، وكشف الخراجات السنية المزمنة، والآفات الذروية، ومشكلات المفصل الصدغي، ومسار بزوغ الأسنان اللبنية والدائمة، والأسنان المطمورة في الفك العلوي والجيوب الأنفية، والسماكة العظمية التي تساعد على زرع الأسنان.
ويستعين الأطباء المختصون بتقويم الأسنان بالأشعة (السيفالومترية) التي تصور المريض من الوضع الجانبي للرأس لدراسة الحالة السنية للمريض، ووضع خطة التقويم المناسبة. ومن المستجدات في هذا المجال التصوير الحاسوبي الطبقي المحوري للفكين، إذ يوفر صوراً عالية الوضوح للفكين من كل الزوايا.
الفتوحات الليزرية
لم يكن طب الأسنان بعيداً عن الاستفادة من الإنجازات التي رافقت اكتشاف الليزر، واستخدامه في مجالات عديدة، إذ رآه ملائماً لجوانب كثيرة من عمليات التشخيص والعلاج. وبدأ ذلك الاستخدام فعلياً في منتصف التسعينيات (وإن سبقها محاولات فردية جيدة في بعض الدول)، حين جرى استخدامه في علاجات أولية، مثل العمليات الجراحية البسيطة للثة، بدلاً من الطرق العلاجية التقليدية. ثم تطور استخدام الليزر بمرور الزمن، وبالتزامن المستمر مع التطورات التي شهدتها استخدامات الليزر في الميدان الطبي بصورة عامة. وعلى سبيل المثال فإن الاستخدامات الحديثة تشمل التبييض، والتجميل، والتخلص من التسوس، وقطع واستئصال الأنسجة، والتئام الجروح، لاسيما أن الليزر لا يشكل أي خطر ينتج عنه حدوث إصابات حرارية للأسنان أثناء ترميمها، أو للعظام المجاورة للأسنان المزروعة. كما أن الليزر لا يعتمد على التيار الكهربائي، ومن ثم لا يعرض مرضى القلب الذين يستخدمون أجهزة ضبط نبضات القلب pace makers القديمة إلى أي مشكلة صحية.
ومن أهم استخدامات الليزر:
1 – تبييض الأسنان:
لطالما كان حلم أي إنسان الحصول على أسنان ناصعة البياض خالية من أي بقع ملونة، باعتبار ذلك من أهم مظاهر الجمال. وثمة أساليب عدة يلجأ إليها الأطباء لتبييض الأسنان منها استخدام أنواع معينة من أجهزة الليزر. ويتم اللجوء إلى أشعة الليزر التي تؤثر في (الجل) المستخدم في التبييض وتحفيزه إلى تفكيك الطبقة الصفراء المحيطة بالسن، والتخلص منها دون الاضطرار إلى تسخين (الجل) إلى درجات حرارة عالية، كما هي الحال في طرق أخرى (الأمر الذي كان يتسبب في ارتفاع حرارة السن وحساسيته للحرارة والبرودة). وتجرى عملية التبييض عبر تحديد درجة لون الأسنان ومدى الاصفرار فيها للوصول إلى درجة التبييض المناسبة، وتركيز الأشعة و(الجل) المستخدم.
ويستفاد من الليزر لإزالة البقع التي تظهر بالتقادم نتيجة تناول الشاي والقهوة والتوابل والأطعمة الملونة، وهذه البقع تصبح أحيانًا جزءاً من بنية السن بحيث تصعب إزالتها. أما البقع التي تتكون نتيجة تناول بعض الأدوية وتكون جزءاً من تركيب السن الداخلي، فربما لا يعالجها الليزر، وتحتاج أحياناً إلى تغطية خارجية بطبقة بيضاء رقيقة تدعى الفينير Veneer. ويستخدم الليزر أيضاً لإعادة تشكيل نسج اللثة وعرض أجزاء أكبر من الأسنان السليمة وتحسين الابتسامة عند الأفراد الذين يتصفون بظهور اللثة عند تبسمهم، أو ما يعرف بالابتسامة اللثوية.
