الطب وصحة

الهيموفيليا.. سيولة الدم النادرة

د. عصام البحوه

الهيموفيليا أو الناعور أحد أمراض الدم الوراثية الناتجة عن نقص أحد عوامل التجلط في الدم، وتعني كلمة هيموفيليا سيولة الدم، وهو مرض نادر جداً، وشديد التفاوت فتارة يكون متعباً وأحياناً قاتلاً، ويصيب تقريباً ذكراً واحداً من بين 50 ألفاً. وذكر العالم هوبف هذا المرض في مؤلفاته سنة 1828.

ولكي نفهم المرض علينا أولاً فهم عملية التخثر في الوضع الطبيعي، فالدم ينتقل في الجسم عبر شبكة من الأوعية الدموية، وعندما يحدث جرح في نسيج معين يحدث ضرر في الأوعية الدموية، ويتسبب ذلك في نزف الدم من خلال أوعية الدم المعطوبة بسبب الجرح.
ولإيقاف عملية خروج الدم أو النزف من هذه الأوعية، لابد من إغلاق وسد الأوعية النازفة، ولا يتم ذلك إلا من خلال عملية متسلسلة ومعقدة، لتكوين السدادة أو ما يسمى بالجلطة. والجلطة أو التخثر عملية معقدة تجعل من الممكن إيقاف نزف الدم من الأوعية الدموية المجروحة، وهناك عدة خطوات تساهم في تكوين هذه السدادة في مكان الإصابة أو النزيف، وهي:
< انقباض الأوعية: تتقلص الأوعية الدموية لتبطئ تدفق الدم نحو المنطقة المجروحة.
< التصاق الصفائح: الصفائح الدموية عبارة عن قطع صغيرة جداً من الخلايا، تكون أول من يصل إلى مكان الإصابة، وتؤدي دوراً مهماً في عملية وقف النزيف عن طريق تجمعها معاً، وبذلك يبدأ إصلاح وعلاج الأوعية الدموية المجروحة.
< تجمع الصفائح: تستميل الصفائح بإشاراتها الكيميائية صفائح دموية أخرى وعوامل تخثر لمساعدتها مثل عامل ويلبراند، وهذه الصفائح تتجمع معاً في مكان الجرح، وتشكل سدادة من الصفائح (نواة الجلطة).
< حاجز التخثر: يشكل سطح هذه الصفائح مكاناً ملائماً لحدوث الجلطة، حيث تتحد مع بروتينات تدعى عوامل التخثر موجودة في تيار الدم لتكوين سلسلة تسمى الفيبرين.
تتشكل حزم الفيبرين معاً لنسج شبكة حول الصفائح الدموية، وهذا يمنع الصفائح الدموية من الانزلاق والعودة في تيار الدم. وهذه البروتينات أو العوامل 1، 2، 5، 7،8، 9، 10،11، 13 تعمل مثل المعادلة الكيميائية إن فقدت أحد عناصرها اختلت نتائجها.
عندما يُفقَد أحد البروتينات (على سبيل المثال العامل8) فإن سلسلة التفاعل تنقطع ولا يحدث التخثر، أو يحدث بصورة أبطأ بكثير من الوضع الطبيعي. وتتكون جلطة هشة وطرية، حيث تسهل إزاحتها من مكانها، ومن دون علاج يمكن أن يستمر النزيف عدة أيام.
وثمة تركيبات معينة من الجينات تسبب أحياناً خللاً في تطور الجسم، وبالتالي تسبب مرضاً وراثياً أو اضطراباً. وأحد أشهر هذه الأمراض الوراثية هو الهيموفيليا .
يوجد لدى الأنثى كروموسوما X يرمز لهما بالرمز (XX )، في حين يوجد لدى الذكر كروموسوم Y و آخر X، ويرمز لهما بالرمز (XY). ولما كانت عوامل الطفرة المسببة للمرض هي متنحية، فإن الأنثى تحمل المرض على كروموسوم X ولا تكون متأثرة به، لأن الكروموسوم الآخر الذي هو X أيضاً سيعمل على توليد عوامل التخثر. ويعني ذلك أن أحد الكروموسومين سليم والآخر مصاب (XX).
ولما كان الذكر سيستقبل الـX من أمه فإن احتمال وراثته المرض من أمه غير المصابة بالمرض لكن حاملة له هي %50, أما إذا كانت أمه مصابة أيضاً بالمرض، أي كان الكروموسومان مصابين (XX)، فسيكون احتمال إصابته بالمرض %100.
أما الإناث فيأخذن زوج X، أحدهما من الأم والآخر من الأب، حيث يجب أن يكون الأب مصاباً (XY) حتى تكون الأنثى حاملة أو مصابة إذا كان الأب مصابا والأم حاملة أو مصابة، وسيكون الاحتمال بعيداً بأن تصاب الإناث بهذا المرض، لهذا فإن نسبة الذكور الذين يصابون به أعلى. ومما سبق يتبين أن الإصابة تكون عند الذكور بنسبة عالية، إلا أن نسبة إصابة الإناث قليلة مقارنة بنسبة الإناث الحاملات لهذا المرض، لذلك لا تصاب العديد من الإناث بالنوع الشديد من مرض الهيموفيليا الناتج عن نقص العامل 8 أو العامل 9، ومع أن هناك بعض الحالات القليلة المعروفة، فإن العديد من الإناث الحاملات للمرض يعانين من أعراض الهيموفيليا البسيطة وبخاصة غزارة دم الحيض.

