ارتفاع مستوى سطح البحر : نظرة تاريخية
د. محمد عبد القادر
في البداية، لعل من البداهة أن نتساءل: على أي أساس يمكننا القول بأن ثمة ارتفاعا ما قد حدث في مستوى سطح البحر خلال أي عصر جيولوجي؟ ما هي مرجعيتنا في القياس حتى نقول بوجود مثل هذا الارتفاع أو انخفاضه أو عدمه؟ هل هي نهاية الرصيف القاري؟ أم هي خط المد الأعلى؟ أم هي خط الجزر الأدنى؟ أم…، أم …؟
الواقع أن مثل هذه الأسئلة تزيد الأمر تعقيدا، فعلى مر العصور الجيولوجية كانت هذه المعالم والسمات التي تحدد السواحل في تغير مستمر. وكما هو معروف فإن مواقع البحار والمحيطات، وأعماقها أيضا، وأحجام المياه التي تضمها تلك المعالم الجغرافية غير ثابتة. وليس لدينا سجلات تاريخية تقليدية – باستثناء الأحافير والصخور الرسوبية ذات المنشأ البحري – توثق لنا ما حدث من تذبذبات في مستويات منسوب سطح البحر على مدى الأزمنة والعصور الجيولوجية، ذلك أن تاريخ وجود الإنسان على الكوكب الأرضي لا يعد شيئا ذا بال، مقارنة بالزمن الجيولوجي للكوكب، فضلا عن كونه حديثا جدا، إذ إن ظهور الإنسان بين أحياء الكوكب جاء متأخرا جدا.
واستنادا إلى ما سبق، فإن الحل الأمثل للفصل في مسألة مرجعية نقطة القياس التي تتخذ كمقياس للمقارنة، هو المستوى الحالي لسطح البحر. فإذا كان هناك ارتفاع عن هذا المستوى في إحدى فترات عصر ما قلنا بحدوث مثل هذا الارتفاع، وإن كان الأمر بالعكس، تحدثنا عن انخفاض في ذلك المستوى، أما إذا لم يكن هناك اختلاف، فليس ثمة اختلاف على أن المستوى لم يتغير، وهو أمر قد يكون مقبولا من الناحية النظرية فقط؛ لأن الاختلاف في منسوب سطح البحر يتغير من مكان إلى آخر حتى في اليوم الواحد، والساعة الواحدة!
دور الأحافير والرواسب
تجري متابعة تغيرات سطح البحر خلال تاريخ الأرض على نحو مباشر من خلال الأحافير والرواسب، إذ إنهما كثيرا ما يدلّان على توزيع الأرض والبحر في الأزمنة الجيولوجية السابقة. ووجود أحافير لأحياء بحرية قديمة ورواسب لصخور بحرية في مناطق بعيدة عن البحر حاليا يعد مؤشراً على أن مستوى سطح البحر كان مرتفعا في العصور التي عاشت فيها هذه الأحياء وتموضعت فيها تلك الرواسب، وأن البحر كان يطغى على اليابسة، وأنه ترك رواسبه فوق صخورها الأساسية. كما أن الأحياء البحرية التي كانت تعيش فيه وقتذاك طمرت في قاعه، ثم مع تراجع مستوى سطح البحر تقهقرت السواحل، وتركت الرواسب وهياكل الأحياء النافقة في اليابسة، حيث تحول بعضها إلى أحافير بفعل العوامل المسؤولة عن ذلك.