2 – الاستخدامات الجراحية:
يستخدم الليزر جراحياً في مجالات عدة تستهدف جميعها تخثير الأوعية الدموية بسرعة فيقل النزف أو ينعدم مما يخفض نسبة الالتهابات بعد العمل الجراحي وأثناءه، ويسهله. ومن أهم هذه الاستخدامات: التخلص من الخراجات بطريقة أكثر فاعلية من الطرق التقليدية، واستئصال الحصيات اللعابية في الغدد اللعابية عن طريق تحرير النسج وكشف القناة واستئصال الحصاة دون نزف أو تشكل ندب بعد خياطة القناة، والجراحة قبل التعويض الصناعي (الأطقم)، وإزالة النسج المغطية جزئياً لضروس العقل wisdom teeth البازغة جزئياً، ومعالجة أورام النسج الرخوة التي يصعب استئصالها نظراً للنزف الذي يحجب الرؤية، والجراحة التقويمية حيث توجد الأسنان المهاجرة والمنطمرة التي تحتاج إلى تحرير السن من النسج الرخوة المغطية له وجعل ساحة العمل نظيفة، وزرع الأسنان بهدف العمل في بيئة معقمة ورؤية واضحة وخالية من الدم، والجراحة اللثوية التي تتضمن معالجة الجيوب العميقة وتعقيمها.
3 – مشكلات التسوس:
يستخدم الليزر لمعالجة تسوس الأسنان التي تستهدف إزالة النخر الذي يصيبها لأسباب عديدة. وهذا الاستخدام يقلل الحاجة إلى الاستعانة بسنابل الحفر والتخدير الموضعي، ويقلل من تدمير بنية السن والنسج المحيطة عن طريق الدقة في تحديد حجم الحفرة، وهذا كله يجعل المريض يحس براحة أكثر ويحد من الخوف المعتاد من المعالجات السنية، فضلاً عن بقاء حشوات الأسنان مدة أطول لإسهام الليزر في قتل البكتيريا الموجودة في حفر التسوس.
ويساهم الليزر في اكتشاف بعض الأنواع من حفر التسوس المختبئة، مما يحد من تدمير السن، باعتبار أن عملية نخر الأسنان تبدأ من خلال تآكلات مجهرية في السطوح الصلبة للأسنان (ميناء الأسنان) ثم تنتشر في الطبقة الأقل صلابة، ويصعب في حالات ليست بالقليلة اكتشاف بدايات التسوس باستخدام الطرق التقليدية.
ويشار هنا إلى أهمية استخدام الليزر المائي في علاج أسنان الأطفال، لأنه لا يستدعي التخدير أو سماعهم لأصوات الحفر المخيفة أو شعورهم بالاهتزاز المزعج. ونتيجة لعدم الحاجة إلى استخدام التخدير يمكنهم في معظم الأحيان تناول الطعام مباشرة بعد العلاج، ومنع عضِّ شفاههم أو ألسنتهم أو خدودهم. كما أن الليزر المائي يمنع جرح اللسان أو الشفتين أو الخد عند قيام الطفل بأي حركة مفاجئة خلال العلاج.
4 – الليزر والخلايا الجذعية :
ومن المستجدات على صعيد الليزر استخدام الليزر المنخفض القدرة لانتزاع الخلايا الجذعية الموجودة في عاج السن – وهو النسيج الصلب الذي يشبه العظام ويتكون منه معظم السن- وإجراء الدراسات على الفئران وعلى خلايا بشرية في المختبرات تمهيداً للتوصل إلى سن كامل مستقبلاً يحل بديلاً عن الأسنان التي يفقدها المرضى لأسباب عديدة.
وقال الباحثون إنهم لم يجددوا السن بالكامل لأن الجزء المكون للمينا كان دقيقاً جداً، لكن الحصول على عاج السن فقط لإنمائه قد يساعد على تقليل الحاجة إلى علاج قناة الجذر، وهو إجراء مؤلم لنزع النسيج العصبي الميت أو الذي هو في طريقه للموت، بالإضافة إلى إزالة البكتيريا من داخل السن.