جائحة كورونا عربيا.. استجابة إقليمية طارئة للحد من تداعياتها
- المشكلات الناجمة عن جائحة كوفيد-19 تهز كل القطاعات، وتضرب كل المجالات، وتربك العلماء والباحثين وتجعلهم في حيرة من كيفية معالجتها والحد من تداعياتها
م. محمد القطان
باحث وكاتب علمي،(الكويت)
لم يشهد العالم خلال عقود عدة كارثة كالتي شهدها في هذا العام متمثلة في جائحة كورونا-19 التي كان لها تداعيات على جميع مجالات الحياة، وآثار على كل المجتمعات، وأخطار كبيرة على حياة البشر في كل القارات. ولا تزال المشكلات الناجمة عن تلك الجائحة تهز كل القطاعات، وتضرب كل المجالات، وتربك العلماء والباحثين وتجعلهم في حيرة من كيفية معالجتها والحد من تداعياتها، وتدفعهم إلى دراسة كل السبل الكفيلة بالتخفيف من وطأتها على المجتمعات الحالية، وعلى أجيال المستقبل.
ولم تكن المنظمات الأممية بعيدة عن أداء الدور المنوط بها في مثل هذه الكوارث، إذ بادرت جميعها إلى دراسة الجوانب المرتبطة بهذه الجائحة وبما يناسب تخصصها ومجال عملها، وحرصت على إطلاق مبادرات وإجراء دراسات وإصدار تقارير تهدف إلى مساعدة الدول والمجتمعات على الحد من التداعيات الناجمة عنها، وكان منها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة (إسكوا) التي أطلقت دراسة خاصة بعنوان (الاستجابة الإقليمية الطارئة للتخفيف من تداعيات فيروس كورونا) تضمنت نصائح وتوجيهات للدول والمجتمعات حول تلك الكارثة، وكيفية الحد من تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.
واستبقت الأمينة التنفيذية للإسكوا الدكتورة رولا دشتي هذه الدراسة بإطلاق نداء سلطت فيه الضوء على الأخطار الكبيرة الناجمة عن هذه الجائحة، ودعت الحكومات العربية إلى إنشاء صندوق إقليمي للتضامنِ الاجتماعي.
وقالت الدكتورة دشتي إن التقييمات الأولية لأثرِ جائحة كورونا مُرعِبة: سنخسر أرواحاً لا تُقدَّر بثمن، وسنخسر وظائف تُقدّر بالملايين، وسنخسر إيرادات ببلايين الدولارات. وسيلتحق ملايين البشر بمن سبقهم إلى شباك الفقر. وهناك ملايينُ اللاجئين والنازِحين داخل بلدانهم الذين ستنقطع عنهم المساعدات الإنسانية. وستتحمل النساء الوزر الأكبر للعنف المتزايد والمخاطر الصحية المتفاقمة.
وأضافت : “ليس هدفي تعداد أرقام مخيفة، بل توجيه رسالة واضحة: وباء كورونا تهديد غير مسبوق يستدعي تضامنا غير مسبوق. واجبٌ علينا العمل، فوراً، للقضاء عليه والتخفيف من تداعياته. أيّ جهود نبذلها لتحقيق ذلك يجب أن تتمحور حول رفاهية الإنسان، والعدالة الاجتماعية، وثقافتنا العربية: ثقافة التضامن والعطاء التي هي سبيلنا إلى منطقة عربية تنعم بالأمن والعدل والازدهار”.
