إدارة النفايات النووية وأخطارها وعوامل الأمان المناسبة
د. عماد الدين حسن برعي
مع استمرار زيادة عدد سكان العالم البالغ حاليا نحو 7.3 بليون نسمة في منحاه الطردي، وبلوغه نحو 8.5 بليون بحلول عام 2030، سيشهد العالم ارتفاعا في استهلاك الطاقة بنسبة 18% بحلول ذلك العام. وكبديل لمحطات الطاقة القائمة على الانبعاثات الكربونية، توفر الطاقة النووية حلاً واعداً لمتطلبات الطاقة المتزايدة في جميع أنحاء العالم، وتُظهر ميزة كبيرة على طاقة الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) بسبب تسببها في انبعاثات غازات الدفيئة.
ملوثات مشعة
على الرغم من كونها مصدرًا أخضر للطاقة، فإن لمحطات الطاقة النووية بعض العيوب من حيث إطلاق كميات من الملوثات المشعة. على سبيل المثال، يطلق ما يصل إلى 300 طن من الملوثات المشعة كل عام في جميع أنحاء العالم. ولهذا، فإن الطريقة الفعالة للتعامل مع هذه الكميات الكبيرة الضخمة من الملوثات هي تخزينها في خزانات بأمان بعيدًا عن البيئة تمهيدا لمعالجتها من خلال منظومة لإدارة النفايات النووية. ومع اطراد النمو الصناعي في كثير من بلاد العالم، يتزايد الإقبال على المفاعلات النووية لتوفير الطاقة اللازمة لإدارة عجلات الصناعة والإنتاج، وتتزايد معه الحاجة إلى إدارة فاعلة للنفايات الناتجة عنها.
استخدامات سلمية
منذ منتصف القرن الماضي بدأ الاستخدام السلمي للطاقة النووية في مجالات عدة. وانتشر استخدامها بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة، ففي المجالات الطبية هناك مجموعة من النظائر المشعة يتم الاستعانة بها في علاج مرض السرطان، وهذا هو الاستخدام الأكثر انتشاراً، وهناك أيضا تشخيص الأمراض كتشخيص نشاط الغدة الدرقية باستخدام عنصر اليود المشع، كما تستخدم في العديد من عمليات التشخيص الطبي الأخرى.
وفي المجال الزراعي ساعدت الطاقة النووية العلماء على عملية زيادة الإنتاج النباتي والحيواني من خلال تحسين السلالات الزراعية والحيوانية، كما استخدمت في حفظ الأغذية عبر تعريضها لجرعة من الأشعة النووية في عمليات تسمى بالتعقيم الإشعاعي، ومنها تعقيم الأغذية وحفظها من الفساد لفترات زمنية طويلة، لاسيما بعد أن أفادت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أن نحو 795 مليون شخص (بمعدل واحد من كل تسعة أشخاص) عانوا نقصا مزمنا في التغذية في الفترة بين عامي 2014 – 2016. كما يمكن الحد من هذه المشكلة باستخدام التقيات الإشعاعية في الأغذية والزراعة.
وفي المجال الصناعي تسهم الطاقة النووية في زيادة الإنتاج الصناعي، وتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة لإدارة المصانع، وتستخدم النظائر المشعة في الكشف عن عيوب الصناعة، ومن ذلك كشف التسرب الذي يحدث في الأنابيب الموجودة في الأرض أو في الجدران والتي يصعب الوصول إليها باستخدام ما يسمى بالاختبارات اللاإتلافية (Non destructive testing). كما تستعمل النظائر المشعة في معرفة جودة السبائك التي تدخل في العديد من الصناعات. وتعد النظائر المشعة مصدرا للطاقة الضوئية التي تستخدم في كثير من الأجهزة الصناعية الحديثة. وللطاقة النووية دور مهم في المجال العلمي، فقد فتحت الباب أمام الكثير من العلماء لاكتشاف أمور جديدة في العلم.
العناصر المشعة
تقسم العناصر المشعة إلى قسمين، الأول العناصر ذات العمر القصير التي يتراوح عمرها بين عدة ساعات وعدة أيام، مثل الفلور-18 و اليود-131 والتكنيشيوم-99. وهذه العناصر تستخدم غالبا في تشخيص وعلاج الأمراض الخبيثة. والثاني هو العناصر ذات العمر الطويل التي يصل عمرها إلى آلاف السنين، مثل اليورانيوم-238 والبلوتونيوم-239. ومثل هذه العناصر تؤدي إلى إحداث ضرر كبير في الخلايا الحية نتيجة الآثار التراكمية على المدى البعيد.
كما تقسم النفايات المشعة حسب مستوى النشاط الإشعاعي إلى ثلاثة مستويات، هي: النشاط ذو المستوى المنخفض، وهو الذي يصدر عنه نشاط إشعاعي لا يتجاوز مئة كوري لكل متر مكعب؛ والنشاط ذو المستوى المتوسط، وهو الذي يصدر عنه نشاط إشعاعي لا يزيد على عشرة آلاف كوري لكل متر مكعب؛ والنشاط ذو المستوى العالي، وهو الذي يصدر عنه نشاط إشعاعي يصل إلى عشرة ملايين كوري لكل متر مكعب.
ويمكن معالجة النفايات المشعة ذات المستوى المنخفض والمتوسط بطريقة سهلة وبكفاءة عالية طبقا للحدود المسموح بها دوليا، في حين تتم معالجة النفايات المشعة ذات المستوى المرتفع باستخدام طرق تكنولوجية متخصصة ومعقدة.