منحنيات لمستوى سطح البحر قديما
ثمة دليل فيزيائي من الصخور الرسوبية يفيد بوجه خاص في معرفة مستوى سطح البحر في العصور الجيولوجية السابقة، وهو الملامح المتميزة لترسبات المياه الضحلة وترسبات الشواطئ. ولكن مثل هذا الدليل قد نفتقده في أحايين كثيرة، إذ إن التأثيرات الجيومورفولوجية المحلية أو الإقليمية قد تعتّم على السجل الكوكبي. وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض الجيولوجيين، لاسيما العاملين في شركات البحث والتنقيب عن النفط، نجحوا في رسم ما يسمى بمنحنى سطح البحر sea-level curve، وهو رسم بياني يمثل التغيرات التي تطرأ على سطح البحر خلال التاريخ الجيولوجي للأرض. وأول منحنى من هذا النوع هو منحنى (فيل Vail) الذي يحمل أيضا اسم منحنى Exxon. وكان فريق من علماء الجيولوجيا التابعين لـشركة إكسون، برئاسة (بيتر فيل Peter Vail) قد نشروا رسالة علمية عن التغيرات الشاملة لمستوى سطح البحر، معتمدين في ذلك على بيانات المسح الزلزالي (السيزمي) والبيانات الطبقية الحيوية التي تجمّعت في أثناء التنقيب عن النفط، حيث إن الزيت والغاز ينزعان للتجمع قرب خطوط السواحل القديمة للبحار. وفي عام 1987 – 1988، نُشِر منحنى منقح لمستوى سطح البحر في عصور الحقبة الوسطى والحقبة الحديثة يعرف الآن باسم منحنى (حق) لسطح البحر، إشارةً إلى عالم المحيطات الباكستاني الأمريكي (بلال حق). ويوضح منحنى (فيل) المعدل أن مستوى سطح البحر حاليا أقل بعض الشيء مما كان عليه خلال معظم الأزمنة في دهر الحياة الظاهرة Phanerozoic Eon (آخر دهور الزمن الجيولوجي الذي يبلغ مداه نحو 570 مليون سنة).
عوامل مؤثرة في مستوى سطح البحر
يتأثر مستوى سطح البحر في المناطق البحرية الصغيرة بالحركات المحلية لقشرة الأرض. وسطح الأرض يُدفع للأعلى أو للأسفل بواسطة قوى تكتونية تؤدي إلى إزاحة خطوط تقاطع الأرض والبحر. والتغيرات الكبرى في مستوى سطح البحر تنتج إما بواسطة التجليد Glaciation أو بواسطة تحولات القشرة التي تغير شكل أحواض المحيطات. كما أن ثمة علاقة بين مستوى سطح البحر والمناخ، فكلما كان الأخير دافئا ارتفع – تبعا لذلك – منسوب سطح البحر.
ومن الملاحظات التي تسترعي الانتباه أن الفترات الجليدية التي مرت بها الأرض، والتي كان لها تأثيرها البارز على مستوى سطح البحر، قد تكررت في فترات متشابهة من الناحية الجيولوجية. والفترات الجليدية العظمى التي مرت بها الأرض تقدر بنحو 10 % من التاريخ الجيولوجي الكلي. ومدى كل فترة جليدية يبلغ نحو 10 – 20 106x سنة. وقد ارتفع مستوى سطح البحر على النطاق الكوكبي مع ذوبان الثلج القطبي عبر القرون العديدة الماضية. على أن هذا قد وازنه في بعض الأمكنة تحركات محلية، نشأ بعضها أيضا عن التجليد.
أواخر حقب ما قبل الكامبري
ثمة دلائل جيولوجية تشير إلى أن المياه السطحية كانت موجودة على الأرض منذ 3800 مليون سنة. ومع ذلك، لا يعرف أحد متى حدث أول ارتفاع لمستوى مياه البحر، لكن من المؤكد أن أبا المحيطات الحالية (بانثالاسا) Panthalassa – الذي كان يحيط بأم القارات (بانجيا) Pangaea – قد شهد مثل هذا التغير لسبب ما، قد يكون جيولوجيا أو مناخيا.
وقد دلت الأحافير على أن المناخ في أواخر حقب ما قبل الكامبري Precambrian كان دافئا. ففي العصر الإدياكاري Ediacaran Period (الذي كان منذ 635 – 541 مليون سنة)، كان أبو المحيطات (بانثالاسا) يغطي القطب الشمالي، وكان القطب الشمالي تحت الماء. وكانت درجة الحرارة قد ارتفعت على الأرض خلال العصر الإدياكاري ارتفاعا ملحوظا. وتعدُّ “طبقة الكربونات” اليوم من نتائج الارتفاع في درجة حرارة الأرض في أثناء ذلك العصر؛ وزيادة انصهار الجليد وزيادة منسوب مياه المحيطات.
