م. محمد الحسن
ينظر العالم إلى المواد الحفازة (catalyst) نظرة تفاؤلية، ويعقد عليها آمالا كبيرا في إيجاد حلول لمشكلات عدة في مجالات مختلفة لاسيما الصناعية والزراعية، ولإمكان استخدامها في تطبيقات واعدة.
وتستخدم المواد الحفازة في أكثر من 90% من الصناعات الكيميائية، حيث تعجل هذه المواد المساعدة التفاعلات بآلاف المرات وتجعلها قابلة للحدوث في ظروف عادية.
وتعزز هذه المواد من كفاءة العمليات الصناعية وجدواها فتقلل تكاليفها إلى حد كبير جدا، مما ينعكس بصورة مؤثرة على حياة البشر وتكاليف صناعة عدد كبير من المنتجات الحيوية. ومن أهم جوانب هذا التأثير ازدهار صناعة الأمونيا؛ نظرا لانخفاض تكاليف الإنتاج فيها مع استخدام عوامل مساعدة.
وتعتبر الأمونيا أساس إنتاج الأسمدة الزراعية التي أسهمت في زيادة الإنتاج الغذائي في العالم، وأدت دورًا فاعلاً في المحافظة على الأمن الغذائي، ولاسيما في ضوء ارتفاع عدد سكان العالم الذي يتوقع زيادته من نحو 6.5 بليون إلى 9.6 بليون شخص بحلول عام 2050.
تعجيل التفاعلات
يسهم استخدام عوامل مساعدة لتعجيل التفاعلات الكيميائية وتحسين كفاءتها في تحقيق وفر اقتصادي كبير يدعم الكثير من الصناعات الكيميائية ويجعلها أكثر جدوى، ويحقق معايير أكثر صداقة مع البيئة بسبب الحد من استهلاك الطاقة والموارد وخفض كميات المواد غير المرغوب فيها. ومن ضمن ذلك تنقية غازات العادم الصادرة عن السيارات وفي الصناعة وإنتاج الطاقة الكهربائية حيث تمنع وجود مواد ضارة وتحولها إلى مواد أقل ضررا.
أنواع التحفيز
تنقسم العمليات الكيميائية المحفزة إلى نوعين رئيسيين تبعا لمرحلة (phase) المادة الحفّازة والمادة المتفاعلة، فإذا أمكن تمييز الحدود بين اثنين من المكونات، فإن تلك المواد تكون في مراحل مختلفة وتسمى عمليات غير متجانسة(heterogeneous)، فالخليط المحتوي على مادة صلبة وسائلة يتكون من مرحلتين مختلفتين، مثل الرمل والهواء أو الرمل والماء فأحدهما في حالة صلبة والآخر في حالة سائلة.
ما هي المواد الحفازة؟
هي مواد تعمل كمحفز للتفاعل، فإذا كان التفاعل لا يحدث في ظروف عادية، فإنه يتم إذا جرى إضافة المادة الحفّازة إليه. وبصورة عامة تعمل المادة الحفّازة على تسريع معدل التفاعل باستخدام طاقة أقل من التي يحتاج إليها التفاعل من دون إضافة تلك المادة. والمادة الحفّازة غير متغيرة كيميائيا في المحصلة، ففي نهاية التفاعل سيكون لدينا بالضبط نفس كتلة المادة الحفازة كما تم إضافتها في البداية.
ويوفر المحفز مسارا بديلا للتفاعل، وهذا الطريق البديل لديه طاقة تنشيط أقل. مثلا لو كان لدينا جبل مرتفع، فإن اجتيازه يحتاج لطاقة كبيرة للعبور من فوقه، ولن يعبر سوى عدد قليل من الأشخاص القادرين على ذلك، لكن لو تم توفير مسار أكثر سهولة من خلال حفر نفق عبر الجبل، عندها سيتمكن عدد أكبر من الأشخاص من الانتقال عبر هذا الطريق الأسهل. وهنا يمكننا القول إن مسار النفق لديه طاقة تنشيط أقل من المرور فوق الجبل.
والنتيجة أننا لم نقم بزيادة طاقة التنشيط ذات الكلفة العالية، لكن قدمنا مسارا بديلا أكثر سهولة، وستتفاعل معظم الجزيئات من خلال المسار البديل الأسهل. إن معظم هذه التفاعلات تكون معقدة وليس من السهل اكتشاف وجودها.
تحتاج بعض التفاعلات لحدوثها أو تسريعها إلى طاقة تنشيط عن طريق الإشعاعات أو درجة الحرارة أو الضغط، والتي تعمل على رفع مستويات الطاقة للجزيئات وزيادة طاقتها الحركية، ويمكن عن طريق استخدام العوامل المساعدة خفض طاقة التنشيط المطلوبة لحدوث التفاعل والحصول على النتيجة نفسها دون تغيير مستوى الطاقة للجزيئات.
