تقرير خاص

الريادة في تصميم المباني المستدامة: دروس مستفادة من أبحاث برج الحمراء

تعزيز السلامة من خلال مراقبة الصحة الإنشائية

برج الحمراء هو أطول برج خرساني منحني في العالم، إذ يبلغ ارتفاعه نحو 414 متراً. وهو لا يعتبر تحفة معمارية فحسب، بل ومنارة للأبحاث المبتكرة في مجال مراقبة صحة وسلامة المباني. إذ موّلت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي المشروع البحثي «نمذجة الحركة الأرضية والمراقبة الإنشائية للمباني العالية»، وهو الأول من نوعه في دولة الكويت، ليضع معايير جديدة لسلامة المباني واستدامتها ليس فقط في الكويت، ولكن على مستوى العالم.

وبرج الحمراء جزء من مبادرة بحثية أكبر مولتها المؤسسة بعنوان «استدامة المباني في دولة الكويت»، وهو جهد تعاوني شارك فيه باحثون من معهد الكويت للأبحاث العلمية وجامعة الكويت ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وقد أطلق هذا المشروع متعدد التخصصات في العام 2013، وجمع أكثر من 60 عالمًا وباحثًا ومهندسًا بهدف تطوير حلول ومنهجيات مبتكرة لاستدامة المباني في دولة الكويت. هدف المشروع إلى إنشاء نموذج جديد في التصميم الهندسي يمكن استخدامه ليس فقط في الكويت ولكن على مستوى العالم.

ولتحقيق هذه الأهداف، ركز البحث على ثلاثة محاور أساسية (من حيث مواد البناء والأداء الهيكلي وكفاءة الطاقة) الأول: استخدام مواد بناء ذات خواص نانو هندسية لزيادة متانتها، الثاني: رصد ومراقبة هياكل المباني العالية لمعرفة سلوكها تجاه الزلازل والرياح، والثالث: تطوير كفاءة الطاقة في مباني مدينة الكويت وضواحيها.

ووفقًا للدكتور حسن كمال، الباحث الرئيسي المشارك في المشروع (نيابة عن معهد الكويت للأبحاث العلمية)، كانت الفكرة هنا هي تطبيق تكنولوجيا مراقبة الصحة الهيكلية على المباني الشاهقة القائمة، مع التركيز على المخاطر الطبيعية التي قد تتعرض لها مثل الزلازل والرياح والعواصف الرعدية. وقد وفر برج الحمراء موقعا بحثياً ذا ميزة كبيرة نظرًا للتصميم الفريد للمبنى، ومكانته كرمز معماري.

ركّب الباحثون مجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار في جميع أنحاء البرج. وشملت هذه أجهزة قياس التسارع لقياس الاهتزازات، وأجهزة استشعار نظام تحديد المواقع العالمي لتتبع الحركة، وأجهزة استشعار الرياح وأجهزة الاستشعار الحرارية. واستُخدمت البيانات التي جمعتها هذه المستشعرات كمدخلات للنموذج الحاسوبي الذي طوره فريق البحث خصيصًا لتحليل هذه البيانات. وصُمم النموذج للمساعدة على تحسين تصميمات المباني قبل البناء، من خلال فهم الأداء بناءً على مخاطر الزلازل الخاصة بالموقع والحركات الأرضية الأخرى.

كما أوضح د. كمال “إن الغرض من مراقبة الصحة الإنشائية هو زيادة سلامة المبنى، وتحسين قوانين البناء، وتوفير أنظمة الإنذار المبكر وتطوير استراتيجية الصيانة المستقبلية لهذه المباني”. وكان من المتوقع أن يكون لمراقبة الصحة الإنشائية تأثيراً من عدة جوانب: أولاً، تحسينات في سلامة المباني بناءً على تحليل البيانات. ثانيًا، تصميم كود/لوائح بناء محلي. ثالثًا، تطوير نظام إنذار مبكر. ورابعًا، بناء إطار لاستراتيجية صيانة المرافق للمباني الشاهقة.

