الشقراق.. طائر مهاجر مهدد بالانقراض
أسعد الفارس
تعد البيئة العربية بصورة عامة والخليجية بصورة خاصة ممراً حتمياً لكثير من أنواع الطيور المهاجرة، كما هي بيئة طبيعية تقيم فيها وتستوطن أنواع أخرى من الطيور. والطيور المهاجرة والمقيمة واحدة من حلقات الأحياء على سطح الأرض؛ لأهميتها في عملية التوازن الحيوي في النظام البيئي، فبعضها يخلص البيئة من الرمم، وبعضها يأكل الحشرات والديدان، وبعضها يأكل القوارض ويحد من تكاثرها في البيئة. وهي ذاتها طعام للأحياء الأخرى بما فيها الإنسان، ونظراً لأهمية الطيور؛ فإن المؤسسات المعنية توليها اهتماماً بالغاً من حيث التصنيف والأنواع والبيئة والأهمية.
من بين طائفة الطيور طيور جميلة تلفت الانتباه إليها بألوانها الزاهية الجميلة وبشكلها المميز، وإذا ما كنا نبحث عن الطيور الجميلة؛ فطائر الشقراق يعد واحداً من أجمل الطيور مع تنوع ألوانه وتعددها في حلته، فمجموع تلك الألوان يشكل لوحة فنية رائعة أبدعتها القدرة الإلهية، غير أن ألوانه عن بعد تبدو خادعة متوهجة عن ألوانه الحقيقية؛ ولهذا سمي الشقراق بالأخيل.
والشقراق طائر جميل معروف في البيئة العربية، له أسماء محلية كثيرة، فهو الغراب الزيتوني في مصر، والخضاري في العراق، والضؤضؤ في شرقي الجزيرة العربية، والأخيل في بلاد اليمن، فهناك يزين السكان رؤوسهم بريش الشقراق في أيام الأعياد وفي مناسبات الفرح. وفي معاجم اللغة العربية للشقراق أكثر من لفظ منها شقراق.. وله أكثر من تعريف في كتب تراثنا العلمي؛ ففي لسان العرب: «الأخيل طائر أخضر على جناحيه لمعة تخالف لونه، سمي بذلك للخيلان، وقيل الأخيل الشقراق».
طير جارح
والشقراق أو الأخيل طائر جميل بمنقار معقوف في النهاية وكأنه من الطيور الجارحة، ووصفه الدميري في (حياة الحيوان) بأنه «طائر صغير مليح بقد الحمامة، أخضر وخضرته حسنة مشبعة، وفي أجنحته سواد له مشتى ومصيف. وهو كثير في بلاد الروم والشام وخراسان ونواحيها. يتلون بزرقة ولون بنفسجي وسواد». وعلى الرغم من جمال الشقراق فإن العرب تتشاءم منه، وقد قالوا في الأمثال: «أشأم من أخيل». واسم الشقراق باللغة الإنكليزية Roller لحركاته البهلوانية المفاجئة المتأرجحة في الهواء.
وللشقراق حضور في مختلف اللغات والتراث في العالم، أما من ناحية التصنيف العلمي فجنس الشقراق Coracias من طائفة الطيور في مملكة الحيوان، وهو والطيور القريبة الشبه به (الهدهد والوروار وملك السمك) تجمع في رتبة الشقراقيات Coraciiformes من تلك الطائفة، والشقراق من بينها يستقل بعائلة تدعى عائلة الشقراق Coraciidae تشتمل على 12 نوعاً من أنواع الشقراق، ومعظم أنواع الشقراق تستوطن في إفريقيا، كما ينتشر بعضها الآخر في أوروبا وآسيا.
وهي بصورة عامة ترتاد البيئات المكشوفة، ذات الأشجار العالية المتفرقة. وبعضها يهاجر فيقطع آلاف الأميال إلى بيئة جديدة يتوافر فيها الغذاء ثم ترجع، ومنها من يستوطن في بيئته الأصلية وربما يهاجر محلياً لمسافات محدودة.
أما من حيث الوصف فطيور جنس الشقراق Coracias صغيرة أو متوسطة القد يراوح طولها بين 25 و 45 سم، ووزنها بين 100 و200 غرام، كبيرة الرأس نسبياً وبجناحين طويلين وذيل متوسط الطول ما يسمح لها بالنشاط والطيران السريع.
وتعد طيور الشقراق جارحة بمنقارها القوي المعقوف، إذ تتغذى بالحشرات والسحالي والضفادع والفئران والحيوانات الصغيرة. وفي سلوكها أنها تبني عشها في شقوق جذوع الأشجار، وفي حفر نقار الخشب في تلك الجذوع، ونادراً ما تبني العش بين أغصان الأشجار. وكثيراً ما ترى وهي تعشش في الحفر التي تجدها في الأجراف الترابية العالية المطلة على الأنهار أو أطراف الغابات.
صيد جائر
تتعرض طيور الشقراق للصيد الجائر، لا للحمها فلحمها متين، لكن يصيدها الفضوليون لجمالها، وقد تسارعت وتيرة الصيد مع انتشار التصحر وشيوع التلوث واتساع رقعة العمران في الأمكنة التي ترتادها وتعشش فيها، فقلت أعدادها، ولهذا يوصي الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN بحمايتها سواء كانت مهاجرة أو مقيمة، ووضع بعض أنواعها ضمن القوائم الحمراء الخاصة بالأحياء المهددة بالانقراض.
البيئة العربية
من أشهر أنواع الشقراق في البيئة العربية بصورة عامة والبيئة الخليجية بصورة خاصة: الشقراق الأوروبي Coracias garrulus، والشقراق الهندي C.benghalensis والشقراق ذو الصدر الأرجواني (الليلكي) C .candatus. وسنتحدث عنها بالتفصيل فيما سيأتي.