د. طارق قابيل
كاتب علمي، وعضو هيئة التدريس في كلية العلوم بجامعة القاهرة
تنتج النباتات المئات من المركبات الكيميائية لوظائف تشمل الدفاع ضد الحشرات والفطريات والأمراض والحيوانات العاشبة. وتوجد السموم النباتية الطبيعية على نطاق واسع في العديد من النباتات، وتحتوي على بعض المشتقات ذات الخواص الطبية والبيولوجية التي يمكن فصلها فى صورة نقية، ومعرفة خواصها الطبيعية وتركيبها الكيميائي حتى يسهل التعامل معها واستخدامها كدواء.
وشكلت هذه السموم علاجا للعديد من الأمراض الشائعة منذ عصور ما قبل التاريخ، وحول البشر معظم السموم النباتية لأغراض طبية، لكن الطب الحديث يميل الآن لاستخدام المكونات النشطة من النباتات بدلا من استخدام المستخلصات النباتية. واكتشفت الأعشاب الطبية، واستخدمت في ممارسات الطب الشعبي، وما وصل إلينا اليوم من استعمال لهذه النباتات وتخصيصها لمرض معين دون سواه إنما هو خلاصة تجارب الأجداد، وبعض العلاجات التقليدية. ومع ذلك، فإن تأثير استخدام النبات كاملا كدواء غير مؤكد لأن الإجراءات الدوائية، إن وجدت، تظل غير مُقَيَّمة عن طريق البحث العلمي الدقيق لتحديد الفعالية والسلامة.
ومن المعروف أن النباتات الصالحة للأكل مغذية ومفيدة للصحة؛ بيد أن لبعضها تأثيرا ضارا. وتنتج النباتات السموم نتيجة لتعرضها للضغوط مثل التكدّم والأشعة فوق البنفسجية والكائنات الدقيقة ومهاجمة الآفات الحشرية والحيوانات العاشبة، وترتبط هذه السموم بأمراض مختلفة، وقد تكون خطرة لدرجة يمكن معها استخدام بعضها كأسلحة بيولوجية إرهابية في بعض الأحيان.
لمحة تاريخية
كان الطبيب اليوناني ديسقوريدوس أول من حاول تصنيف النباتات حسب تأثيراتها السمية والعلاجية. وفي عام 1850، أصبح جين ستاس أول شخص ينجح في عزل السموم النباتية من الأنسجة البشرية، ممّا أتاح له التعرف على النيكوتين كمادة سامة في قضية قتل شهيرة، مقدّما الأدلة اللازمة لاتهام كونت بلجيكي بقتل أخي زوجته.
تحتوي الأعشاب الطبية على أكبر مجموعة من المركبات الكيميائية التي لها آثار مفيدة للصحة على المدى الطويل ويمكن استخدامها بفعالية لعلاج الأمراض التي تصيب الإنسان. وتم عزل ما لا يقل عن 12 ألفا من هذه المركبات حتى الآن؛ وهو عدد تقدر نسبته بأقل من %10 من المجموع الكلي. ويختص علم “العقاقير” بدراسة هذه النباتات، وهو فرع من فروع الطب الحديث الخاص بالأدوية المستخرجة من مصادر نباتية.
أكثر النباتات فتكا
السموم الطبيعية النباتية هي مركبات كيميائية سامة تُنتجها النباتات بطريقة طبيعية. وهذه المركبات متنوعة، وتختلف وظائفها البيولوجية ويتفاوت مدى سميتها، وتشكل مصادر السموم الطبيعية الأخرى كالطحالب المجهرية والعوالق الموجودة في البحيرات والمحيطات مصدرا غير مباشر للسموم، وعندما يأكل الناس الأسماك أو الصدفيات التي تحتوي على هذه السموم فقد يصابون سريعا بالمرض.