عقد من العمل العاجل
في ضوء خطر صحي عالمي النطاق وشديد الوطأة على المنطقة العربية، تحول ما يفترض أنه عقد من العمل الدؤوب من أجل التنمية المستدامة إلى عقد من العمل العاجل من أجل إنقاذ الأرواح وإصلاح سبل العيش، كما ترى دراسة الإسكوا. لقد أشعل فيروس كورونا أزمة تذكرنا بأن القطاع العام القوي ّوالفعال هو خط الدفاع الأول ضد المخاطر التي تتهدد نظما بأسرها. ونشهد يوما بعد آخر الكيفية التي تتسع بها رقعة الوباء فيما الاقتصادات العربية ترزح تحت صراعات متعددة وضغوط مالية متفاقمة. ولاحتواء التهديدات المتزايدة النابعة من انتشاره، ينبغي للجميع في مختلف أنحاء المنطقة العربية العمل معا للحد من انتقال العدوى وخفض حصيلة الوفيات. وينبغي التفكير بالآخرين، لاسيما الأكثر ضعفا والعمل على حمايتهم. فيروس كورونا لا يعرف حدودا، فقد أثر في حياة جميع الناس، من جميع الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، وعلى سُبل عيشهم. تلك حالة طارئة إقليمية تستدعي استجابة إقليمية طارئة. استجابة لاترمي إلى إنقاذ البلدان أو الصناعات أو المؤسسات المالية في المنطقة، بل إلى إنقاذ آلاف الأرواح. وأي مبادرة إنقاذية للقضاء على هذا الوباء يجب أن تتمحور حول رفاهية الناس وتضامن أركان المجتمع وأن تمكّن الحكومات من معاودة العمل أجل إقامة عالم آمن وعادل ومزدهر لا يهمل أحدا.
تقييم الأثر
بحسـب التقديـرات الأوليـة لآثار جائحة كورونـا التي أوردتها الدراسة، فمن المتوقع أن تخسر المنطقة العربية في عام 20202 نحو 42 بليون دولار. ومع اتساع رقعـة الجائحة فـي الدول الأوروبيـة والولايات المتحـدة وغيرهـا مـن الاقتصـادات الكبـرى، ونتيجـة للآثار المضاعفـة لانخفـاض أسـعار النفـط، يخشـى أن تـزداد خسـائر الدخـل فـي المنطقة.
وأدى انتشـار وباء كورونا إلى اسـتمرار الانخفاض الشـديد في أسـعار النفط، وازداد هذا الانخفاض حدة مع حرب أسـعار النفط، مما أدى إلـى خسـارة المنطقـة العربيـة إيرادات نفطيـة قيمتها الصافية نحو 11 بليون دولار، وذلـك فـي الفترة من يناير إلـى منتصـف مـارس 2020 .وإذا بقيـت أسـعار النفط على حالها، فستخسـر المنطقـة 550 مليـون دولار يوميا.
وتقول الدراسة إنه بفعل تباطؤ الاقتصاد العالمي، فمن المتوقع أن تنخفض صادرات المنطقة العربية بمقدار 28 بليون دولار، مما سيهدد استمرارية الشركات والصناعات المعتمدة على التصدير. ومن المتوقع أن تخسر حكومات المنطقة إيرادات جمركية قد تصل إلى 8ر1 بليون دولار. ويتوقع أن تخسر المنطقة 7ر1 مليون وظيفة في عام 2020، مما سيرفع معدل البطالة بمقدار 2ر1 نقطة مئوية. وقد تتقلص الطبقة المتوسطة في المنطقة العربية أكثر فأكثر، وهذا الأمر قد يدفع نحو 3ر8 مليون شخص إضافي إلى شباك الفقر. ومن المتوقع أن يؤثر التباطؤ الاقتصادي سلبا على الفئات وتدفق التحويلات.
وقـد تشـهد المنطقـة العربيـة نقصـا في الغذاء إذا استمرت الجائحة لعدة أشـهر. فسلاسـل إنتاج الغذاء وتوريده ونقله وتوزيعه ستتأثر سلبا إذا طال انتشـار الجائحة، مما سـيؤدي إلى انخفـاض الصـادرات الغذائيـة مـن البلدان المنتجة للغذاء.
وترى المنظمة أن وباء كورونا يهدد نحو 55 مليون شـخص بحاجة إلى المسـاعدات الإنسـانية في المنطقة العربية. ونحو 24 مليون شخص مـن المحتاجين إلى هذه المساعدات هـم إمـا لاجئـون وإما نازحون داخليا، والجائحة تهدد حصولهم عليها سواء أتعلقت بالغـذاء أم المـاء أم الصـرف الصحي أم الإمدادات الطبيـة أم الخدمـات الصحيـة.
استجابات وطنية طارئة
وتسلط الدراسة الضوء على الكيفية التي ينبغي للحكومات العربية التعامل وفقها مع الجائحة، فـي ضوء الضائقة الاجتماعية والاقتصاديـة المتفاقمة والمخـاوف مـن انهيار النظـم الصحية. ومن أهم الأمور اتخاذ اسـتجابات عاجلة على مسـتوى السياسـات ترمي إلى التخفيـف مـن تداعيات الجائحة وتعتمد على نهج شـامل لا يسـتثني أحدا .
فمن حيث الأمور المالية ينبغي النهوض بنظم الحماية الاجتماعية، من خلال توسيع نطاق تغطية برامج التحويلات النقدية والمعونة الغذائية واستحقاقات البطالة وغيرها، وتمديد آجال سداد القروض الفردية والرهون العقارية، ودعم الشركات المتضررة من تداعيات الجائحة بهدف حفز الاقتصاد والحد من تسريح العاملين، و تقديم دعم ائتماني وقروض معفاة من الفائدة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وللعاملين لحسابهم الخاص، و حفز الطلب وخلق فرص العمل
ومن الأمور التي ينبغي اتخاذها لتعزيز الضمان الاجتماعي حصول المستهلكين من الفئات الضعيفة على المواد الغذائية الأساسية والسلع الضرورية بشكل مستمر وبأسعار معقولة، وإنشاء نظام حماية مخصص لكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، وتنفيذ استجابة صحية عامة تقوم على نهج شامل للجميع، و اتخاذ تدابير عاجلة لتوفير المياه النظيفة وإتاحة مرافق وخدمات الصرف الصحي وغسل اليدين للجميع، وحماية العاملين الصحيين من خلال إعطائهم الأولوية لدى توفير أجهزة الحماية المناسبة.
وفيما يتعلق بالاستدامة والأمن الغذائي تدعو المنظمة إلى تقديم محفزات اقتصادية شاملة للجميع، من أجل إرساء مسارات إنمائية منخفضة الانبعاثات، وفعالة من حيث استخدام الطاقة، وقادرة على التكيف مع تغير المناخ، والاستعانة بحلول الطاقة المستدامة عند إنشاء المرافق المركزية لفحص المصابين بفيروس كورونا ومعالجتهم، وضمان استمرار الإنتاج الزراعي وزيادته لسد النقص المحتمل في الغذاء على الصعيد الوطني، ودعم صغار منتجي الأغذية.
استجابة إقليمية طارئة
تقدم الدراسة عددا من التوصيات الخاصة بكيفية تنفيذ استجابة إقليمية تدعم الجهود الوطنية المبذولة، وتؤدي إلى تعبئة الموارد والخبرات للتخفيف من تداعيات الجائحة. ومن أهمها:
- إطلاق نداء جدي من أجل إحلال السلام في المنطقة، ففي ضوء الجائحة ستزداد الصراعات حدة، وستتفاقم تداعياته الاجتماعية والاقتصادية في البلدان العربية.
- دعوة الحكومات العربية إلى إنشاء صندوق إقليمي للتضامن الاجتماعي من أجل دعم البلدان المعرضة للخطر بما فيها البلدان العربية الأقل نموا. وتخصيص هذا الصندوق لخدمة الفقراء والفئات الضعيفة.
- ينبغي للمؤسسات المالية الإنمائية الإقليمية، وكذلك المؤسسات المالية المتعددة الأطراف، النظر في وضع آليات لتأجيل سداد الدين وخفضه.
- ينبغي للصناديق الإقليمية توجيه الاستثمارات نحو قطاع الصحة والشركات الصغيرة والمتوسطة.
- اتخاذ الحكومات العربية إجراءات منسقة لإزالة جميع القيود المفروضة على الواردات والصادرات، لا سيما على الأغذية والمنتجات الطبية والمدخلات اللازمة للصناعات المنتجة للسلع الأساسية.
- اسـتحداث منصـة إقليميـة لتعزيـز جهـود مكافحة العنـف فـي المنطقـة العربيـة، وإطلاق حمـلات للتوعية مـن أجـل تشـارك التجـارب وزيادة الوعـي بالتدابيـر المتخذة للحـد مـن العنـف المنزلـي، لاسـيما ضد النسـاء والأطفال.
- وضع إطار تعاوني إقليمي لتحديد ونشر أفضل الممارسات في مجال الإدارة المأمونة والمستدامة للمبيضات والمطهرات والنفايات الطبية والخطرة والتخلص منها. والهدف من ذلك منع حدوث أي أزمة في إدارة النفايات قد تنطوي على مخاطر تؤثر على الصحة العامة والمياه الجوفية والمناطق الساحلية.