التخلص من النفايات المشعة
تعد النفايات بمختلف أنواعها من الملوثات الرئيسية للبيئة، إلا إذا أمكن التخلص منها بطريقة لا تترك آثارا ضارة. وقد تنوعت طرق التخلص منها، وخصوصًا الصناعية، مثل تصريفها في المجاري المائية أو دفنها في مدافن تحفر تحديدا لهذه العملية. وعلى الرغم من أن كمية النفايات الناتجة عن المحطات النووية أقل بكثير من الكمية الناتجة عن المحطات الحرارية التي تعمل بالوقود الأحفوري، فإن النفايات النووية تحتاج إلى إدارة خاصة لعمليات المعالجة والدفن، حتى وإن كانت الكمية قليلة.
ومن المعروف أن معظم النفايات النووية هى من ذات المستوى المنخفض، ويتم تحويلها إلى كتلة صلبة بخلطها مع الأسمنت، ثم وضعها في أسطوانة من الحديد تلقى في مياه لايقل عمقها عن أربعة كيلومترات، وعلى بعد مئة كيلومتر من الشواطئ في أي اتجاه وذلك طبقا للاتفاقيات الدولية. ولاتفي بهذه الشروط إلا المحيطات الكبرى، ولذلك فإنها المستودع العالمي للنفايات النووية. غير أن الاستمرار في هذه الطريقة للتخلص من النفايات المشعة قد يؤدي إلى تغيير الطبيعة الجغرافية لقاع المحيطات، وكذلك احتمال وجود آثار مباشرة على الكائنات الحية فيها.
وتتجلى المشكلة الحقيقية لآثار النفايات النووية في النوع ذي المستوى المرتفع، لذا فإنه يحظى باهتمام أكبر ويحتاج إلى عمليات خاصة للتخلص منه. فعلى سبيل المثال، تتخلص ألمانيا من النفايات النووية ذات المستوى المرتفع بخلطها بالأسمنت، ثم وضعها في أسطوانات من الحديد، ثم تدفن في حفرٍ في الأرض يصل عمقها إلى أربعة كيلومترات، وتحاط بطبقة من أكسيد المغنيسيوم لمنع تآكل أسطوانات الحديد بسرعة بفعل المياه الجوفية. وفي الولايات المتحدة، يتم التخلص من النفايات النووية ذات المستوى المرتفع بالطريقة الموجودة في ألمانيا، غير أن الأسطوانات المعدنية تحاط بطبقة من مخلوط من الطمي والغرانيت والبازلت بدلاً من أكسيد المغنيسيوم.
تنوع النفايات النووية
تتنوع النفايات النووية، فمنها مايمكن الاستغناء عنه نهائيا، في حين يظل بعضها صالحا لإعادة الاستخدام مرة أخرى كوقود بعد معالجته باستخدام تقنيات متقدمة، لذا يجب تخزينها مؤقتا لاستردادها عند الحاجة اليها. وقد وفرت بعض الدول أماكن تسمح بالدفن المؤقت لعدة سنوات في التجاويف الأرضية العميقة المستقرة جيولوجيا. غير أن عدم حل مشكلة دفن الوقود المستهلك بصورة نهائية والاحتفاظ به في موقع المفاعل قد يؤدي إلى ملء تلك المواقع قبل أن ينقضي عمر المفاعل الإنتاجي بسنوات، وهو ما يؤدي إلى غلقه كما حدث في ألمانيا عام 2000.
وتختلف مواقف الدول من حيث معالجة النفايات النووية، فبعض الدول مثل المملكة المتحدة وفرنسا وروسيا واليابان والصين تعيد معالجة تصنيع جزء من النفايات واستعماله كوقود نووي في ما يسمى «دائرة الوقود المغلقة»، في حين تتخلص دول أخرى مثل الولايات المتحدة والسويد وفنلندا من تلك النفايات النووية وتخزنها نهائيا فيما يسمى «دائرة الوقود المفتوحة». وفي فبراير 2002، أصدرت الإدارة الأمريكية أول قرار ببناء مدفن صناعي للنفايات النووية في جبال يوكا، كما بلغ المدفون مؤقتا في الولايات المتحدة حتى عام 2002 نحو 40 ألف طن تزداد سنويا بنحو ألفي طن.
ويؤكد علماء ومشغلو الطاقة النووية أن الخبرة المكتسبة من التعامل مع النفايات النووية تشير إلى أن أماكن التخزين المؤقت، الرطبة والجافة، ستكون قادرة على استيعاب الكميات المتزايدة منها إلى أن يتسنى توفير إمكانات الدفن النهائي لكل النفايات النووية.
أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقد نجحت، بالتعاون مع 28 دولة من الدول الأعضاء فيها، في تطوير نظام دولي لتحديث المفاعلات النووية ودورات الوقود، وهو نظام من شأنه توفير أساليب متقدمة لمساعدة تلك الدول على تقييم واختيار أفضل نظم التطوير والتحديث والتشغيل والأمان للمفاعلات النووية.
وفيما يخص الدول النامية الحديثة العهد بالطاقة النووية، فإن معظمها لم يتخذ موقفا نهائيا للتعامل مع النفايات النووية، انتظارا لما ستسفر عنه الجهود الدولية لتحديد أفضل الوسائل للتخلص منها.