استخدام المؤشرات الحيوية اللعابية للتنبؤ بالأمراض الالتهابية
تُبدي الدكتورة هند القادري حماسة لا حدود لها تجاه المسائل المتعلقة بالصحة العامة. ومنذ صغرها كان لزياراتها المنتظمة لطبيب الأسنان دور ملهِم في اختيار مسيرتها المهنية. قبل رحلتها البحثية درست القادري طب الأسنان في كلية طب الأسنان بجامعة الإسكندرية في مصر. ثم بدأت عملها في البرامج المدرسية لصحة الفم والأسنان في الكويت، وهو برنامج صحة الفم الشامل الوحيد لأطفال المدارس في الشرق الأوسط. لم يمضِ وقت طويل قبل أن تُرقَّى إلى مشرفة إكلينيكية لتتولى بعدها رئاسة مركز مبارك الكبير لطب الأسنان. البرامج المدرسية لصحة الفم والأسنان هي مبادرة أطلقتها الكويت ومعهد فورسيث للأبحاث Forsyth Research Institute في بوسـطن، بالولايات المتحدة الأمريكية، لتوفير التثقيف والوقاية في مجال صحة الفم والعلاج لآلاف الأطفال من المدارس الكويتية.
بصفتها رئيسة مركز عيادة الأسنان تمتد مسؤولياتها لتشمل توفيرَ الرعاية لآلاف الأطفال، وتدريبَ أطباء الأسنان الجدد وتقييمَ أدائهم. قالت القادري: “لم يكن من السهل النظر إلى الصورة الكبيرة. لقد تدربتُ على علاج المرضى وأمراض الفم، لكني فجأة رأيتُ مسؤولياتي تكبر، وأردتُ أن أؤديها على نحو جيد، لذلك بدأت بالتقدم إلى برامج الدراسـات العلـيا لدراسـة الصحة العامة لطب الأسنان”.
تحمل القادري اليوم درجة الدكتوراه في العلوم الطبية وشهادة في الصحة العامة للأسنان من جامعة هارفارد. وهي حاصلة على البورد الأمريكي للصحة العامة لطب الأسنان American Board of Dental Public Health، ولديها شهادة في “اقتصادات الصحة ونتائج الأبحاث” من جامعة واشنطن University of Washington.
عملت مع زملائها ومع الباحثين في معهد دسمان للسكري، وفي البرامج المدرسية لصحة الفم والأسنان لإعداد أكبر دراسة طولية من نوعها في الشرق الأوسط. تضمنت الدراسة جمع بيانات من أكثر من 8,000 طفل كويتي لدراسة عوامل خطر السمنة، وهو مرض ناتج عن فرط الدهون في الجسم، ومرض السكري الذي يحدث عندما تتعطل قدرة الجسم على إنتاج هرمون الأنسولين مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم.
نجحت هي وزملاؤها في تحديد المؤشرات الحيوية اللعابية المهمة المرتبطة بالسكري والسمنة. تُستخدم هذه المؤشرات الحيوية لتحدد وجود شيء ما يحدث في الجسم. وبناءً على نتيجة بحثهم، رفع فريق الباحثين توصيات تتعلق بإجراء تغييرات في نمط الحياة وفي الأنظمة المتبعة إلى مقدمي الرعاية الصحية والمشاركين في رسم سياسات الصحة العامة، بالنظر إلى الزيادة السريعة للحالات الجديدة من داء السكري من النوع الثاني بين الأطفال واليافعين. مهدت هذه الدراسة الطريق أمام القادري لمتابعة عملها البحثي بمزيد من الحماس. كان البحث بعنوان “دراسة نمط الحياة الصحية في الكويت”، وموَّلتْه مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ومعهد دسمان للسكري في الكويت.
في هارفارد تعلمت إجراء الأبحاث وفق أعلى المستويات وتقييم البرامج وتحديد المشكلات وتقديم حلول فعالة تستند إلى الأدلة وليس إلى الآراء أو المعلومات المتناقلة. واكتشفت أن لديها شغفاً جديداً بالبحث العلمي، وهو الطريق الذي اختارته في النهاية بعد حصولها على الدكتوراه في العام 2016. بتمويل من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، أكملت برنامج ما بعد الدكتوراه، وهي درجة متقدمة سمحت لها بإجراء مزيد من الأبحاث المتقدمة.