الأعراض
يتميز المرض بعدم قدرة الدم على التجلط على نحو ملائم أو لا يتجلط إطلاقاً، ويمكن أن تصاب المفاصل بتورم مؤلم، ويسبب النزف داخل المفاصل تشوهاً، وقد تؤدي الحالات الشديدة للمرض إلى الموت نتيجة للنزف غير القابل للضبط، وبخاصة عند الرضع .
ويفضل أن يحمل المريض بطاقة جيب تشير إلى إصابته بالمرض، حتى يتسنى التصرف بسرعة في حالة الحوادث والإصابات.
ويتم اختبار المرض عن طريق ما يلي:
اختبار تخثر الدم: تظهر النتيجة خلال يومين من أخذ عينة الدم، ولأنَّ المرأة الحاملة للمرض يكون عندها كروموسوم X طبيعياً؛ لذا يكون النشاط التخثري في دمها عادة أقل منه في دم المرأة الطبيعية غير الحاملة للمرض، والمشكلة في هذا الاختبار أن معظم النساء الحاملات لهذا المرض يكون معدل النشاط التخثري لديهن طبيعياً.
اختبار حامض DNA : وهو اختبار دقيق يبين ما إذا كانت المرأة حاملة للمرض أم لا، وذلك بتحليل تركيبات جينات العامل 8 والعامل 9 وبطرق معقدة قد تستغرق عدة أشهر.
وعرف العلماء أخيراً المزيد عن الطفرات والتغيرات الجينية التي تؤثر في كيفية إنتاج عوامل التخثر, وهو ما فتح الطريق أمام فحص دم الشخص المصاب فقط وليس فحص جميع أفراد الأسرة.
ويمكن إجراء هذا الفحص للجنين بأخذ عينة من المشيمة أو سحب عينة من السائل الأمنيوسي).