حقب الحياة القديمة
يُعَد عصر الكمبري Cambrian period أقدم عصور حقب الحياة القديمة Paleozoic، وهو يشمل المدة الممتدة من 541 مليون سنة إلى 485.4 مليون سنة مضت. وكانت درجة الحرارة خلال الكمبري دافئة بمتوسط يصل إلى 21 درجة مئوية، وبلغ تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو نحو 4500 جزء في المليون جزء، وهذا أعلى بنحو 16 مرة من تركيزه في عصرنا الحديث قبيل الثورة الصناعية. ولهذا، كانت البحار دافئة نسبيا، وكان الجليد القطبي غير موجود في تلك الفترة بسبب ذوبانه من جراء ذلك الدفء. وفي وسط ذلك العصر وفي أواخره كان مستوى البحار الموجودة وقتذاك في ارتفاع مستمر في معظم أجزاء العالم، حتى وصل إلى نحو 250 مترا فوق المستوى الحالي لمياه البحر، وهو الأمر الذي أدى إلى اكتساح الفيضانات للأجزاء الداخلية في معظم القارات. واستمرت الحال على هذا المنوال حتى العصر الأوردوفيشي Ordovician period (الذي يغطي الفترة الزمنية الممتدة ما بين 485.4 إلى 443.4 مليون سنة مضت). ففي أوائل الأوردوفيشي كان مستوى سطح البحر أعلى بمقدار 180 مترا عن مستواه الحديث، حيث تفيد الأدلة المحفوظة في الصخور بأن مستويات البحار كانت مرتفعة خلال مرحلة التريمادوشي Tremadocian (أولى مراحل الأوردوفيشي)؛ ويرجع ذلك إلى أن المناخ كان حارا جدا بسبب مستويات ثاني أكسيد الكربون العالية في الهواء، مما أدى إلى حدوث احتباس حراري عال، وارتفاع حرارة مياه البحر نحو 45 درجة مئوية. وفي الأوردوفيشي الأوسط ارتفع مستوى سطح البحر، واستمر في الارتفاع إلى أن بلغ 220 مترا فوق منسوبه الحالي في فترة الكاردوك Caradoc (التي تمثل بداية فترة الأوردوفيشي المتأخر)، ويمثل ذلك أعلى مستوى لسطح البحر في حقب الحياة القديمة. أما سبب هذا الارتفاع فمرده إلى النشاط البركاني، حيث قذفت البراكين الموجودة على طول شواطئ محيط إيبتس Iapetus Ocean (أحد محيطات ذلك الزمان) كميات كبيرة جدا من غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مما سبب احتباسا حراريا آخر للأرض. وعقب ذلك، حدث أن تزحزحت قارة غوندوانا Gondwana وتقدمت إلى جنوب الكرة الأرضية، مما أدى إلى تراكم الجليد في الأنهار الجليدية glaciers، وهو الأمر الذي تسبب في انخفاض مستوى سطح البحر بشكل حاد (بنحو 80 مترا) في نهاية فترة التجلد التي حدثت في الفترة المعروفة باسم المرحلة الهيرنانتية Hirnantian. وعلى الرغم من ذلك الهبوط الكبير وقتذاك، فإن مستوى سطح البحر كان يُعد – مع ذلك – عاليا، إذ كان فوق مستوى منسوبه الحالي بمقدار 140 مترا.
وفي أواخر المرحلة الهيرنانتية ارتفعت درجة حرارة المناخ مرة أخرى، فانصهر الجليد، ومن ثم عاد مستوى سطح البحر إلى الارتفاع من جديد، ليصل تقريبا إلى ما كان عليه قبل فترة التجليد، أو أكثر قليلا.
وفي بداية العصر السيلوري Silurian period (الذي استمر زهاء 100 مليون سنة، وبدأ منذ نحو 443.8 مليون سنة) كانت مياه البحار دافئة، وانصهرت كميات كبيرة من التكوينات الجليدية نتيجة لتغير المناخ، مما أدى إلى رفع منسوب الماء في البحار والمحيطات عن المستوى الحالي بنحو 180 مترا تقريبا. ولهذا، تميز ذلك العصر بحدوث طغيان بحري شديد على اليابسة.
أما في العصر الديفوني Devonian period (الذي جاء بعد السيلوري، واستمر منذ 419.2 مليون سنة إلى 358.9 مليون سنة مضت)، فقد استقر مستوى سطح البحر عند 180 مترا فوق مستواه الحديث، ثم انخفض تدريجيا إلى 120 مترا فوق المستوى نفسه.