كانت إحدى المخرجات الرئيسية لهذا البحث هي تطوير كود بناء متين مصمم خصيصًا لدولة الكويت وهو أمر ضروري. إذ يقول د. كمال ، إنه نظرًا للظروف البيئية المحلية الخاصة، يجب أن يكون لدى الكويت كود بناء محلي، نظراً لكونها منطقة صحراوية بالقرب من البحر، كما تقع بالقرب من حزام زاجروس للزلازل، مما يجعلها عرضة للزلازل والأنشطة البيئية الأخرى التي يمكن أن تلحق الدمار ببنيتها التحتية بشكل عام، وليس فقط المباني الشاهقة، كالمباني الصناعية والجسور.

عادةً ما يتبنى المصممون أكثر لوائح البناء الدولية ملاءمة، والتي قد لا تأخذ في الاعتبار العوامل البيئية المحلية بشكل كامل، مثلا، يمكن أن تؤثر التغيرات الشديدة في درجات الحرارة والرطوبة العالية في الكويت تأثيرًا كبير على أداء مواد البناء بالإضافة إلى سلامة البنية التحتية، ومن خلال رصد ومراقبة وتحليل البيانات في الوقت الفعلي وباستخدام النمذجة المتقدمة، ويهدف هذا البحث إلى معالجة أوجه القصور في كود البناء الحالية التي وضعت على أساس لوائح البناء الدولية السائدة.

كما يؤكد البحث على أهمية مراقبة صحة الهياكل لصيانة المباني وخفض تكاليف دورة حياتها. إذ يسمح النهج القائم على رصد ومراقبة وتحليل البيانات بالكشف المبكر عن المشكلات الهيكلية، مما يتيح التدخلات في الوقت المناسب وضمان سلامة المبنى أثناء الزلازل وموجات الحر وغيرها من الحوادث البيئية في المستقبل. وذلك من خلال توفير أنظمة الإنذار المبكر وبيانات الأداء التفصيلية، تساعد هذه التقنيات في اختيار مادة البناء الصحيحة، وتصميم استراتيجيات صيانة أفضل، وتقليل إجمالي التكاليف المرتبطة بالمبنى. ويفيد هذا النهج كل من المشاريع الحكومية بالإضافة إلى أصحاب المباني الخاصة، مما يضمن بأن المباني ليست آمنة فحسب، بل ومستدامة اقتصاديًا أيضًا.

كما تنبغي الإشارة إلى الدور الخاص للدكتور حسن كمال لأنه يمتد إلى ما هو أبعد من البحث، بصفته عضوًا منتخبًا في المجلس البلدي الكويتي، فإنه يعمل على سد الفجوة بين نتائج البحث وتشريع السياسات. كما يسمح له دوره بالدعوة إلى دمج الرؤى العلمية في لوائح البناء، وبالتالي تعزيز السلامة العامة والمرونة والاستدامة للبيئة المبنية في الكويت.ومشروع «استدامة المباني في دولة الكويت» مشروع نموذجي يعكس أهمية البحث التعاوني وتأثيره على التطبيقات في العالم الحقيقي.

وقد أسفر المشروع بالفعل عن تحقيق نتائج مهمة، بما في ذلك عقد المؤتمر الخليجي لبيئة عمرانية مستدامة في عام 2019 حيث عرضت النتائج على خبراء إقليميين، ونشر كتاب يوضح تفاصيل البحث. وتؤكد هذه الجهود على أهمية تطبيق البحث العلمي على التحديات العملية، وضمان مواكبة تطوير البنية التحتية للتقدم التكنولوجي.

ويقول د. كمال إن هذا البحث لا يعزز سلامة المباني في الكويت فحسب، بل يضع أيضًا معيارًا تحويليًا جديدًا لتطوير البنية التحتية المرنة والمستدامة على مستوى العالم. وعلى الرغم من أن البحث كان من المفترض في البداية أن يستمر لمدة خمس سنوات، فإن عملية جمع البيانات لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، وحتى زلزال الذي حدث في تركيا عام 2023 التقطته هذه المستشعرات. وبالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن تؤثر الرؤى المكتسبة من المشروع على البناء المستقبلي في الكويت، وخاصة في تطوير مدن ومناطق حضرية جديدة أكثر مرونة واستدامة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى