استيطان الفضاء ودور المراصد المتطورة
د .علاء الدين عبد اللطيف
بعد أن هبط الإنسان على سطح القمر، وتحقق ذلك الحلم الذي لطالما راود البشرية، تسارعت وتيرة استيطان الفضاء مدفوعة بأخطار الانقراض بفعل نووي أرضي أو زيادة السكان على عشرة بلايين نسمة، وهو رقم ربما يمثل أقصى ما يمكن للأرض أن تتحمله.
إن تسليط الضوء على مراحل تطور علم الفلك الحديث والتكنولوجيا المصاحبة لهذا التطور يساهم في فهم إشكالية استيطان الفضاء والوقوف على إمكانية تحقيقه.
من كوبرنيكوس إلى هابل
كانت الخطوة الأولى في علم الفلك الحديث بهذا الصدد هي نظرية عدم مركزية الأرض التي أعلنها كوبرنيكوس، المعروفة بمركزية الشمس أو «الهيليوسنترك»، التي لم تُقبل في حينها لافتقادها إلى الدعائم التجريبية والبيانات التي يمكن استخدامها لاختبار صحة النظرية.
براهي و”الملاحظة والمشاهدة” يُعد تيكو براهي أحد أهم الفلكيين الذين رصدوا وراقبوا السماء باستخدام العين المجردة ومن داخل مرصد أسسه ملك الدنمارك فريدريك الثاني. وأتاح المرصد وأجهزته الفرصة لبراهي لتطوير البيانات الفلكية بهدف تحديد مواقع الأجرام السماوية. واستطاع دراسة حركة المذنبات ورصد واكتشاف أول سوبرنوفا (مستعر أعظمي) عام 1572. وبذلك أسقط النظرية الإغريقية التي تبنتها الكنيسة والقائلة بعدم حدوث أي تغير في السماء. وعلى الرغم من الإنجازات التي حققها براهي في علم الفلك فإنه لم يستطع تقديم معلومات وافية عن حركة الأرض.
كبلر وحركة الكواكب
واصل يوهان كبلر (1571-1630) إنجازات براهي. ولما كان كبلر تواقاً للوصول إلى نموذج رياضياتي هندسي للكون فقد استعمل نتائج وبيانات متاحة لوضع النموذج الهندسي لحركة الأجرام السماوية، فصاغ قوانينه الثلاثة الخاصة بحركة الكواكب في مدارات بيضاوية. وشهد عام 1690 المحاولة الأولى للإنسان لاستكشاف حركة كواكب المجموعة الشمسية لإثبات صحة نظرية كوبرنيكوس القائلة بعدم مركزية الأرض والتأكيد على صحة قوانين كبلر. وأجرى هذه المحاولة الفلكي الإيطالي غاليليو غاليلي. وهو أول شخص يوجه تلسكوبا نحو السماء عرف فيما بعد بتلسكوب الانكسار. ويتكون ذلك التلسكوب من عدستين على طرفي أنبوب يكون مساويا لمجموع أطوال البعدين البؤريين للعدستين.
وعلى الرغم من أن ذلك التلسكوب كان صغيراً وأن الصور التي كوَّنها لم تكن بالوضوح والتكبير الكافيين، فإن غاليلي كان قادراً على رصد الجبال والحفر على القمر، وتمكن من رصد شريط من الضوء المنتشر عبر السماء تم تحديده لاحقاً على أنه المجرة التي ننتمي إليها؛ مجرة درب التبانة. ويعد عمل غاليلي في النظر نحو السماء باستخدام التلسكوب ورصد جبال القمر وحفره وحركة المريخ حول الشمس ثورة علمية أدت إلى تغير شديد الأثر في الفكر الإنساني وفهمه للسماء وما تحويه، وهو ما يعرف بالثورة العلمية الكبرى الأولى.
ومن المعروف أن أكبر تلسكوب انكسار في العالم بني عام 1897 في خليج ويليامز بويسكونسن في الولايات المتحدة.
عصر نيوتن
في عصر إسحاق نيوتن الذي يعد من أهم عباقرة العلوم الفيزيائية ازدهر علم الفلك نتيجة لبناء واستخدام تلسكوبات أكبر وأكثر تعقيداً من سابقاتها. وكان للتقدم العلمي الذي شهدته الفيزياء على يد نيوتن أثر بالغ في التقدم التكنولوجي الذي مكن الإنسان من صنع تلسكوبات ذات خصائص فيزيائية فريدة وقدرات رصد وتكبير عالية، ومن ثم تمكن العلماء من اكتشاف العديد من النجوم وحساب المسافات النجمية.