خلال هذه التفاعلات يتكون ما يسمى بالمركب الوسيط (intermediates)، وهو عبارة عن الجزيئات المتكونة من تفاعل المادة الحفازة مع المواد الخام للتفاعل، هذه المواد يتفاعل بعضها مع بعض أو مع مواد التفاعل لتنتج المركبات النهائية المطلوبة من التفاعل، وتستهلك هذه العملية طاقة أقل من تلك التي يستهلكها التفاعل من دون المواد الحفازة، في نهاية هذا التفاعل تخرج المواد الحفازة من التفاعل كما دخلت إليه.
العمليات المتجانسة
في حالة تكون خليط المواد الكيميائية المختلفة في محلول واحد من مرحلة واحدة لا نستطيع رؤية أي حدود بينها، فتسمى عمليات متجانسة (homogeneous).
وتختلف المرحلة هنا عن مصطلح الحالة الفيزيائية (الصلبة أو السائلة أو الغازية)، وهو في الواقع مصطلح مرحلة أكثر عمومية، ويمكن أن ينطبق أيضا على سائلين (زيت وماء، على سبيل المثال) لا يذوب أحدهما في الآخر، ويمكن بسهولة تمييز الحدود بين السائلين. والسبب الرئيسي في تفريق النوعين بهذه الطريقة هو أن التعامل مع كل حالة من الحالتين يكون مختلفا تماما.
العمليات غير المتجانسة
يمكن إضافة تصنيف ثالث، هو العمليات غير المتجانسة الدقيقة، وهي العمليات التي تحدث في الخلايا الحيوانية والنباتية، وتكون الإنزيمات هي العوامل المساعدة، فإضافة إلى أهميتها الكبيرة في الصناعة فإن للعوامل الحفازة أهمية كبيرة أيضا داخل الجسم؛ فمعظم التفاعلات داخل جسم الإنسان هي تفاعلات محفزة عن طريق الإنزيمات التي تعتبر عوامل حفازة متخصصة جدا. ومن دون هذه الإنزيمات سيستهلك الجسم كمية كبيرة من الطاقة أكبر بكثير من قدرته، مما سيؤدي إلى توقفه عن العمل، لذا فإن العوامل الحفازة تعتبر أحد أهم أساسيات الحياة.
التحفيز المتجانس
يعتبر هذا النوع مألوفا في الطور السائل أو الغازي، حيث يكون العامل المساعد في الطور نفسه، وتتضمن ميكانيكية التحفيز المتجانس تكوين نواتج وسيطة غير مستقرة بين العامل المساعد والمواد المتفاعلة، التي يتم عندها التفكك ويعاد تكوين العامل المساعد ثانية.
وتتم ميكانيكية التحفيز في الطور الغازي بطريقتين:
< بواسطة الميكانيكية الجزيئية، حيث يحصل تبادل للذرات بين العامل المساعد والمواد المتفاعلة.
< أو تتم حسب ميكانيكية الجذور الحرة المتسلسلة التي تتضمن ثلاث خطوات لحدوثها، هي البدء والنمو والانتهاء.
وتعتمد سرعة تفاعلات العمليات المتجانسة المحفزة على عدد من العوامل، مثل تركيز المواد المتفاعلة، وتركيز العوامل المساعدة، ودرجة الحرارة والضغط وسرعة المزج.
التحفيز غير المتجانس
يستخدم هذا النوع من العمليات في الصناعة أكثر من عمليات التحفيز المتجانس، وتصنف هذه العمليات نسبة إلى الطور الفيزيائي. فمثلاً تستخدم العوامل المساعدة السائلة لزيادة سرعة التفاعل بين طورين سائلين غير ممتزجين، أو الغازات مع السوائل، وتستخدم العوامل المساعدة الصلبة لزيادة المواد الغازية والسائلة.
تعتمد فعالية التحفيز للعوامل المساعدة غير المتجانسة الصلبة على الخصائص السطحية، مثل التركيب المسامي والبلوري والمساحة السطحية وحجم التراكيب المسامية، وبصورة عامة يمكن تلخيص مراحل التحفيز بالمواد الصلبة كالآتي:
< انتشار المواد المتفاعلة من التيار المغذي إلى سطح العامل المساعد.
< انتشار جزيئات المواد المتفاعلة إلى داخل التراكيب المسامية للعامل المساعد.
< الامتصاص الكيميائي بين المواد المتفاعلة والعامل المساعد وتكوين مركبات معقدة.
< إعادة ترتيب المجموعات أو الذرات بغية تكوين معقدات النواتج مع العامل المساعد.
< إفلات نواتج التفاعل عند سطح العامل المساعد وانتشارها عبر التراكيب المسامية نحو التيار الخارج.