مقالات في العمق

جَسْرُ الفجوة الرقمية: خطوة أساسية نحو اقتصاد قائم على المعرفة

تحديد التفاوتات الرقمية ومعالجتها هو الخطوة الأولى في تحول الكويت من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد المعرفة

يسير التحول الرقمي للاقتصاد العالمي بخطى ثابتة إلى الأمام بفضل تسخير المجتمع لقوة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT. والكويت واحدةٌ من أكثر دول العالم المتصلة رقميًا، لذا فإنها في وضع يؤهلها لتحقيق الفائدة القصوى من هذا التحول الذي يُعرف أيضًا باسم الثورة الصناعية الرابعة.RIGHT

مع انتقال الكويت من اقتصاد يعتمد بشدة على الصادرات الهيدروكربونية إلى اقتصاد قائم على المعرفة، ستزداد أهمية هذه الاتصالات الرقمية للمجتمع.

في الكويت، يتاح لجميع الأشخاص تقريبا الوصول إلى الإنترنت، إذ يحظى 99 % من السكان بإمكانية الاتصال بالشبكة. لكن على الرغم من ذلك، ما زالت التفاوتات الرقمية قائمة. نتيجة لذلك، يُخشى أن تكون بعض المجاميع والأفراد عرضة لخطر التخلف عن مواكبة التحول الرقمي. حتى الوقت الراهن، لم تُدرس العلاقة بين الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والاختلافات داخل مجتمعات محددة وبين مختلف المجاميع السكانية في الكويت. قال فهد السميط، رئيس جمعية دراسات الخليج والجزيرة العربية والأستاذ المشارك في قسم الاتصال والإعلام في الجامعة الأمريكية في الكويت: “هناك القليل جدًا من البيانات الموثوقة -سواء من المنظمات المحلية أو الدولية- حول البيئة الرقمية لدولة الكويت… هذه واحدة من أبرز الفجوات في فهمنا للقدرة الرقمية لدى مختلف عناصر المجتمع الكويتي الذي يتسم بتعدد ثقافي متنوع جدا”.

لمعالجة هذه الفجوة المعرفية، أجرى السميط وزملاؤه الباحثون إلين جيه. هلسبر Ellen J. Helsper وكريستينا نافارو Cristina Navarro ونوف السيف ونايليش روNilesh Rau مسحًا وطنيًا ضمن إطار مشروع أوسع يُعرف باسم ’من المهارات الرقمية إلى النتائج الملموسة’‘From Digital Skills to Tangible Outcomes’ أو اختصارًا المشروع ديستو-الكويت DiSTO-Kuwait. نُشرت نتائج المشروع ديستو-الكويت تحت عنوان “تقرير عدم المساواة الرقمية في الكويت 2022”. والبحث والتقرير الصادر عنه هما ثمرة التعاون بين جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا وكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE)، وقد رأيا النور بفضل منحة من مركز الشرق الأوسط (MEC) في كلية لندن للاقتصاد الذي تدعمه مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.

في أول تقرير من نوعه يتعلق بإحدى دول الشرق الأوسط، كان الهدف هو تكوين فهم أساسي لعدم المساواة الرقمية في الكويت. بعد ذلك، يمكن إتاحة هذه المعرفة لصانعي السياسات والشركات وغيرها من جهات اتخاذ القرار، لاكتساب فهم كامل حول تأثير التقنيات الرقمية، وأين يجب تركيز الجهود عند وضع برامج لمعالجة أوجه عدم المساواة.

في المرحلة الأولى من المشروع، انصب تركيز السميط وفريقه على تصميم المسح. قال السميط إن ذلك الأمر شكّل تحديًا لهم، فقد تعيَّن عليهم ليس فقط إنشاء مسح يسهل تطبيقه، ولكن أيضًا النظر في ديناميكيات القوى المهمة داخل الكويت، وكيف يمكن أن تؤثر هذه الديناميكات في إدارة التفاعلات الشخصية. وكان الهدف هو إجراء مسح لمجموعة متنوعة من المجاميع السكانية من أجل اكتساب فهم أفضل لأنماط الوصول إلى الأجهزة المتصلة بالإنترنت، والمهارات الرقمية، والدوافع لاستخدام الإنترنت لدى جميع الفئات الديموغرافية.

ولكن مع اقتراب المرحلة الأولى من المشروع من الاكتمال، حلت جائحة كوفيد19-. قال السميط: “لقد دربنا فريقًا كاملًا من جامعي البيانات الإحصائية على إجراء المقابلات، وكنا جميعًا مستعدين للبدء بإجراء المسح، قبل أن نُضطر إلى التأجيل لأننا لن نتمكن من إجراء المقابلات وجهًا لوجه كما هو مخطط”. بدلاً من ذلك، اضطر الفريق إلى تأجيل البدء بالمشروع حتى يجدوا حلاً بديلاً.