وبعض السموم تنتجها النباتات كآلية دفاع طبيعية أو بسبب الكائنات الدقيقة التي تتطفل عليها كالعفن المنتج للسموم، أو استجابة للضغوط المناخية والبيئية. وتنقسم المواد الكيميائية النباتية إلى نواتج الأيض الأساسية مثل السكريات والدهون، التي توجد في جميع النباتات، والمركبات الثانوية وهي المركبات التي توجد في نطاق محدد من النباتات. تستخدم بعض السموم النباتية للإجراءات العلاجية للبشر، ويمكن تكريرها لإنتاج الأدوية. على سبيل المثال، الكينين من شجرة الكينا والمورفين والكودايين من الخشخاش، والديغوكسين من نبات كف الثعلب. وتُصنّف بعض الأنواع النباتية الشائعة على أنها أكثر النباتات فتكا في العالم، ويرجع ذلك لاحتوائها على السموم التي تطورت بداخل النباتات كوسيلة دفاعية، أو تم إفرازها من أجل مواجهة الكائنات الدقيقة والآفات التي تنقلها الحشرات، والكائنات الحية الأكبر حجما.
وقد يتفاقم مثل هذا الضرر بفعل ظاهرة تُعرف باسم “التسمم الناجم عن الضوء”، وهي تنجم عن تلامس المواد الكيميائية التي تفرزها النباتات وجلد الإنسان، وما يعقب ذلك من تفاعل بين المنطقة التي لامستها تلك المواد وأشعة الشمس، مما يؤدي إلى حدوث حروق دائمة.
وعلى الرغم من أن السمعة الأسوأ في هذا المجال هي لنبات عملاق يُطلق عليه اسم نبات “هرقل”، فإن “النباتات الصديقة” مثل التفاح والجزر والكرفس والفاصوليا، يمكن كذلك أن تضر الإنسان إذا ما تعرض لها.
وعلى سبيل المثال، تحتوي العديد من النباتات المستخدمة كمواد غذائية على عناصر سامة، ما لم يتم معالجة سميتها. والأمثلة البارزة تشمل: التفاح، حيث تحوي بذوره “سيانو جليكوسيدات”، وفي أغلب الأنواع فإن الكمية الموجودة في ثمرة فاكهة واحدة لن تقتل رجلا. وأنواع الفاكهة الأخرى (مثل الكرز والخوخ والبرقوق والمشمش (تحوي أوراقها وبذورها عناصر منتجة للسموم.
واللوبيا الشائعة تحتوي على مادة كيميائية تسبب اضطرابا في المعدة، وتزال سميتها من خلال الطهي الشامل. ويحتوي الفول على كميات خطيرة من “الينامارين”. ويحتوي البصل والثوم على الثيوسلفات، الذي يعد ساما في الجرعات العالية بالنسبة للقطط والكلاب وحيوانات أخرى. أما البطاطا (البطاطس) فتحتوي أوراقها الخضراء والدرنات على قلويدات سكرية تدعى “سولانين” تتطور نتيجة التعرض للضوء، وتسبب اضطرابات مكثفة في الجهاز الهضمي، وأعراضا عصبية تؤدي إلى الموت عند الجرعات العالية. كما تحتوي أوراق وسيقان نباتات الطماطم أو البندورة على قلويد سام يتسبب في إثارة اضطراب الجهاز الهضمي والعصبي.
السموم الطبيعية الأكثر انتشارًا
فيما يلي وصف مختصر لبعض السموم الطبيعية الأكثر انتشارًا التي قد تعرض صحتنا للخطر:
اللكتينات
تحتوي أنواع عديدة من البقول على سموم تسمى لكتينات، وتحتوي الفاصوليا الجافة على أعلى تركيز لها ولاسيما الفاصوليا الحمراء. ويمكن لأربع أو خمس حبوب من الفاصوليا النيئة أن تسبب أعراضا وخيمة تتمثل في آلام المعدة والقيء والإسهال. ويؤدي نقع البقول لمدة 12 ساعة ثم غليها في الماء لمدة 10 دقائق على الأقل إلى تدمير اللكتينات.
السولانينات والشاكونين
تحتوي جميع النباتات من الفصيلة الباذنجانية على سموم طبيعية تسمى سولانينات وشاكونين. وهي موجودة بتركيزات أكبر في البطاطا ذات البراعم والأجزاء الخضراء، وفي الطماطم الخضراء كذلك. وللحد من إنتاجها يجب حفظ البطاطس في مكان مظلم وبارد وجاف، وعدم تناول الأجزاء الخضراء أو البراعم.
