الأدب

الأدب الإلكتروني.. هل وجد ضالته المفقودة؟

إبراهيم فرغلي

للوهلة الأولى يبدو مصطلح الأدب الإلكتروني مرادفاً للنصوص التي تنشر في صورة رقمية لكي يمكن تحميلها وقراءتها على الحواسيب أو وسائل القراءة الإلكترونية المختلفة، لكن هذا المفهوم في الحقيقة ليس دقيقاً أو صحيحاً. فمع التوسع والتطور المستمرين للتقنيات الرقمية، وتكنولوجيا وسائط الاتصال الحديثة تأثرت كثيراً من الحقول المعرفية بهذا التطور، وبينها الأدب الذي، كعادته، يبحث عن وسائل جديدة للتعبير الفني، وجد ضالته في الوسائط الرقمية الجديدة.

الأدب الإلكتروني أو E-Literature نوع من أنواع الأدب يتألف من أعمال أدبية تنشأ في بيئة رقمية، أي عن طريق الحواسيب الشخصية والإنترنت.
وفي التعريف ينبغي التوقف عند مفهوم «تنشأ في بيئة أدبية»، أي إن المنجز الأدبي هنا ينشأ في بيئة رقمية، ويقرأ على وسائط الحواسيب المختلفة.
ووفقاً لمنظمة الأدب الإلكتروني ELO فإن ما يمكن تصنيفه كأدب إلكتروني هو أحد أو كل الصيغ الآتية:
– السرد الفني أو الشعر باستخدام النصوص الممنهلة Hyper text.
– الشعر الحركي الذي تستخدم في عرضه وفي خلفياته تقنيات «فلاش» أو أنظمة تشغيل أخرى.
– الخيال التفاعلي أو ما يعرف باسم Interactive Fiction.
– النصوص السردية التي تأخذ شكل رسائل في البريد الإلكتروني، أو تكتب على المدونات الشخصية Blogs أو الرسائل النصية على الهواتف النقالة.
– التصميمات الفنية للرسوم أو النصوص التي تتطلب قراءتها من قبل الجمهور والتفاعل معها، كما هي الحال في المنتديات الأدبية.
– مشروعات الكتابة التعاونية التي تسمح للآخرين بالمساهمة في نص الكتابة.
– العروض الأدبية على الإنترنت التي طورت طرقا جديدة للكتابة.

سمات الأديب الإلكتروني
وبسبب هذه السمات الخاصة، فإن كاتب أو منتج الأدب الإلكتروني ليس مجرد كاتب ومبدع صاحب خيال فقط، بل يجب أن يكون عليماً بالمبادئ الرقمية العامة أو بالبرمجة. ولهذا أيضاً فإنَّ إبداع الأدب الإلكتروني قد يقتضي الجمع بين كاتب النص ومبرمج مختص في برمجة وتصميم البرامج التفاعلية الرقمية، أو بين أكثر من كاتب ومختص في البرمجة. وهذا ما يمنح هذا النوع الأدبي سمتاً علمياً بسبب تضمنه المعرفة العلمية بوسائل البرمجة، فالنص الأدبي الإلكتروني قد يتضمن نصاً مكتوباً، ومنه يحيل إلى صورة رقمية أو أكثر، ثم قد يتضمن رابطاً يحيل إلى فيديو أو فيلم قصير، أو إلى ساحة متحركة بواسطة برامج «فلاش». وهذه المكونات معاً هي ما تمنحه نوعه الأدبي وخصوصيته.

أصول قديمة
تعود الأصول الأولى لهذا النوع الأدبي إلى ثمانينات القرن الماضي بسبب الطفرة التي شهدها الغرب آنذاك في استخدام الحواسيب، وكانت بشائره الأولى قد تمثلت فيما عرف باسم الأدب ذي النصوص الممنهلة، Hypertext Literature، الذي كان يعتمد على إحالات بين نصوص مختلفة بين رابط وآخر، ثم تطور الأمر تدريجياً، وتحمست إحدى شركات البرمجة والنشر الأمريكية وهي Eastgate System لنشر قصة تفاعلية للكاتب الأمريكي مايكل جويس بعنوان (بعد الظهيرة)، وأنتجتها على أقراص مدمجة يمكن لمقتنيها قراءتها بواسطة الحاسوب، ونشر لاحقاً عدد آخر من القصص الإلكترونية بالطريقة نفسها.
والحقيقة أن هذا النوع الأدبي له سمت علمي في تركيبته الفنية أيضاً، بمعنى أنه حين يفتح القارئ النص سيرى أمامه عدداً من الروابط كل منها يحيل إلى جزء من أجزاء النص، ومن خلال انتقائه لأي رابط ثم ما يليه، يمكنه أن يربط النص بعضه ببعض. وهذا هو الجانب التفاعلي لهذا النوع من النصوص الذي يتضمن التفاعل بين مبتكر القصة و متلقيها.

