إعادة تدريب العين
اختصاصية علم الأعصاب المعرفي شريفة تساعد مرضى السكتة الدماغية المصابين بتعذر القراءة الناجم عن العمى الشِّقي استعادة حبهم للمطالعة
بقلم ريهام العوضي
تخيل أنك جالس في قطار وتنظر من النافذة. مع زيادة سرعة القطار، تتابع عيناك ما يجري في محيطك، وتتبع كل حركة. وحين تتحرك عينك إلى الأمام وإلى الوراء مع ابتعاد الأشياء عن مجال الرؤية، فإنها تحفز حركات العين اللاإرادية التي تدرِّب عضلاتها: هذا شكل من أشكال العلاج للأشخاص الذين يعانون تعذرَ القراءة الناجم عن العمى الشِّقي Hemianopic Alexia.
تعذر القراءة الناجم عن العمى الشقي هو اضطراب في القراءة يحدث بعد السكتة الدماغية أو بعد إصابة في الرأس. يحدث هذا الاضطراب بعد نزيف في مؤخرة الرأس يؤثر في البصر، الأمر الذي يؤدي إلى العمى في أكثر من نصف مجال الرؤية. ويسمى هذا الاضطراب العمى الشقي أو العمى النصفي Hemianopia.
يتتبع المصابون بالعمى الشقي أو العمى النصفي النص بحركات زائدة من العين للتعويض عن فقدان البصر الذي يعانونه، وهذا ما يؤدي إلى تعذر القراءة.
أعدت الدكتورة شريفة الرقم، الأستاذة المساعدة في كلية التربية الأساسية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب في الكويت، تطبيقًا للقراءة الصحيحة يُسمى Arabic Read-Right، ويستخدم نصًا متحركًا للمساعدة على إعادة تدريب حركات العين وجعل القراءة أسهل وأسرع لدى من يعانون تعذرَ القراءة الناجم عن العمى الشقي.
بعد أن حصلت على إجازة في علم النفس وماجستير في علم أمراض النطق الإكلينيكي وماجستير في علم الأعصاب المعرفي ودرجة الدكتوراه في علم الأعصاب المعرفي، أدركت شريفة الرقم أنها تريد العمل مع المرضى، لكنها لم تعرف كيفية فعل ذلك والطريق الذي يجب عليها أن تسلكه.
في مرحلة مبكرة من دراستها الجامعية، عرفت أنها تريد أن تعمل إما في مجال العلاج الطبيعي أو علاج النطق أو العلاج المهني. وبعد أن عملت مع أشخاص مصابين بأنواع مختلفة من الإعاقات خلال 13 عامًا من عملها كاختصاصية في أمراض النطق
واللغة، أدركت أنها تريد حقًا التركيز على مرضى السكتة الدماغية.
قالت شريفة الرقم إن مجال علم الأعصاب واسع جدًا في الكويت، ومع ذلك، فإننا ما زلنا متأخرين في مجال إعادة التأهيل العصبي ولا توجد خيارات كثيرة لمرضى السكتة الدماغية. وأشارت إلى وجود عدد قليل من اختصاصيي النطق في الكويت الحاصلين على درجة الماجستير فيما يعمل الحاصلون على درجة الدكتوراه في الأوساط الأكاديمية.
وقالت: “لدينا وحدات لعلاج السكتة الدماغية في مستشفيات مختلفة، لكنها تقتصر على تقييم حالة المرضى؛ لا شيء من حيث إعادة تأهيل هؤلاء المرضى. ومن ثم فإنهم لا يحصلون على المتابعة التي يحتاجون إليها. يأتون لجلسة علاج أو جلستين، ثم يشعرون بالملل أو لا يوجد من هم مؤهلون على نحو كافٍ لمساعدتهم، فيقررون التوقف عن الحضور”.
تركت شريفة الرقم وظيفتها للعمل في مجال علم الأعصاب، وعندها تعرفت على تطبيق القراءة الإنجليزية English Read-Right الأصلي. وبالتعاون مع مجموعة من المتخصصين، أنشأ أحد المشرفين عليها في جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London التطبيق الذي صُمم لعلاج القراءة للغات التي تُكتب من اليسار إلى اليمين مثل الإنجليزية، وهذا جعله غير فعال للغة العربية واللغات الأخرى التي تُكتب من اليمين إلى اليسار.
يمكن استخدام التطبيق لتشخيص ما إذا كان المريض الذي يعاني العمى الشقي مصابًا بتعذر القراءة الناجم عن العمى الشقي أم لا. بعد ذلك، يجب أن يمر المريض خلال مجموعة أولى من التقييمات داخل التطبيق، ثم يمكن أن تعلمهم الرقم كيفية بدء العلاج.
لا يتوفر تطبيق القراءة العربية الصحيحة Arabic Read-Right حاليًا إلا على أجهزة آبل اللوحية؛ نظرًا لأن نظام تشغيلها هو الأكثر استخدامًا في منطقة الخليج، وفقًا لبحث أجرته الرقم. كما أن سهولة استخدام التطبيق لا تقتصر على العارفين بأمور التكنولوجيا، إذ ساعدت الناس على أن يفهموا بسهولة كيف يستخدمونه حتى وإن لم يسبق لهم استخدام أي تطبيق من قبل.