الفيوروكومارينات
هي سموم ينتجها النبات استجابة للضغوط، وتوجد هذه السموم في العديد من النباتات مثل الكرفس والموالح وبعض النباتات الطبية. وهي سامة ضوئيًا، ويمكن أن تسبب تفاعلات جلدية وخيمة عند التعرض لضوء الشمس بصفة عامة.
الغلوكوزيدات السيانوجينية
هي سموم تنتجها النباتات، وتوجد في 2000 نوع من النباتات على الأقل، مثل الكسافا والذرة الرفيعة. وتتوقف السمية المحتملة للنبات على تركيز مادة السيانيد، وقد تحدث الوفاة الناجمة عن التسمم بالسيانيد عندما يتجاوز مستواه الحدود التي يمكن للشخص أن يتخلص منها.
قلويات البيرولايزيداين
هي سموم ينتجها نحو 600 نوع من النباتات. اكتُشف وجودها في الأعشاب والتوابل وغيرها من منتجات الأغذية مثل الحبوب، ويمكن لهذه القلويات أن تسبب طيفا من الآثار الصحية الضارة؛ كما يمكن أن تكون شديدة السمية، وقد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان.
الفطر السام
قد تحتوي أنواع الفطر البري على عدد من السموم، مثل الموسيمول والموسكارين، اللذين يمكن أن يسببان القيء والإسهال واضطرابات الرؤية وسيلان اللعاب والهلاوس. وعادة ما يرتبط التسمم المميت بتأخر ظهور الأعراض التي تكون شديدة الوخامة، وتؤثر تأثيرا ساما في الكبد والكلى والجهاز العصبي.
السموم الفطرية
هي مركبات سامة موجودة في الطبيعة تنتجها بعض أنواع الفطريات التي يمكنها النمو على العديد من الأغذية مثل الحبوب والفواكه المجففة والثمار الجوزية والتوابل، وهي مستقلبات ثانوية سامة قادرة على التسبب في المرض والوفاة في كل من البشر والحيوانات الأخرى. وتشمل الآثار الصحية طويلة الأجل للتعرض المزمن للسموم الفطرية الإصابة بالسرطان وبالعوز المناعي.
الذيفانات البيولوجية المائية
تسمى السموم التي تكونها الطحالب سموما طحلبية، وتنشأ أثناء ازدهار أنواع معينة من الطحالب. ويمكن أن تُحتجز السموم الطحلبية في الصدفيات والأسماك أو أن تلوث مياه الشرب. وهي عديمة المذاق والرائحة ولا يمكن التخلص منها بالطهي أو التجميد. وتسبب السموم الطحلبية الإسهال والشلل وآثارا أخرى في الإنسان أو الثدييات أو الأسماك.
لا تخافوا، لكن احذروا
يعتقد العلماء أن كل المواد تعتبر سامة في الظروف المناسبة، وتمثل العلاقة بين الجرعة وأثرها على الكائن الحي الذي يتعرض لها أهمية قصوى في علم السموم. والمعيار الرئيسي فيما يتعلق بسمية مادة كيميائية هو الجرعة (كمية التعرض للمادة). ويشير مصطلح (LD50) إلى جرعة المادة السامة التي تقتل %50 من العينة المجرب عليها. وهدف تقييم السميّة هو تحديد التأثير المضاد لمادة ما. ويعتمد التأثير العكسي يعتمد على عاملين أساسيّين: طريقة التعرض للمادة (عن طريق الفم، الاستنشاق، أو الجلد) والجرعة (المدة والتركيز المعرض له).
فيما يتعلق بالسموم الطبيعية يجب ملاحظة إمكانية وجودها في أنواع مختلفة من المحاصيل والأغذية. وقد تسبب هذه السموم الطبيعية طيفا من الآثار الصحية الضارة، ربما تتمثل في التسمم الحاد، بل والموت في النهاية. وتشمل العواقب الصحية الطويلة الأجل التأثير في أجهزة الجسم، والإصابة بالسرطان.
في النظام الغذائي المتوازن والصحي، تكون مستويات السموم الطبيعية أدنى من عتبة السمية الحادة والمزمنة، ويجب إبقاء التعرض للسموم الطبيعية في أدنى مستوى ممكن من أجل حماية الناس والحفاظ على صحتهم.