وفي العصر الكربوني
period Carboniferous، الذي شمل الفترة الزمنية من 358.9 مليون سنة إلى 298.9 مليون سنة مضت، حدث تذبذب في مستوى سطح البحر بين ارتفاع وانخفاض. ففي بداية ذلك العصر (أي في الفترة الميسيسيبية Mississipian) حدث طغيان بحري على اليابسة، إذ بلغ ارتفاع سطح البحر وقتذاك 125 مترا عن المستوى الحالي لسطح البحر. غير أن هذا المنسوب هبط بعد ذلك إلى أن أصبح مستوى سطح البحر مماثلا لمستواه في أيامنا هذه، ثم ارتفع مستوى سطح البحر مرة أخرى إلى 117 مترا عند أواخر ذلك العصر (في الفترة التي تعرف باسم الفترة البنسلفانية Pennsylvanian)، بسبب هبوط الأحواض الترسيبية، مما أدى إلى طغيان البحر عليها. وقد أدت الزيادات والنقصان في التجلد glaciation خلال الفترة البنسلفانية إلى حدوث تقلبات في مستوى سطح البحر، يمكن أن يستدل عليها من خلال الصخور التي تنتمي إلى تلك الفترة، والتي تتضمن أنماطا مميزة من طبقات الطَّفل الصفحي shale والفحم التي يعقب بعضها بعضا بشكل متناوب. فمع ارتفاع مستويات سطح البحر، نجد أن الطبقات تتتابع من الحجر الرملي sandstone (عند الشاطئ)، إلى الطَّفل الصفحي أو حجر الغرين siltstone (في منطقة المد والجزر)، ثم إلى الحجر الجيري في البحيرات الشاطئية lagoons ذات المياه العذبة، ثم إلى طبقة من الطين تقع تحت طبقة الفحم underclay (في المناطق البرية terrestrial) ثم طبقة الفحم (في منطقة غابة المستنقعات الأرضية terrestrial swampy forest). ومع انخفاض مستويات سطح البحر، يمكن للمرء أن يرى طبقة من الطَّفل الصفحي (في منطقة المد والجزر القريبة من الساحل) ثم حجرا جيريا (في المناطق البحرية الضحلة)، ثم أخيرا الطفل الصفحي الأسود black shale (في المناطق البحرية العميقة).
وفي بداية العصر البرمي Permian period (الذي امتد من 298.9 مليون سنة إلى 252.17 مليون سنة مضت)، كانت الأرض في عصر جليدي، وكان مستوى سطح البحر مستقرا عند 60 مترا فوق مستواه الحديث. وخلال منتصف ذلك العصر، انحسر الجليد وتحسن المناخ تدريجيا، وانخفض مستوى سطح البحر تدريجيا إلى أن أصبح 20 مترا في أواخر ذلك العصر، حيث أصبح المناخ في ذلك الوقت حارا جدا وجافا، فاختفت مساحات شاسعة من المحيطات نتيجة تبخر الماء في النصف الشمالي وتجمعها في الجنوب، ومن ثم ظلت مستويات البحر في ذلك العصر منخفضة.
حقب الحياة الوسطى
لا تتوافر معلومات تفصيلية عن مستوى سطح البحر في العصر الثلاثي (الترياسي) Triassic Period (الذي امتد من 252.17 مليون سنة إلى 201.3 مليون سنة مضت، والذي يمثل أول عصور حقب الحياة الوسطى)، لكن من المؤكد أن مستوى سطح البحر قد ارتفع تدريجيا في نهاية ذلك العصر، حيث كان المناخ خلاله حارا، وتشير الطبقات الرسوبية إلى أن معظم العالم كان في حالة جفاف.
وفي العصر الجوراسي Jurassic period (الذي امتد من 201.3 مليون سنة إلى 145 مليون سنة مضت)، كان المناخ دافئا وأكثر توازنا على الكرة الأرضية عما هو اليوم، ولهذا ارتفع مستوى سطح البحر في أواسط ذلك العصر، حتى إن المياه غمرت اليابسة، وغرق جزء كبير من غرب القارة الأوروبية تحت البحار الاستوائية الضحلة. وفي نهاية العصر بدأت مياه هذه البحار في التراجع.
