تعليم القانون في العالم العربي: دعوة إلى الإصلاح والابتكار
باحث قانوني كويتي بمنظور عالمي
“لَطالما اعتقدتُ أن تعليم القانون في العالم العربي يحتاج إلى إصلاح جوهري، لتعزيز جودة الخريجين وتمكينهم من أداء دور أكثر فاعليةً في المجتمع” فهد الزميع.
توقَّع عديدٌ من الأشخاص الذين شهدوا حماسة فهد الزميع للمشاركة في المناظرات، عندما كان يافعاً، أنه سينجح في مجال القانون. وكانوا على حق. قال الزميع، وهو الآن أستاذ مشارك في كلية الحقوق بجامعة الكويت، وأحد الفائزين بجائزة جابر الأحمد للباحثين الشباب لهذا العام: “يشدني شغف بالقانون لأن له تأثيراً مباشراً في حياة الناس – وفي الإنصاف والعدالة وسبل العيش”.
قال الزميع: “إن القانون يكون إما أداة تمكين وإما عقبة أمام التقدم، بدءاً من المواطنة إلى التعليم إلى بلوغ الرعاية الصحية إلى ممارسة الأعمال التجارية”. لكن القوانين قد تختلف بقدر كبير في بلدان مختلفة، كما تختلف الأنظمة القانونية التي تُنشئها وتديرها. يدرس الزميع هذه الاختلافات كخبير في القانون المقارن. وقال: “عندما نقارن بين القوانين، يمكننا أن نتعلم بعضُنا من بعض. وهذا يوسع آفاقَنا من حيث التوصل إلى أفضل الممارسات. نحن ننظر في النماذج المختلفة التي تبنتها البُلدان، ويمكننا النظر في تأثير كل نموذج على تلك الدولة المعينة. وهذا يسمح لنا بتقييم ما إذا كنا – نحن – قد تبنينا أفضل الممارسات”.
ولكي يصبح خبيراً انكب الزميع، بفاعلية، على دراسة القانون في مختلف أنحاء العالم. ففي الكويت، حيث درس في جامعة الكويت وحصل على مؤهل محامٍ، ساعد الزميع في السنوات الأخيرة في صياغة تشريعات جديدة مهمة، بما في ذلك قانون الإفلاس للعام 2020، الذي يوفر مزيداً من الخيارات للشركات المتعثرة، وقاد إلى إنشاء محكمة إفلاس متخصصة؛ وقانون الشركات للعام 2016 الذي حل محل نسخة قديمة من قانون العام 1960، وأتاح إنشاء أنواع جديدة من الشركات؛ وقانون التأمين للعام 2019 الذي أسس التأمين على أساس الشريعة الإسلامية (التكافل)، إضافةً إلى هيئة تنظيمية مستقلة للتأمين؛ وقانون السجل التجاري للعام 2024، الذي عمل على تحديث اللوائح القديمة، وجعل من السهل على الشركات الأجنبية فتحَ مكاتب فرعية في الكويت.
كما أن الزميع، الذي حصل على الماجستير في قانون الأعمال الدولي من جامعة مانشستر بإنجلترا، والدكتوراه في القانون من جامعة لندن، هو مرخَّص أيضاً لممارسة المحاماة كمحامٍ في إنجلترا وويلز. وقد اجتاز اختبار نقابة المحامين في كاليفورنيا بالولايات المتحدة. يهدف كثير من أبحاثي إلى سد الفجوة بين الأنظمة القانونية الأنجلو أمريكية والنظام القانوني في العالم العربي”، كما يقول الزميع، المتخصص في أبحاث القانون التجاري والشركات. ويرغب الزميع، على وجه الخصوص، في تشجيع العالم القانوني العربي على إيلاء مزيد من الاهتمام للتأثيرات الاقتصادية للقوانين التي يبتكرونها. ويقول الزميع: “إن تطبيق النظرية الاقتصادية على المؤسسات القانونية والقواعد القانونية أمر راسخ في الولايات المتحدة، وإلى حد ما، في إنجلترا، ولكن ليس في العالم العربي”.
