دراسة التأثير النفسي لكوفيد – 19 على مقدمي الرعاية الصحية في الكويت
بقلم إيما ستينهاوس
كان لوباء كوفيد19- تأثير كبير في الصحة النفسية لعدد كبير من الكويتيين وفي رفاهيتهم – لكن قد يجادل بعض الأشخاص بأن أكثر من عانى هم الأطقم الطبية العاملة على الخطوط الأمامية في مواجهته. فتوفير الرعاية للمواطنين الذين عانوا تبعات كوفيد19- قد يصاحبه ضغط نفسي كبير على مقدمي الرعاية الصحية. لم تُجرَ حتى الآن أبحاث وافية تتقصى تأثير هذا الوباء في الصحة النفسية لمقدمي الرعاية الصحية ورفاهيتهم. لكن الدكتورة دلال السعيد تعتزم تغيير ذلك.
تقول د.السعيد إن بحثها المتصل بالضغوط النفسية التي يتعرض لها الطاقم الطبي ذو أهمية قصوى؛ إذ “تبرز الحاجة لتوفير الدعم الكامل للطاقم الطبي في مثل هذه الظروف غير المسبوقة، حين يتعين عليهم اتخاذ قرارات صعبة في بيئة متغيرة باستمرار، لذا فالدعم النفسي ضروري”.
إن معرفة د. السعيد الواسعة بجمع البيانات النوعية، إضافة إلى كونها مدافعة متحمسة لإشراك المريض والجمهور في البحث العلمي، جعلها في وضع مثالي لقيادة هذه المبادرة المهمة.
بدأت د. السعيد حياتها المهنية التعليمية في جامعة ليفربول جون مورس Liverpool John Moores Un بالمملكة المتحدة حيث حصلت على درجة الماجستير في الصيدلة. ثم انتقلت للعمل في كل من وزارة الصحة ومستشفى الصباح. بعد ذلك، نالت درجة الماجستير في الصيدلة الإكلينيكية، ثم حصلت على درجة الدكتوراه في ممارسة الصيدلة، وكلتاهما من يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London في المملكة المتحدة. بعد التخرج، التحقت بمعهد دسمان للسكري، أحد المراكز التابعة لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي، في الكويت كزميلة ما بعد الدكتوراه. وهي حاليًا مديرة العمليات الإكلينيكية في معهد دسمان للسكري، وتقود العديد من المشاريع البحثية النوعية التي تركز على المصابين بداء السكري من النوعين الأول والثاني. في الوقت نفسه، تدرِّس طلبة الطب وتشرف على طالب دكتوراه من جامعة أولستـر Ulster University.
تؤمـن د. السـعيد بـأن حماية صحــة وسلامة أطقـم الرعايـة الصحيـة مسـألة أساسية، ليس فقط في الكويت، وإنما في جميع أنحاء العالم. وتقول إن “مقدمي الرعاية الصحية هم موارد حيوية لكل بلد. صحتهم وسلامتهم أمران حاسمان ليس فقط من أجل توفير رعاية مستمرة وآمنة للمرضى، ولكن أيضًا للتخفيف من آثار تفشي أي وباء”. فأفراد الطاقم الصحي الذين يعانون الضغط النفسي معرضون لخطر الإرهاق، وقد يقررون في النهاية ترك المهنة. كما أن هناك خطرًا آخر يتمثل في زيادة الأخطاء الطبية، إلى جانب الآثار السلبية على جودة الرعاية المقدمة للمرضى.
من أجل دعم ركائز مجتمعنا هذه بأفضل السبل الممكنة، فإن الخطوة الأولى تتمثل في اكتشاف التحديات التي يواجهونها بمزيد من التفصيل، ثم تنفيذ تدخلات الدعم التي يقتضيها الوضع لتحسين رفاهيتهم النفسية. تقول د. السعيد: “تؤدي الأطقم الصحية دورًا حيويًا في الحد من التوتر المرضي النفسي وهو دور يجب أن نسلِّط عليه الضوء … إذا لم يتم التعامل مع هذا الأمر في وقت مبكر، فإن التأثير طويل الأمد سيُضعف خدمات الرعاية الصحية. يُعرف عن مقدمي الرعاية الصحية أنهم معطاؤون وغالبًا ما يعملون على حساب صحتهم من أجل مساعدة الآخرين، ومن واجبنا توفير كل الدعم لهم”.