وإضافة إلى المساعدة على التشخيص الإكلينيكي لتعذر القراءة الناجم عن العمى الشقي، يوفر التطبيق علاجًا متنقلًا. وهذا يعني أن بإمكان المرضى أن يتدربوا في أي وقت وفي أي مكان، وهذا يمنحهم مزيدًا من ساعات التدريب خارج إطار العيادة. وقالت شريفة الرقم إنه نظرًا لقلة عدد معالجي النطق في الشرق الأوسط مقابل العدد الكبير من المرضى، فإن العلاج عبر الإنترنت يوفر حلًا مناسبا.
كما أن قدرة المرضى على تلقي العلاج خلال الوقت المناسب لهم، تترك لاختصاصيي النطق مزيدًا من الوقت لاستقبال مرضى آخرين يحتاجون إلى العلاج وجهًا لوجه.
وعلى الرغم من أن التطبيق خاص جدًا باحتياجات مرضى تعذر القراءة الناجم عن العمى الشقي، فقد قالت الرقم إنها وجدت أن المعالجة المعرفية – من حيث البحث عن الأشياء – تصبح أسرع بكثير بعد استخدام التطبيق.
يحتاج المريض إلى متابعة العلاج ما بين 30 دقيقة إلى ساعة في اليوم، وإلى متابعة 12 ساعة أو أكثر من العلاج بشكل عام قبل أن يلحظ أي قدر من التحسن.
ينطوي العلاج على التمرير الجانبي للنص الذي يمكن للمرضى التحكم في سرعته ولونه وخلفيته ومحتواه. ويتضمن التطبيق مكتبة تحتوي بين كتب أخرى على المصحف الكريم إضافة إلى متابعة آخر الأخبار من موقع قناة الجزيرة القطرية من خلال صيغة التلقيم آر إس إس RSS news feed.
لقد تمكن المرضى حتى الوقت الحالي من تحسين تنسيق حركة العين على نحو أفضل، وحسّنوا سرعة قراءة النص الثابت [غير المتحرك]، حتى إن بعضهم تمكنوا من العودة إلى العمل وهم في سن 45 فما فوق. وقد عزز التدريب ثقتهم وعاد كثيرون منهم مرة أخرى إلى المطالعة من أجل متعة القراءة.
وقالت الرقم: “إن مرضى تعذر القراءة الناجم عن العمى الشقي يشتكون من عدم قدرتهم على القراءة، فالقراءة عمل مجهد بالنسبة إليهم، ومن ثم فهم يتخلون تمامًا عنها. … إذا كانت [مهنتهم] تتطلب القراءة من أجل العمل، فلم يعد ذلك عائقا لهم. [التدريب] لا يساعدهم فقط على تحسين قراءتهم، لكنه يساعد أيضًا على تحسين جودة أدائهم”.
لم يكن تطوير النسخة العربية من التطبيق مسألة بسيطة تقتصر على مجرد تبديل تقنية التطبيق للعمل مع اللغة العربية.
وعن ذلك قالت الرقم: “اللغة العربية مختلفة تمامًا ومعقدة. … كان علينا تغيير طريقة عمل النص المتحرك تمامًا”.
لقد تطلب الأمر عكس حركة التمرير الجانبية لعلاج القراءة، وكان لابد من اختيار الكلمات العربية بعناية، وكان على العاملين على إعداد التطبيق أن يقرروا ما إذا كانوا سيضعون علامات التشكيل في اختباري القراءة البصرية قبل العلاج؛ لأنها قد تتسبب في مزيد من الازدحام البصري أكثر مما يلزم. وتمثل الفرق الآخر في أن النسخة الإنجليزية كانت معدة لتعمل على أجهزة الحاسوب فقط، وهذا يعني أن يُلزم المرضى بالعمل على مكتب.
وبفضل التغذية الراجعة الواردة من التطبيق، يمكن لشريفة الرقم أن ترى بالضبط الكيفية التي يتقدم بها المرضى، فيما يتلقى المرضى أنفسهم تغذية راجعة فورية حول أداء المهام يعرفون من خلالها عما إذا كانوا يسجلون تحسنًا أم ما زالوا على حالهم.
وتتمثل خطوتها التالية في البدء بالترويج للتطبيق وتعميمه على عدد أكبر من المرضى، ليس فقط في الكويت ولكن في جميع أنحاء المنطقة العربية.
وعلى الرغم من أن شريفة الرقم نشأت داخل أسرة تشجع التحصيل العلمي، إلا أنها واجهت مع ذلك انتقادات وصعوبات عديدة. وعن ذلك قالت: “لم أحصل على أي شيء بسهولة. كان علي أن أكافح من أجل الحصول على تلك المنح الدراسية. … بفضل طموحي وتصميمي، لم أترك أشياء مثل هذه تقف بتاتًا في طريقي”. وهي تأمل بالنسبة للكويت في توفير مزيد من التدريب المهني، والتدريب الداخلي والخارجي، والعيادات التعليمية وجعلها متاحة للطلبة في مختلف المجالات لأن “القراءة والتعلم يختلفان عن التطبيق”.
تُدرس شريفة الرقم حاليًا في قسم علم النفس – وهو ما تقول إنه مجرد وسيلة وليس غاية بحد ذاته في هذه المرحلة – إذ إنها ترغب في النهاية في العمل مع المرضى وفتح مركزها الخاص لإعادة تأهيل لمرضى السكتة الدماغية.
عن ذلك قالت: “أرى نفسي فقط كاختصاصية علاج. لا أرى نفسي في أي مكان آخر. … العمل مع المرضى ليس مجرد هوس؛ إنه متعة. أحب أن
أرى تلك الابتسامة على وجوههم. أحب حقًا أن أحدث فرقًا ]في حياتهم”.