قد يكون من الواضح في بعض الحالات أن أي قانون جديد قد يؤثر في الاقتصاد الكلي لبلد ما أو في معيشة مواطنيه، على سبيل المثال عندما تخفض الدولة سن التقاعد لقوتها العاملة. ويقول الزميع: “ستكون لذلك عواقب على الميزانية العامة، من بين أمور أخرى”. ولكن في حالات أخرى، قد يكون التأثير غير مباشر. فاللوائح التجارية الجديدة، مثل المتطلبات الجديدة للحصول على التراخيص، قد تُترجَم إلى تكاليف إضافية تثقل كاهل الشركات الصغيرة، على سبيل المثال. وفي العالم العربي كثيراً ما تمر مثل هذه الجوانب الاقتصادية من دون أن تحظى بالاهتمام الكافي، على حد قول الزميع. “وعادةً ما يحدث تجاهلُها. وقد حاولتُ في بحثي التأكيد على أن هذا عنصر بالغ الأهمية يتعين علينا أن ندمجه في دراساتنا، وفي قراراتنا المتعلقة بصنع السياسات”.
ولكن إذا كان بحثه في القانون المقارن قد علَّم الزميع شيئاً واحداً فهو هذا: لا يوجد قانون واحد يناسب الجميع، ويمكن أن يعمل بنحو جيد في كل مكان. وقال: “يجب عليك دائماً أن تأخذ في الاعتبار طبيعة وبنية المجتمع”. فالبلد الذي تهيمن الشركات الكبرى على اقتصاده سوف يحتاج إلى مجموعة مختلفة من القواعد واللوائح عن البلد الذي تكون فيه غالبية الشركات عبارة عن مؤسسات صغيرة تديرها العائلات، على سبيل المثال لا الحصر. وقال الزميع: “ما ينجح في حالة واحدة قد لا ينجح بالضرورة في حالة أخرى”.
ومع ذلك فإن الزميع مقتنع أيضاً بأن الكويت قادرة على التعلُّم من الدول الأخرى عندما يتعلق الأمر بالقانون، وخاصة تعليمَ القانون. وقال: “لطالما اعتقدتُ أن تعليم القانون في العالم العربي يحتاج إلى إصلاح جوهري”، لتعزيز جودة الخريجين وتمكينهم من أداء دور أكثر فاعلية في المجتمع. وأوضح: “نحن في حاجة إلى إعادة هيكلة المناهج الدراسية بنحو شامل، واستخدام أساليب تدريس جديدة تعمل على تطوير المهارات العملية للمحامين في المستقبل”. كما أشار الزميع إلى فجوة كبيرة في النظام الحالي: “هناك نقص شبه كامل في مراكز الأبحاث النشطة في كليات الحقوق في العالم العربي”.
وفي أحدث مشروع بحثي له يتوجه الزميع نحو الماضي، فيدرس التاريخ القانوني للعالم العربي في القرون الأخيرة. ويركز على حقبة ما بين العامين 1875 و1949، عندما جلبت مصر قضاةً من مختلف أنحاء العالم إلى البلاد، لتأسيس ما كان يسمَّى “المحاكم المختلطة”.
وقال الزميع: “جاء القضاة من إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا واليونان – وكان الأمر عالمياً تماماً، وكان أيضاً جزءاً من الاستعمار الذي كان يحدث في ذلك الوقت”. وأشار إلى أن عديداً من الناس نظروا إلى هذه التجربة باعتبارها تجربة سلبية. ولكن بصفته باحثاً يقارن بين القوانين من بلدان مختلفة، يرى الزميع أيضاً جمال النهج. “يمكنك أن تتخيل هيئة قضائية حيث يكون لديك قاضٍ إنجليزي وقاضٍ مصري ينظران في قضية معاً. كان لها عيوبها، ولكنها كانت أيضاً تجربةً غنية جداً”.