بعد أن انضمت إلى برنامج ما بعد الدكتوراه، واصلت القادري دراسة عوامل خطر السمنة والسكري لدى الأطفال. بعد مشروع بحثي أجرته خلصت إلى أن الأطفال الذين لا يحصلون على كفايتهم من النوم هم أكثر عرضة للإصابة بالسمنة ومرض السكري، ولديهم مخاطر أكبر للإصابة بالتهابات في الجسم. عندما يصاب الشخص أو يكون مريضاً، يتضخم الجسم بنحو طبيعي لشفاء نفسه. يُسمى هذا الالتهاب، ولكن قد تحدث الاستجابة الالتهابية عندما ينشط الجهاز المناعي من دون أي سبب فعلي.
تُخبرنا الأدبيات البحثية السابقة أن بعض المؤشرات الحيوية الموجودة في الدم تعني أن الشخص قد يكون معرَّضاً على نحو مرتفع لخطر الإصابة بمرض ما. لفهم الكيفية التي يمكن بها للعاب أن يفعل الشيء نفسه حلل فريق البحث الذي قادته القادري عشرة مؤشرات حيوية موجودة في اللعاب والدم لتحري أي منها يؤدي إلى الأمراض الالتهابية. ثم تابع الباحثون الأطفال أنفسهم في العام 2019 للتحقق من وجود إصابات محتملة بمرض السكري أو ما قبل السكري، فوجدوا أن 20 % من الأطفال كانوا معرَّضين لخطر الإصابة بمرض السكري. نتيجة لذلك تمكن الفريق من ربط بعض المؤشرات الحيوية بخطر الإصابة بمرض السكري أو ما قبل السكري. أما الأمر الآخر المفيد الذي أظهرته الدراسة فهو أن استخدام اللعاب يوفر أداة أسهل من سحب الدم من الجسم.
وبينما ركز بحث القادري على استخدام اللعاب كأداة كشف، أرادت أيضاً التأكيد على أهمية الطب الوقائي من خلال عملها، لكن برزت أمامها مشكلةٌ تتعلق بالوقاية نفسها. قالت: “معظم الأشخاص لا يمكنهم اتباع إرشادات الوقاية على نحو جيد. نعلم جميعاً أن التدخين مضر بالصحة، لكن الناس يدخنون على أي حال”.
بعد وفاة والدها في العام 2020 بسبب كوفيد19-، حدا القادري فضولٌ لفهم الكيفية التي يعمل بها الجهاز المناعي، والسبب في عدم ظهور أعراض على بعض الأشخاص فيما يحتاج بعضهم الآخر إلى الرعاية في المستشفى ويموت آخرون.
لقد تابعت من كثب الأدلةَ المتزايدة التي تُظهر أن تجويف الفم هو أحد أوائل المواقع المعرضة لعدوى كوفيد19- وتكرارها وتنشيط الخلايا المناعية المحلية. وهي تعتقد أن معرفة مزيد عن الاستجابة المناعية في تجويف الفم قد تؤدي إلى فهم جديد للفيروس، ومن ثم ربما تقود إلى تطوير استراتيجيات وقائية جديدة. ونظراً إلى خبرتها في دراسة المؤشرات الحيوية اللعابية، فإنها تريد تعزيز معرفتها من خلال تقصي الاستجابة الميكروبية والمناعية لمرضى كوفيد19-. وهي تأمل أن تساعد النتائج التي تتوصل إليها عائلاتٍ أخرى مثل أسرتها، وأن تُجنب مزيداً من الوفيات.
تعمـل القادري حالياً في معهـد دسمان للســكري بالتعاون مـع معهـد جـاي. كريـغ فنتر إنستيتيوت J. Craig Venter Institute في الولايات المتحدة، لفهم الاستجابة المناعية لمرضى كوفيد19-.
وتسعى القادري إلى تعزيز جهودها لتحسين الصحة العامة من خلال أبحاثها. فهي تعتبر البحث وسيلة لتحديد المشكلات في المجتمع وتقديم الحلول وتقييم فعاليتها. وتؤكد القادري تمسكها بأهمية تعزيز البنية التحتية البحثية في الكويت، التي تعتقد أنها ما زالت في مرحلة النمو، وتتطلب كثيراً من الدعم والتمويل. وهي تتطلع إلى تقديم مساهمات متميزة في مجتمعها ومجال دراستها من خلال إشراك الباحثين الشباب وتدريبهم للتأثير في مجال الصحة العامة. كما أنها تؤمن بإمكانية إحداث تأثير حقيقي في الصحة العامة، إضافةً إلى تصميمها على مساعدة الآخرين على تحسين نوعية حياتهم.