المفصل المدمى
المرضى المصابون بالهيموفيليا الشديدة يكون لديهم مستوى العامل 8 أو العامل 9 أقل من 1 % من المستوى الطبيعي في الدم (%150-50).
ويعاني المرضى من هذا النوع من المفصل المدمى المتكرر الذي يصيب المفاصل الكبيرة، وقد يحدث النزف تلقائياً دون سبب واضح، وأكثر المفاصل إصابة هي الركبة والمرفق والكاحل والورك. وإذالم تعالج الحالة فقد يستمر النزف مؤدياً إلى مفصل متورم ومؤلم يستمر على تلك الحال عدة أيام قبل أن يتوقف.
ويؤدي النزف المتكرر إلى تحطم الغضروف ثم الفصال العظمي. كما أن هناك مشكلة ناجمة عن النزف هي الورم الدموي العضلي، وأكثر ما يصيب عضلة البسواس Psoas, وقد يضغط الورم على عصب الفخذ مؤدياً إلى خدر في الفخذ وضعف فيها.
أما الأشخاص المصابون بالهيموفيليا المتوسطة أو المعتدلة (حيث يراوح مستوى عامل التخثر بين 2 – %10) فإنهم يصابون أيضا بالنزيف بعد الرضوض البسيطة ولكن بدرجة أقل.
وأما بعضهم الآخر فربما يدركون وجود مشكلة النزيف فقط في حالة إجراء جراحة أو خلع سن أو إصابة برضوض شديدة، حيث يراوح مستوى عامل التخثر بين %50-10، والخطر بالنسبة للمرضى المصابين بالهيموفيليا البسيطة يتمثل في أنهم يصابون بحالات نزف قليلة جداً، وبالتالي فهم عادة لا يعرفون ما يفعلون عندما يحدث النزيف، ولهذه الأسباب فالأشخاص المصابون بالهيموفيليا البسيطة هم أيضا بحاجة لمتابعة حالتهم في مركز علاج الهيموفيليا.
ويتمثل علاج هذا المرض في استخدام عامل التخثر المركز، وهذا يتضمن إدخال عامل التخثر المفقود (الذي حصلنا عليه من بلازما الدم حيث يجمد بشكل جاف ويحفظ عند درجة
حرارة 4مo) إلى الدم عند الأطفال المصابين بهذا المرض، وهي طريقة آمنة وفعالة لإيقاف النزيف، وحتى هذا العلاج يمكن أن يستعمل كطريقة وقائية لمنع النزيف من الحدوث كلياً.

أخطر المضاعفات
ومن أخطر المضاعفات التي قد تحدث ظهور المثبطات، فبعض المصابين بالهيموفيليا لا يستجيب جهازهم المناعي بشكل فعال لعامل التخثر المركز الذي يتم تزويدهم به لإيقاف النزف أو منعه، نتيجة لتكون المثبطات، فالعامل المركز يتعرف إلى الجسم كمادة غريبة عنه، ولأن دفاعات الجسم لا تميزه فإن أجهزة المناعة في الجسم تقاوم هذا الجسم الغريب بتكوين أجسام مضادة، وهي مواد طبيعية تسبح في الدم. والأجسام المضادة التي تكونت في الجسم تبطل مفعول العامل المركز المحقون في الوريد، ومن ثم تمنعه من القيام بعمله أي وقف النزيف، وهذه الأجسام المضادة تسمى المثبطات، ولحسن الحظ هناك علاجات فعالة للأطفال الذين تتكون لديهم المثبطات.
وإذا كان المريض الذي يعاني النزف الخفيف أو المعتدل دون العقد الرابع من عمره ولا يعاني أي مرض قلبي وعائي، فيمكن الاستعانة بدواء الديسموبريسين Desmopressin لرفع مستوى العامل الثامن 5-3 مرات تقريباً، كما يمكن إعادة الحقن كل 8 ساعات، وهو علاج مهم لأنه يجنب المريض التعرض لمنتجات الدم.
ويمكن إجراء الجراحة لمرضى النزف بشرط ألا يكون لدى المريض مثبط للعامل الثامن، وأن يعطى الجرعات المناسبة من العامل الثامن، وفي حالات مرضى النزف الشديد فإن إعطاء العامل الثامن وحده يكون كافياً عند خلع السن، مع الاستمرار مدة أسبوعين مرتين يومياً بحمض الترانيكساميك Tranexamic (مثبط لانحلال الفيبرين).
يذكر أن نوفو نورديسك قام بتطوير وإنتاج نوفوسيفن العامل السابع لمعالجة مرضى الهيموفيليا الذين تكونت في أجسامهم المثبطات (الأجسام المضادة). ولا تستخدم أي مادة من أصل بشري في عملية التصنيع أو في مراحل الإنتاج النهائية. ويعمل نوفوسيفن على الحد من النزف من خلال تكوين مركبات مع العامل النسيجي في الموقع الذي تعرض للنزف دون التدخل أو الاعتماد على وجود العامل رقم 8 أو 9.
وميكانيكية العمل هذه تفسر فعالية وتأثير نوفوسيفن في حلّ المشكلات النزفية حتى في غياب العاملين 8 و9. >

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى