أهمية الدبال في الـزراعة وخصوبة التربة
م. عبد العزيز أحمد
بينما يختلف معنى ومفهوم الدبال بين الأدباء وعلماء البيئة والكيميائيين، غير أنه عند الفلاح يعني الخصب والغذاء وإنتاج المحاصيل، دون أن يدرك أن وجود الدبال في حقله يوزن بالذهب.
ويعد الدبال من مفردات العلاقة بين الأرض والإنسان، وهذه العلاقة تعد مشكلة حضارية بل هي مشكلة بيئية واقتصادية وبشرية في آن واحد، فكلمة الدبال في المصطلحات البيئية هي Humus وعلى اللغويين سبر علاقتها بالإنسان الذي يعني ـHumme.
وإذا ما كانت المعركة ضارية ضد التلوث والتصحر وطغيان العمران على اليابسة، والجوع الذي يهدد أمم العالم، فالدبال يبقى مهملاً حتى في برامج الأمم المتحدة. ترتبط ندرة الدبال بالتدهور غير المعقول للغطاء النباتي على سطح الأرض، فعندما كانت الغابات والغطاء النباتي العامر تغطي مساحات واسعة من سطح الأرض، كان الدبال الناتج الطبيعي لتحلل الأوراق والبقايا النباتية والعودة بها من الحالة العضوية إلى الحالة المعدنية. ولعل السبب في انحسار الغطاء النباتي هو الرعي الجائر، وقطعان الماشية، ومعول البناء، وفأس ومنشار بني البشر، والحروب، وعوامل التدهور البيئي والجفاف. وقد أدى ذلك كله إلى تسارع انتشار المجاعة بين شعوب العالم، ففي تقرير حديث عن حالة الأمن الغذائي في العالم عام 2017 تبين أن هناك 821 مليون شخص جائع في العالم، وخصوصاً في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، ويقل هذا العدد نوعاً ما في آسيا.
بين القديم والحديث
أدرك القدماء فوائد التسميد بالمواد العضوية بعد تحللها، إلا أن العلماء في العصر الحديث بادروا بدراسة تحلل المواد العضوية، وفائدتها للتربة وقدرتها على إنتاج نباتات صحية وسليمة، فخصوبة التربة تعني قدرتها علي تزويد النباتات بكل ما تحتاج إليه من العناصر والمغذيات الضرورية لسد حاجاتها للنمو والتكاثر. ونظراً لعدم كفاية السماد العضوي، توجه المزارعون إلى استخدام الأسمدة المعدنية، لكن تبين فيما بعد أن التسميد المعدني لا يغني عن السماد العضوي. وأصبحت الزراعة العضوية تعتمد بالكامل على خصوبة التربة، التي تستخدم النظام الحيوي الطبيعي لتطوير المزروعات وزيادة نموها بدلا من المدخلات الكيميائية كالأسمدة الكيميائية والمبيدات، كما أنها لا تعتمد على البذور المحسنة وراثياً، ولا على المواد الهرمونية المضافة والمواد الحافظة، فالمحاصيل الزراعية والثمار تجنى بحالتها الطبيعية والمناسبة لصحة الإنسان. لذا تشعبت الدراسات الميكربيولوجية في آلية عمل الميكروبات في تحويل النفايات والمواد العضوية الحيوانية إلى دبال يزيد في خصوبة التربة.
ماهية الدبال
الدبال مجموعة من المخلفات النباتية والحيوانية تخضع للتحليل من قبل مجموعة من الأحياء البكتيرية تعيش فيها وتحولها بعد التحليل إلى مواد جديدة. والمواد العضوية قبل التحلل تعني الفضلات النباتية والحيوانية الخام التي لم يتناولها أي انحلال ميكروبي وتشمل: البروتينات والأحماض الأمينية والمواد النيتروجينية والفلوسيدات (السكريات) والدهون والزيوت ووسطي التحليل الإنزيمات والهرمونات، إضافة إلى مخلفات النبات من السليلوز والبكتينات والراتنجيات والصمغ. وتتأثر المحللات وسط هذه الكتلة من المواد بدرجات الحرارة والرطوبة والتهوية والظروف المناخية، وتعود بعض العناصر إلى الهواء مباشرة مثل ثاني أكسيد الكربون CO2 والنيتروجين بشكل النشادر NH3 أو النيتروجين الحر، أو بشكل أملاح نشادرية، ليتم في النهاية تشكيل مواد أخرى يحتاج إليها النبات ومختزنة في التربة. وبشكل عام يحتوي الدبال في التربة على %45 من مركبات اللجنين و%35 من مواد بروتينية و%11 من المواد الكربوهيدراتية و%3 من الدهون والشمعيات و%6 من المواد العضوية الأخرى، ومواد الدبال ليست ثابتة وتزداد كميته في التربة باستمرار بسبب الإضافات الجديدة، كما تتناقص مواده بسبب الانحلالات المستمرة.
الكائنات المحللة وإحياء الدبال
تحوي التربة في الأساس أعدادا هائلة من الكائنات الحية سواء كانت حيوانية أو نباتية. ومجموعة الميكروبات فيها تشمل: البكتيريا، والفطريات، والإكتوميستان، والطحالب، والبروتوزوا، والفيروسات، إضافة إلى الديدان والحشرات الأرضية، وكلها تجمع تحت اسم الميكروفلوراMicroflora. وكثافة كل نوع من هذه الكائنات في التربة يتوقف على الظروف السائدة فيها. وعندما نتوقف عند أهمية البكتريا والفطريات في الدبال والتربة نجد المعطيات التالية:
أولا-البكتيريا: أبسط الكائنات الحية الدقيقة في التربة وعددها نحو (100 مليون خلية/ غم تربة). والفدان الواحد من التربة الجيدة يحتوي على 250-150 كغم/ بكتيريا وفقا لعمق طبقة الحراثة. ونجد أن أعدادها تختلف تبعا لظروف التربة من الحرارة، والرطوبة، والحموضة، والعمق. تعيش البكتيريا في مستعمرات داخل حبيبات التربة، وأشكالها كروية أو عصوية أو حلزونية. وقد تكون البكتيريا أصلية ذائبة في التربة، أومؤقتة غازية جاءت بها مياه الري والأمطار والمخلفات العضوية. ومن أهم العمليات الحيوية التي تقوم بها البكتيريا في التربة تثبيت النيتروجين الجوي؛ أي تحويل النيتروجين الجوي إلى صورة يستفيد منها النبات عن طريق التثبيت التكافلي والتثبيت اللاتكافلي.
ثانيا-الفطريات: توجد بشكل هيفات متشابكة تدعى (ميسليوم) وتشكل 50-30 % من ميكروبات التربة، وتسود في تربة الغابات والتربة الحامضية. ودورها في التربة المساعدة على تحلل المواد العضوية. وقد تشكل علاقة تكافلية مع النبات، وبعضها يسبب أمراضاً له.
التركيب الكيميائي للدبال
يتركب الدبال من المركبات ذات الأوزان الجزيئية الكبيرة التي ترتبط بروابط مختلفة بالجزء المعدني للتربة، لذا تتطلب تجزئتها وفصلها مذيبات مختلفة، و لتحطيم الروابط لابد من انتزاع الكالسيوم منها. ويتضمن الدبال ثلاثة مكونات أساسية: أحماض الهيوميك (Humic acids)، وأحماض الفولفيك (Fulvic acids)، والهيومين (Humin).
والدبال بعد التحلل مادة غير قابلة للذوبان في الماء، على الرغم من أن بعض مواده تكون معلقا غروياً في الماء النقي، لكن الجزء الأكبر منه يذوب في المحاليل القلوية الخفيفة، وبعض مواده تذوب في المحاليل الحمضية.
والتعرف على محتوى التربة الزراعية من الدبال يعد مؤشراً مهماً لمعرفة مدى خصوبتها، فالدبال هو المكون الأساسي الذي يختزن بداخله العناصر الغذائية والمياه اللازمة للنبات.
الدبال وخصوبة التربة
يعد الدبال معقداً غروياً بلون أسمر غني بالطاقة، يمد النبات بالعناصر الأساسية اللازمة للحياة، وله قدرة عالية على الاحتفاظ بالماء. ووجوده في التربة ولو بكميات قليلة يزيد من خصوبة التربة وقدرتها الإنتاجية، وهو المكون الدائم للقسم العضوي من التربة ويؤدي فيها دوراً متعدد الجوانب منها:
– تحتوي المواد الدبالية في نواتها وسلاسلها الجانبية على مجموعة من العناصر كالكالسيوم والبوتاسيوم والكبريت والفوسفور، التي لها أهمية كبيرة للنبات. وعند التحلل تتحرر العناصر المذكورة وتصبح جاهزة وميسرة للنبات، وعلى هذا الأساس يعتبر الدبال مصدراً غذائياً احتياطيا، كما يساعد التربة على الاحتفاظ بالماء، فأي زيادة نسبتها %1 من الدبال في هكتار واحد من تربة محروثة بعمق 30 سم تجعل التربة قادرة على تخزين ما بين 300-250 متر مكعب من الماء، والماء ضروري لحياة النبات ومنع جفافه. فماء التربة أو محلول التربة يحتوي على الأملاح المذابة الضرورية لنمو النبات. والدبال يحسن مواصفات التربة، بصفاته الغروية وقدرته على تجميع حبيبات التربة، وكونه بيئة مناسبة وخصبة للكائنات الحية الدقيقة التي تكون مواد مخاطية تعمل على ربط حبيبات التربة، كما ينتج الدبال مواد منشطة للتربة، وبلونه الأسمر يزيد من قابلية التربة لامتصاص أشعة الشمس، ومن ثم يزيد في النشاطات والفعاليات المهمة في التربة. وللمواد الدبالية قدرة على الامتصاص العالي للأيونات الموجبة ولا تسمح للماء بغسلها إلى أسفل، وبذلك تكون حوامض الهيوميك مع الكالسيوم والمنغنيز وأكاسيد الحديد والألمنيوم بمثابة مركبات ثابتة غير متحركة. وبشكل عام نجد أن الأتربة الغنية بالدبال تملك طاقة خصوبة عالية مقارنة بالأتربة الفقيرة لها.
إن أهمية الدبال في خصوبة التربة تتمثل في قدرته على تحسين مواصفاتها، وتجميع حبيباتها وخلط مكوناتها المعدنية بالعضوية، فيصعب الفصل بينهما إلا في الأحوال المتطرفة نحو القلوية أوالحامضية. ويعرف اندماج مكونات التربة المعدنية بالعضوية باسم «معقد الدبال أو الصلصال». إضافة إلى ذلك يحتوي الدبال على محفزات النمو مثل الأوكسنات. ويعد الدبال مخزوناً للأغذية الضرورية لنمو النبات حيث تكون العناصر الغذائية اللازمة للنبات مخزنة فيه، وتخرج شيئاً فشيئاً، وبشكل يلائم نمو النبات، فبوجود الدبال يجد النبات دائما في متناوله عناصر غذائية جديدة. كما يساعد الدبال على نمو الميكروبات المضادة لنمو الفطريات الضارة، ونمو البكتيريا والديدان المسببة لأمراض النبات.