الهايبر ميديا
ويعود الفضل في هذا الابتكــــار إلى ما يعرف باسم «الهايبر ميديا» أو الوسائط الممنهلة، وهو مصطلح يعبر عن ظاهرة تقنية تسمح للمتعلـــم بالتحكم والاقتراب من العديد من الوسائل بواسطة الحاسوب، وتزود المتعلم ببيئة تعليمية مشبعة بالوسائط التعليمية التي تساعد على توحيد أشكال المعلومات من مصادر متنوعة في نظام واحد، وهو أمر يمكن التحكم فيه بواسطة الحاسوب. ويتضمن هذا النظام العديد من الوسائط مثل الصور المتحركة، ومقاطع من أشرطة الفيديو والتسجيلات الصوتية والبيانات الرقمية والأفلام والصــــور الفوتوغرافية والموسيقا، إضافة إلى النص، وذلك بغية مساعدة المتعلم على إنجاز الأهداف المتوقعة منه عندما يتوصل إلى المعلومات التي يحتاج إليها من خلال التدرب الذاتي.
وهو في الأصل نظام تقني اهتمت به الأوساط التعليمية مبكراً بسبب القيم التربوية التي تحققها تلك الوسائط الممنهلة، إذ تسهم في تحقيق العديد من أهداف التعلم، ومنها اكتساب المعارف والمفاهيم التي يتطلب استيعابها قدرة على التفكير المجرد، لما تحويه من توازن بين ما يقدمه البرنامج، وتنمية بعض المهارات لدى المتعلم وتحسين اتجاهاته نحو استخدامه لأنظمة الحاسوب في المواقف التعليمية.

ماهية الوسائط الممنهلة
يستخدم مصطلح الوسائط الممنهلة ليعبر عن تقديم الأفكار والمعلومات عن طريق الترابط بين أي من النصوص المكتوبة والرسوم والصور ولقطات الفيديو والمؤثرات الصوتية، وعرضها كخبرات تعليمية ليتحكم فيها الطالب ويختار منها العناصر التي يتفاعل معها. لكن ينبغي الانتباه إلى الفارق بين الهايبر ميديا، والنصوص الممنهلة Hyper Text المتمثلة في تصميم بيئة تعليمية لاستخدامها في تصفح النصوص المكتوبة والتنقل بين معلوماتها وعناصرها.
وبذلك يعتبر النص الممنهل «هيبرتكست» جزءاً من الوسائط الممنهلة، وللنـــص الممنهل شكل واحد فقط هو النص المكتــــوب، ويحتوي النص الممنهل على الروابط (Links) التي تعمل على الربط غير الخطي بين أجزاء النص الممنهل، مما يساعد على التنقل العشوائـــي بين أجزاء النص، وذلك يساعد الطالب على دراسة المادة التعليمية وفق الترتيب المناسب له ووفق حاجته التعليمية.
وتعتبر الوسائط الممنهلة استخداماً فريداً للحاسوب في تقديمه للمعلومات، لأن تفردها يتمثل في قدرتها على تنظيم عناصر المعلومات، وتغلبها على الطريقة الخطية لاستعراض المعلومات، بعيداً عن قراءة وفهم المعلومات بالترتيب المتسلسل وبصورة فقرة تلي فقرة، وصفحة تلي صفحة.

الأدب التفاعلي
ولكن مع التطور الذي شهدته شبكة الإنترنت في التسعينات، وظهور برامج حديثة ومتصفحات أكثر تطوراً من المتصفحات التقليدية فقد الأدب التفاعلي بريقه بسبب الإمكانات الجديدة التي أتاحتها التطبيقات الحديثة على الشبكة الدولية للمعلومات. و كان ذلك سبباً في تطوير فكرة الأدب التفاعلي ليتحول إلى الشكل الأحدث المعروف باسم الأدب الإلكتروني. غير أنه مع مرور الوقت تبين أنه معرض لخطر عدم التوثيق والحفظ على الإنترنت، إلا أن هذا مردود عليه، كما يوضح العديد من المختصين في هذا المجال، إذ يقولون إن القصص التفاعلية التي أنتجت قبل التسعينات، مثل قصة (بعد الظهيرة) يمكن قراءتها على الأقراص المدمجة حتى الآن، أما النصوص الإلكترونية وتطبيقاتها الأحدث مما ظهر مع الألفية الجديدة فلا تزال قابلة للقراءة على شبكة الإنترنت حتى اليوم، بسبب تطور قدرات الأرشفة الإلكترونية التي توفرها كثير من محركات البحث مثل غوغل.
ومع تزايد حجم الإنتاج الفني من هذا النوع ظهرت مؤسسات متخصصة في الأرشفة الإلكترونية أو الرقمية مثل Digital Preservation Coalition، و Electronic Literature Organization’s PAD، وهما تعملان على نسخ المنتجات من المواد التفاعلية والأدب الإلكتروني على أقراص مدمجة وأقراص (دي في دي) بصورة واسعة النطاق، بحيث يمكن للأجيال القادمة أن تطلع على القصص الإلكترونية التي تم إنتاجها حتى الآن.

Show More

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button