وشكلت أفكار نيوتن ومفاهيمه الأساس لاستكشاف الفضاء؛ فقد قدم بقوانينه الثلاثة للحركة وفهمه للكتلة والقصور الذاتي الأساس العلمي لعمل الصواريخ. وكانت نظريته في الجاذبية العامة الأساس الفيزيائي لاستنتاج قوانين كبلر على أسس أكثر رسوخا.
المطياف وتركيب الأجرام السماوية
في القرن التاسع عشر، استخدم علماء الفلك أداة جديدة تسمى المطياف لجمع معلومات حول التركيب الكيميائي للأجرام السماوية ودراسة حركاتها.
وطور علماء الفلك في القرن العشرين التلسكوبات. لكن تلك التلسكوبات المكبرة لم تتمكن بعد مدة من تحسين فهمنا ونظرتنا للأجرام السماوية بسبب الغلاف الجوي للأرض؛ إذ يعمل ذلك الغلاف على تشتيت الأشعة الضوئية المكونة للصورة التي نتلقاها باستخدام التلسكوب من قواعد أرضية محاطة به. وحلم علماء الفلك بوجود مرصد في الفضاء خارج الغلاف الجوي للتغلب على مشكلات التشتت والانكسار وامتصاص الضوء. وقدم هذا المفهوم واقترحه عالم الفلك ليمان سبيتزر في الأربعينيات من القرن الماضي، مقترحا أنه من موقع أعلى من الغلاف الجوي للأرض، سيكون التلسكوب قادراً على استقبال الضوء من النجوم والمجرات وغيرها من الأجسام الموجودة في الفضاء قبل امتصاصه او انكساره أو تشويهه، وستكون الصورة أكثر حدة وتمييزا بكثير من الصور التي نحصل عليها باستخدام أكبر تلسكوب على سطح الأرض من داخل الغلاف الجوي. ونتيجة للتطوير المستمر فإن المراصد تمد العلماء بالطبيعة الفيزيائية والخواص الكيميائية للفضاء.
حلم أصبح حقيقة
في سبعينيات القرن الماضي، بدأت وكالة الفضاء الأوروبية والإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) العمل معاً لتصميم وبناء ما أصبح معروفا بتلسكوب هابل الفضائي. ففي 25 إبريل 1990، وضع خمسة رواد فضاء على متن مكوك الفضاء ديسكفري تلسكوب هابل في مدار يبعد نحو 660 كم فوق سطح الأرض. والصور غير المسبوقة التي قدمها هابل حققت حلما انتظره العلماء طويلا.
أرسل هابل إلى مداره حول الأرض لمهام محددة أهمها:
استكشاف النظام الشمسي.
قياس عمر وحجم الكون.
البحث عن جذورنا الكونية.
رسم خريطة لتطور الكون.
كشف أسرار المجرات والنجوم والكواكب والحياة نفسها.
استكشاف الفضاء
يتم استكشاف الفضاء حاليا إما عن طريق المركبات الفضائية المأهولة وغير مأهولة (باستخدام الروبوتات)، أو المراصد من خارج الغلاف الجوي للأرض.
وتستخدم المعلومات المكتسبة من هذه الاستكشافات لتزيد من معرفة الإنسان بالكون. ومع التقدم في مجال الصواريخ والإلكترونيات تمكن البشر من إرسال معدات وحيوانات إلى الفضاء الخارجي.
وشكل استكشاف الفضاء، ثم القدرة على إرسال المعدات والإنسان والحيوان في رحلات فضائية، إثارة عقلية للكثير من الناس، فبدأ الحلم يكبر ويزداد الطموح في استيطان الفضاء لاسيما مع وجود دوافع عديدة لذلك أهمها احتمال انقراض الجنس البشري، وعدم كفاية الموارد المتاحة على الأرض لأكثر من عشرة بلايين نسمة، واحتمال تعرض الأرض للاصطدام بأجسام كونية تقضي على الحياة. وهكذا اتجهت الدول نحو المستوطنات الفضائية للحفاظ على الجنس البشري من الانقراض. وهذه المستوطنات تقسم إلى ثلاثة أنواع هي المستوطنات المدارية، والمستوطنات القمرية، والمستوطنات المريخية.