في بــحثهـا حـول الضغـوط الرئيسـية التي يواجهها طاقم الرعاية الصحية ركزت د. السعيد في البداية على المقابلات شبه المنظمة التي أجراها أطباء نفسيون عبر استشارات الفيديو، والتي حُللت باستخدام مبادئ تحليل الإطار الموضوعي. تقول د. السعيد إن النتائج ستُستخدم “لتطوير تدخلات هادفة تعمل على تحسين الصحة النفسية وتساعد على دعم مقدمي الرعاية الصحية لتقليل الإرهاق ومواصلة توفير الرعاية الفعالة للمرضى وتعزيز المرونة”.
ذكرت د. السعيد أن أحد أكثر الجوانب تحديًـا في هـذا الـبحث كان “الحـصول على وقت مناسب من مقدمي الرعاية الصحية لمقابلتهم، إذ كانوا شديدي الانشغال في تقديم خدمات الرعاية الصحية أثناء تفاقم الوباء”. كما أعربت عن تفهمها لحقيقة أن استكشاف تجاربهم الشخصـية ربما يـكون مـرهقًا لهم، ولـكن هذه العملية “عالجها فريق طب نفسي متمرس، وهذا كـان ضروريًا لـتوفير الدعم الـنفسي لتعزيز الرفاهية النفسية التي يحتاجون إليها أثناء الوباء”.
تقترح النتائج الأولية للبحث أن كوفيد19- كان له بالفعل تأثير نفسي كبير في مقدمي الرعاية الصحية الذين يعتنون بمرضى كوفيد. وتقول د. السعيد إن معالجة هذا الأمر مسألة ضرورية. وتورد أربعة مجالات رئيسية يحتاج فيها مقدمو الرعاية الصحية إلى دعم إضافي: القضايا النفسية وظروف العمل واللوائح التنظيمية واستراتيجيات المواجهة واحتياجات الدعم.
من الواضح أيضًا أن تدخلات الدعم النفسي لمقدمي الرعاية الصحية محدودة حاليًا، وهناك حاجة لتوفير مزيد من السبل لتلبية جميع احتياجاتهم. تقول د. السعيد: “بناءً على النتائج وخبرات المشاركين، فإن توافر مجموعات الدعم ووجود طبيب نفسي مقيم لإجراء جلسات فردية وجلسات التفكير اليقظ Mindfulness sessions يمكنها مجتمعة أن تلبي احتياجاتهم”.
وهي تشير أيضًا إلى أهمية توفير تعليم وتدريب إضافيين لاختصاصيي الرعاية الصحية حتى يتمكنوا من التعرف على أعراض الاكتئاب والقلق والإرهاق. وتقول: “كان من الواضح أن مقدمي الرعاية الصحية يجدون صعوبة في التعرف على هذه” الأعراض.
تستخدم نتائج الدراسة للمساعدة على تطوير “تدخل التفكير اليقظ الذي تجري تجربته على مقدمي الرعاية الصحية لتحديد فعاليته على صحتهم النفسية وتعزيز مرونتهم”. والعمل جارٍ لاستخلاص نتائج هذا التدخل الأولي للتفكير اليقظ قبل تطبيقه على مستوى الدولة. والهدف، وفق ما تقول د. السعيد، هو “ضمان أن يكون مقدمو الرعاية الصحية مرنين بطبيعتهم للتعامل مع أي تفشٍ وبائي في المستقبل وتوفير الدعم النفسي لهم”.
دعمت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بحث د. السعيد بمنحة بحثية، وساعد في البحث د. عبد الله الأزيري وفريقه في جامعة الكويت ووزارة الصحة. قالت د. السعيد إنها “تشرفت بالحصول على امتياز أن تكون الباحث الرئيسي” في هذه الدراسة التي تعد حتى الآن المبادرة البحثية الوحيدة من نوعها في الكويت. ودعت إلى إيلاء اهتمام أكبر لأبحاث الصحة النفسية في الكويت وإعطائها الأولوية، نظرًا لأن البحث النوعي استراتيجية رئيسية لدى تطوير دراسات تدخلية.