وفي العصر الطباشيري (الكريتاسي) Cretaceous period (الذي امتد من 145 مليون سنة إلى 66 مليون سنة مضت، والذي يُعَدّ آخر عصور حقب الحياة المتوسطة)، ساد المناخ الدافئ الرطب في أجزاء كثيرة من العالم، وحدث أكبر طوفان بحري غطى سطح الأرض إبان ذلك العصر، فأصبحت معظم مناطق اليابسة الحالية مغمورة بمياه البحر. وفي أثناء ذلك العصر، أدى ارتفاع مستوى مياه البحر إلى أن تصبح معظم أوروبا مغمورة لفترة طويلة بمياه بحرين، هما:
1 – بحر الشمال الذي امتد من الجزر البريطانية شرقا في اتجاه ألمانيا وبولندا حتى روسيا.
2 – بحر الجنوب (تيثيس Tethys) الذي كان يشغل آنذاك منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط الحالية والأجزاء المحيطة بها من أوروبا الجنوبية وشمال أفريقيا، ثم يمر عبر آسيا من خلال تركيا ومنطقة الخليج العربي وباكستان وإقليم جبال الهيمالايا وتايلاند وبورما وسومطرة.
وخلال المرحلة النيوكومية Neocomian من العهد الطباشيري الأسفل (القديم) غمرت مياه بحر تيثيس وبحر الشمال والبحر الروسي معظم أنحاء أوروبا.
وطوال فترة العهد الطباشيري الأسفل (القديم) غمرت المياه البحرية أنغولا ونيجيريا والحافة الشرقية من أفريقيا. وخلال ذلك العهد أيضا، تغلغلت مياه المحيط الهادي في قارة أمريكا الشمالية. كما غمرت مياه هذا المحيط الجانب الغربي من أمريكا الجنوبية. وغمر الخليج الذي كان ممتدا من المحيط الأطلسي كلا من المكسيك ومعظم المنطقة الساحلية للولايات المتحدة المطلة على خليج المكسيك.
وفي أثناء المرحلتين الألبية Albian والأبتية Aptian من ذلك العهد، غمرت المياه البحرية أستراليا، وقسمتها إلى جزيرتين أو ثلاث جزر كبيرة. كما اتسع البحر المكسيكي بصورة كبيرة، فغمرت مياهه المنطقة الساحلية للولايات المتحدة المطلة على هذا الخليج، وكذلك جنوب غرب تكساس وولايتي نيومكسيكو الجنوبية وأريزونا الأمريكيتين.
وفي أثناء المرحلتين النيوكومية والألبية غُمِرت منطقة شرق غرينلاند جزئيا بمياه البحر.
وفي أثناء المرحلة الألبية المتوسطة امتدت مياه البحر شمالا من المنطقة الساحلية لخليج المكسيك، وغمرت كانساس ونبراسكا وداكوتا والأمكنة الشرقية من نيومكسيكو وكولورادو ومونتانا.
وفي فترة العهد الطباشيري الحديث (المتأخر) استمر طغيان مياه البحر على أوروبا، وغمرت المياه معظم أنحاء الجزر البريطانية، واستمر بحر تيثيس في تغطية منطقة الشرق الأوسط، وامتد هذا البحر جنوبا في الصحراء الكبرى. وغمرت مياهه الحافة الشمالية لأفريقيا من المغرب حتى مصر.
وخلال الفترة السينومانية Cenomanian من ذلك العهد غمرت مياه البحر ساحل الولايات المتحدة الأمريكية المطل على خليج المكسيك ومعظم أنحاء المكسيك. وفي أواخر هذه الفترة غمرت مياه البحر منطقة الجزء الداخلي الغربي للولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ووصلت خليج المكسيك بالمحيط القطبي الشمالي.
وفي الفترتين السينونية Senonian والميستريختية Maestrichtian من العهد الطباشيري الحديث غمرت مياه البحر قارة أمريكا الشمالية، تاركة وراءها رواسب وأحافير بحرية تدل على طغيان مياه البحر على اليابسة في هاتين الفترتين الجيولوجيتين.