التقاطع بين علم الأحياء وعلم النفس المعرفي
By Muneera Al Yahya
ينطوي علم النفس المعرفي على فهم الانتباه والذاكرة والإدراك والعمليات العقلية المتكاملة الأخرى. وقال الباحث المستقل أحمد كمال: “لا يمكننا دراسة الجانب المعرفي للدماغ البشري من دون دراسة النظام البيولوجي العصبي الذي يدعمه”. وتجدر الإشارة إلى أن أحمد كمال حاصل على جائزة أنور النوري لأفضل أطروحة دكتوراه في التربيةفي العالم العربي لعام 2020 عن أطروحته حول مدى فعالية برنامج Dual–N–Back وهو عبارة عن تدريب ذهني على مستوى احترافي في رفع كفاءة الذاكرة العاملة وأثره على الانتباه لذوي صعوبات التعلم من تلاميذ المرحلة الإعدادية “.تخرج كمال في جامعة المنصورة بدرجة البكالوريوس في تعليم العلوم في قسمي الأحياء والجيولوجيا. وعمل بعد تخرجه في قطاع التعليم ودرَّس طلابًا في مرحلتي الإعدادية والثانوية. ثم حصل على درجة الماجستير في علم النفس التربوي مع تخصص في علم النفس المعرفي.
رأى بفضل خبرته كمعلم وبشكل مباشر الكيفية التي تؤثر بها صعوبات التعلم ومشكلات الانتباه في أداء الطلاب. ودفعه علم النفس المعرفي وما يوفره من نُهج متعددة لاستكشاف هذه الاختلافات، لمواصلة التعليم العالي في هذا المجال.
عن ذلك قال: “عندما التحقت بدورة تحضيرية للماجستير مع الدكتور فتحي الزيات الذي كان رائدًا في العلوم المعرفية، شعرت أنني وجدت شيئًا مفقودًا وتمكنت أخيرًا من سد الفجوة العلمية لدي. … لقد وجدت أخيرًا مجالًا يتقاطع فيه علم الأحياء والتربية وعلم النفس”. عندما قرر نيل الدكتوراه، تابع كمال العمل الذي بدأه في أطروحة الماجستير وتخصص في دراسة مكون مهم من الذاكرة البشرية يعرف بـ ‘الذاكرة العاملة’ التي تعمل على تخزين المعلومات ومعالجتها، وبرهن على ارتباطها الوثيق بالانتباه والذكاء.
يساعد الانتباه الذاكرة العاملة على تلقي المعلومات التي تخزنها وتعالجها ثم تنقلها إلى الذاكرة طويلة الأمد. ثم تترجم رد فعل الذاكرة طويلة الأمد على تلك المعلومات إلى سلوك أو فعل. إضافة إلى ذلك، تتحكم الذاكرة العاملة في مجموعة من الوظائف تسمى الأنظمة الأساسية للمعرفة البشرية، مما يجعلها مركزية لجميع العمليات المعرفية. قال كمال: “إذا أردنا رفع كفاءة أي وظيفة معرفية، يمكننا أن نفعل ذلك من خلال رفع كفاءة الذاكرة العاملة نفسها”.
طور كمال برنامجًا تدريبيًا محوسبًا تكيفيًا يساعد على رفع مستويات الناقل العصبي في الدماغ، ومن ثم زيادة المرونة العصبية وتعزيز الذاكرة مما يرفع بدوره مستوى كفاءة الوظائف المعرفية الأخرى مثل الانتباه الانتقائي. يعمل البرنامج على زيادة المرونة العصبية للدماغ عن طريق رفع مستوى التدريب تدريجيًا اعتمادًا على مستوى أداء المشارك. قبل البدء بالبرنامج التدريبي المحوسب التكيفي الذي يتضمن 20 جلسة على مدار أربعة أسابيع، بدأ كمال باختبار مسبق لتقييم كفاءة الذاكرة العاملة والانتباه لدى عينة من طلاب المرحلة الإبتدائية (الإعدادية في مصر) ممن يعانون أو لا يعانون صعوبات التعلم. بخلاف الدراسات السابقة، بدأ بالمرحلة Mono–N–Back التي يتعرض فيها المشاركون في البداية للمحفز البصري وحده وبعدها للمحفز السمعي إلى أن يتحسن أداؤهم في كل منهما بصورة منفصلة.
بعد التأكد من أن المشاركين صاروا على دراية بكلا النوعين من المحفزات، نُقلوا إلى المرحلة Dual–N–Back وعُرضوا لمحفزات سمعية وبصرية في الوقت نفسه مع إضافة عنصر مشتت للانتباه. يدرب هذا التمرين الدماغ على تركيز الانتباه المطلوب وتجاهل مشتتات الانتباه، ومن ثم يؤدي ذلك إلى زيادة المرونة العصبية وتحسين الأداء. أظهر الاختبار اللاحق تحسنًا بنسبة 20 – 25 % في الذاكرة العاملة والانتباه لدى عينة الطلاب الذين خضعوا للتدريب.
تلك كانت المرة الأولى التي استُخدم فيها البرنامج Dual–N–Back في المنطقة العربية، وبتطبيق أدوات التقييم المحوسبة المصممة خصيصًا، مع أخذ المجتمعات المحلية في الاعتبار. كما روعيت الاختلافات الثقافية والاجتماعية والبيئية عند تحديد اللغة المستخدمة ووقت العرض ووقت الاستجابة للدراسة، وهي خطوة مهمة نحو إثراء البحث العلمي المعرفي باللغة العربية. قال كمال عن حصوله على جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (كيفاس): “كان الفوز بالجائزة علامة اعتراف، وكانت هناك حاجة ماسة له عن العمل الجاد الذي قمت به. لقد جعلني أشعر أن جهودي لم تكن غير مجزية”. حتى الآن ، نشر كمال كتابًا بعنوان: الذاكرة العاملة: بين النظرية والتطبيق. ولديه ورقتان بحثيتان ستنشران قريبًا في مجلة سلوك الدماغ والعلوم المعرفية Journal of Brain Behavior and Cognitive Science. ويأمل الباحث أن يواصل عمله في هذا المجال، وأن يضع هذه المعرفة في متناول قطاع التربية الخاصة والتعليم لذوي الاحتياجات الخاصة.