د.إيهاب عبد الرحيم علي
طبيب ومترجم وكاتب علمي مصري- كندي يعمل ويعيش في أونتاريو (كندا)
تمثل الجينات جزءا من جزيء الحمض النووي DNA الذي ينقل المعلومات الوراثية من الوالدين إلى نسلهم. وهي توجد على الكروموسومات (الصبغيات Chromosomes) في منتصف، أو نواة، كل خلية. تزود متوالية الجينات الموجودة على كل كروموسوم الخلية التي تحتوي على هذه الكروموسومات بتعليمات حول كيفية نموها وعملها. يمتلك كل فرد 46 كروموسوما في كل خلية؛ يأتي 23 منها من الأم والبقية من الأب. وكذلك تأتي الجينات الموجودة في كل كروموسوم في أزواج، حيث تأتي نسخة واحدة من كل جين من الأم والأخرى من الأب.
عند تلف جين أو كروموسوم بعينه، فإن التغير الناتج يسمى طفرة Mutation. يمكن أن ينطوي التلف المسبب للطفرة على كروموسوم كامل أو جين واحد أو أكثر، أو واحد أو أكثر من المركبات الكيميائية التي تشكل الحمض النووي. ويمكن نقل أي من هذه المواد الوراثية الطافرة إلى الطفل إذا كان جزءا من مجموعات الكروموسومات والجينات المنقولة من الأم أو الأب. عندما يحدث هذا، قد تتسبب الإرشادات الوراثية المعدلة في حدوث أعطال تؤدي إلى أمراض أو اضطرابات معينة.
تعقيدات السمنة
على عكس بعض الاضطرابات التي تسبب فيها الجينات الشاذة حالة معينة بشكل مباشر، فإنه في حالة السمنة يكون الوضع أكثر تعقيداً. لا تجعل الجينات الشخص سميناً أو نحيفاً، لكنها تحدد فقط الأفراد الأكثر عرضة لزيادة الوزن بسبب مجموعة من العوامل، لكن السمنة لن تحدث ما لم تتوافر أيضاً ظروف سلوكية وبيئية معينة. تشمل أمثلة العوامل السلوكية الإفراط في تناول الطعام واتباع نمط حياة غير نشط. ومن الأمثلة على الظروف البيئية الانتشار الواسع للأطعمة الغنية بالدهون والعيش في ثقافة تشجع الإفراط في تناول الأطعمة غير الصحية.
في بعض الحالات، يؤدي حدوث طفرة جينية إلى سلوك يسبب السمنة؛ فعلى سبيل المثال، يؤدي مرض يسمى متلازمة برادر- ويلي Prader-Willi syndrome إلى تناول الشخص المصاب لكميات هائلة من الطعام، مما يؤدي إلى السمنة المفرطة. وصف المرض لأول مرة في عام 1956، وهو يصيب الأطفال في وقت مبكر من تطورهم الجنيني. يعاني الطفل المصاب مشكلات في التغذية منذ الولادة، إلى جانب قصر القامة ودرجة من التخلف العقلي. وكذلك يعاني المصاب بمتلازمة برادر- ويلي مشكلات في الشخصية، فيكون عرضة لنوبات الغضب، خاصة إذا مُنع الطعام عنه.
قد تؤدي طفرات جينية أخرى إلى اختلالات في المواد الكيميائية بالدماغ وهرمونات الجسم التي تؤثر بشكل مباشر في تناول الطعام، ومن ثم قد تسبب السمنة. تشمل الاضطرابات التي قد تسبب مثل هذه الاختلالات متلازمة كوشينغ Cushing’s syndrome، وهي مرض ينطوي على فرط إنتاج هرمون الكورتيزول من الغدة الكظرية الموجودة في قاعدة الكلى؛ وفرط إفراز الإنسولين، حيث تسبب أورام البنكرياس الخبيثة أو غير الخبيثة إفراز كميات كبيرة من الإنسولين؛ وقصور الدرقية Hypothyroidism، وهي حالة لا تنتج فيها الغدة الدرقية الموجودة في الرقبة ما يكفي من الهرمون الدرقي لتنظيم الوزن بصورة صحيحة.
الميل لتخزين الدهون
على عكس الحالات النادرة للسمنة التي تسبب فيها عيوب جينية معينة الميل إلى الإصابة بالحالة، فإن معظم الحالات تنتج من استعداد وراثي لزيادة الوزن وتخزين الدهون. ومن أجل حدوث زيادة في الوزن وتخزين الدهون، يجب على الشخص تناول كميات مفرطة من السعرات الحرارية، لكن الميل الوراثي نحو السمنة قد يفسر سبب تمكن بعض الأشخاص من الحفاظ على وزنهم أو خسارته بسهولة فيما لا يستطيع غيرهم ذلك.
يعتقد الخبراء أن القدرة على تخزين الدهون تطورت لدى بعض البشر على مدار آلاف السنين. حتى وقت قريب نسبياً، عندما أصبح الطعام وفيراً، تمتع من كانت أجسادهم قادرة على تخزين الدهون في أوقات المجاعة بأفضلية على من لم تتمكن أجسادهم من ذلك، فكانوا أكثر عرضة للموت بسبب الجوع أو سوء التغذية، كما أن وجود بعض الدهون الزائدة في الجسم زاد من احتمال أن تنجب المرأة أطفالاً، وهي ميزة أخرى تسمح بالبقاء على قيد الحياة من وجهة نظر تطورية.
أهم جينات السمنة
منذ منتصف التسعينات أحرز العلماء تقدماً في تحديد بعض الجينات التي تسهم في السمنة. تؤثر هذه الجينات في الميل إلى زيادة الوزن وتخزين الدهون. ويؤثر بعضها في هرمونات تنظم تناول الطعام وكيفية معالجة الجسم للطعام. ومن أشهر الجينات من هذا النوع هو الجين ob. يشفر الجين ob لهرمون يعرف باسم اللبتين Leptin. يعمل اللبتين عادة كإشارة من الخلايا الدهنية إلى الدماغ، حيث يُخبر الدماغ بأن الجسم أكل بما فيه الكفاية. اكتشف اللبتين فريق من الباحثين بقيادة الدكتور جيفري فريدمان Jeffrey Friedman في جامعة روكفلر بنيويورك في عام 1994. وجد الباحثون أن الدماغ يظن أن الجسم لا يزال جائعاً في حيوانات المختبر حيث يكون الجين ob معيباً، ومن ثم لا تنتج الحيوانات اللبتين. يؤدي هذا بالحيوانات إلى الإفراط في تناول الطعام ومن ثم تصاب بالسمنة.
عندما أعطى الباحثون اللبتين للحيوانات المصابة بنقص هذا الهرمون، انخفض وزنها. ظن الأطباء في البداية أنهم قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى علاج للأشخاص الذين يعانون السمنة المفرطة، لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة؛ إذ وجد العلماء أن معظم الأشخاص المصابين بالسمنة المفرطة لا يعانون نقص هرمون اللبتين، لذلك يبدو أن الجينات والهرمونات الأخرى،على الأقل لدى البشر، تؤدي دوراً مهماً في السمنة.
من الجينات الأخرى التي اكتشفها العلماء في أواخر القرن العشرين الجين MC4R، وهو اختصار «جين مستقبلات الميلانوكورتين رقم 4». يحكم الجين MC4R نوع من المستقبلات في منطقة الدماغ المعروفة بالوطاء Hypothalamus. تؤدي هذه المنطقة دوراً في التحكم بالشهية. أظهرت الدراسات أن أكثر من %5 من المصابين بالسمنة المفرطة يعانون طفرات في الجين MC4R. تؤدي هذه الطفرات إلى وجود عدد قليل من مستقبلات الجين MC4R، مما يؤدي بدوره إلى الإفراط في تناول الطعام. أظهر أولئك الذين يرثون نسخة من الجين المعيب من كلا الوالدين درجات أعلى من السمنة مقارنة بمن لديهم نسخة واحدة فقط من الجين.