التحول الرقميوبناء على ذلك، اتُخذ القرار بالانتقال إلى إجراء المسح عبر الإنترنت، إما بإكماله ذاتيًا، أو بمساعدة جامع بيانات مدرَّب. قال السميط: “لقد أنشأنا نظامًا لجدولة المقابلات عبر الإنترنت يمكِّن أي شخص يتفاعل مع حملاتنا على منصات التواصل الاجتماعي من تحديد موعد لإجراء مقابلة مع شخص يتحدث العربية أو الإنجليزية”.

أجري المسح الوطني في الفترة بين أكتوبر 2020 ويناير 2021 وأسفر عن نتائج حصل عليها الفريق من خلال مقابلة نحو 700 شخص بالغ. وخلص المسح إلى أن توزيع الموارد الرقمية في الكويت يتأثر بمجموعة من العوامل بما في ذلك الظروف الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. على سبيل المثال، أظهر المشاركون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عامًا امتلاكهم مستوى من المهارات الرقمية أعلى بمرتين مقارنة بأولئك الذين تزيد أعمارهم عن 40 عامًا. ولكن هذه المهارات لا تُستخدم دائمًا أثناء العمل أو الدراسة. وتتمثل إحدى التوصيات التي خرج بها الباحثون في وضع سياسات وإنشاء ممارسات جديدة تعمل على دمج هذه المهارات الرقمية على نحو أفضل في أماكن العمل والمدارس، حتى تتمكن الكويت كدولة من تحقيق الفوائد المرجوة من هذه المواهب الكامنة.

كانت إحدى المهارات التي افتقر إليها العديد من المستجيبين هي مهارات التصفح، وبعبارة أخرى، القدرة على العثور على مصادر مختلفة للمعلومات واختيارها وتقييمها. وإلى جانب أن العديد من الأشخاص في الكويت يستخدمون الإنترنت بشكل أساسي للعثور على المعلومات، يقترح هذا وجود حاجة إلى مهارات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يكون اكتسابها متاحًا، وتكون موثوقة، إضافة إلى التدريب على محو الأمية الإعلامية.

على عكس العديد من الدول العربية الأخرى، لا توجد فجوة واضحة بين الجنسين في الكويت، إذ تظهر النساء في كثير من الأحيان مستويات أعلى من المهارات الرقمية مقارنة بالرجال. ولكن هناك فجوة في المهارات، فالرجال يظهرون مستويات أعلى من المهارات الفنية والابداعية وفي البحث والتصفح. ويمثل الوافدون الأكبر سنًا من أصل عربي أو آسيوي نسبة كبيرة من سكان الكويت ولديهم في أكثر الأحيان مستوى تعليمي أدنى. قال السميط: “تشتري هذه المجتمعات تقنيات رخيصة نسبيًا لا تدوم لفترة طويلة، تتيح لهؤلاء الأفراد الوصول إلى خدمات الإنترنت الأساسية فقط. إنهم يستخدمون الإنترنت بشكل أساسي للتواصل مع الأصدقاء والعائلة في وطنهم الأم، وليس لتحسين وضعهم الاقتصادي، أو تطوير تعليمهم أو للوصول إلى مواقع التجارة الإلكترونية، والخدمات المصرفية عبر الإنترنت”. تشير هذه النتائج إلى ضرورة اعتماد سياسات وممارسات لجسر الفجوات بين التجارب الرقمية لمختلف عناصر المجتمع في الكويت.

قال السميط: “البيانات التي جمعناها هي المعلومات الوحيدة الموازية لبيانات الدولة فيما يتعلق بالوصول الرقمي… المصدر الآخر الوحيد للإحصاءات المتعلقة بمستخدمي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يأتي من الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات… والهيئة تصدر الكثير من البيانات عالية الجودة، لكنها تهتم أساسا بمسألة الوصول إلى الإنترنت التي تعد مرتفعة جدًا في الكويت”.

تساعد نتائج تقرير ديستو-الكويت على تسليط الضوء على أوجه عدم المساواة في الوصول إلى الإنترنت، من خلال توفير مزيد من التفاصيل حول الكيفية التي يتعامل وفقها الكويتيون مع التقنيات الرقمية على وجه التحديد. يساعد هذا المستوى من التفصيل على توجيه السياسات والممارسات المطلوبة للمستقبل – ليس فقط للحد من عدم المساواة، ولكن أيضًا لمساعدة الكويت على الاستعداد للانتقال نحو عالم مترابط على نطاق واسع والاتصال بعالم رقمي متطور.

قال السميط الذي يسعى مع فريقه للحصول على منح إضافية حتى يتمكنوا من إعادة إجراء المسح على نطاق أوسع: “لدينا الآن عينة تمثيلية على المستوى الوطني، لكننا نرغب في أن يشمل البحث مزيدًا من اللغات حتى نتمكن من استهداف عدد أكبر من السكان”.

وأضاف: “إنني ممتن جدًا للدعم الذي قدمه لنا مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي. لولا دعمهما وحرصهما على رعاية مثل هذه المواضيع البحثية، لكنا متأخرين كثيرًا فيما يتعلق بإعداد أنفسنا للمستقبل”.

بقلم إيما ستينهاوس

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى