أبحاث ممولةفنون وعلوم إنسانية

العمل على الاعتراف بالفن العربي الحديث

بقلم بيرل كوتينو

تاريخياً، لم يحصل الفن العربي الحديث على التقدير نفسه مثل فن أمريكا الشمالية أو أوروبا، وقد تحدى العديد من علماء تاريخ الفن ذلك بمن فيهم ندى محسن شبوط.
ولدت ندى شبوط في اسكتلندا لأسرة عراقية فلسطينية، وانتقلت إلى العراق عندما كانت صغيرة وبقيت هناك حتى أنهت المدرسة الثانوية. منح العراق في ثمانينات القرن العشرين إذنًا للسفر والدراسة في الخارج فقط للطلبة الذين اختاروا مجالات الهندسة أو الطب. ونظرًا لشغفها بالفن ولكي تحقق رغبتها في الدراسة في الولايات المتحدة كان عليها أن تجد حلًا يتيح لها الدراسة في الخارج.
وبما أن الهندسة المعمارية كانت تعد ضمن مجال الهندسة، فقد حصلت على درجة جامعية في الهندسة المعمارية بين نيويورك وتكساس، لكنها قررت التحول إلى العلوم الإنسانية مع التركيز على تاريخ الفن في دراساتها العليا. سرعان ما أدركت أن الفن الذي شاهدته في منزل والديها أو أقاربها لم يكن مشمولًا في المواد الدراسية التي تعلمتها. من هنا انطلقت في رحلة لفهم الفن العربي الإسلامي والفن العربي الحديث.
سرعان ما اتضح لها أن الاستشراق كان السبب في أن تاريخ الفن، الذي يُدرَّس في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم، ينظر إلى تطور الفن في العالم العربي على أنه أدنى مقارنة بتطور الفن في العالم الغربي.
فالاستشراق يصور منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بطريقة تبالغ في إظهار الاختلافات بين الشرق والغرب وتشوهها، كما يُقدم المنطقة على أنها متخلفة حضاريًا وخطيرة وغريبة.
وتشير شبوط إلى أنه حتى بعد دخول الفن الإسلامي في الكتب الكبيرة التي رصدت تاريخ الفن Art History Survey Books، وتناولت تطور الأشكال الفنية، فإنها لم تفرد له سوى فصل واحد. بسبب هذا التمثيل غير المتكافئ، تحدى أكاديميون وباحثون هذه الكتب فقاد ذلك إلى إضافة أشكال أخرى من الفن الشرقي. لكن هذا لم يكن كافيا.
لم يعالج الفن غير الغربي على قدم المساواة من حيث الأهمية، وانتقد بكونه فنًا زخرفيًا، على عكس عصر النهضة الذي يمثل الانتقال إلى الحداثة. وتقول شبوط إن هذا نابع من التراث الاستعماري. خلال سعيها لفهم هذه الحجج وتحديها، تقدمت شبوط إلى جامعات مختلفة لدراسة الفن العربي الحديث، لكن مثل هذه المواد لم تكن تُدرس في ذلك الوقت. وكانت تُوجه دائمًا لدراسة الفن الإسلامي، وهو مجال دراسي محدود وإشكالي. الفن الإسلامي هو جزء من دراسات الشرق الأوسط التي تشمل السياسة وعلم الاجتماع.
وهذا هو السبب في أن معظم الدراسات في الفن الحديث والمعاصر وضعها مؤرخون ثقافيون وعلماء الأنثروبولوجيا وليس بالضرورة مؤرخو الفن. ولكن إصرارها على أن تكون في قسم تاريخ الفن الذي يُدرس من وجهة نظر حداثية جعلها من أوائل من فعلوا ذلك.استمرت في الدفاع عن الحاجة إلى فهم الحداثة نسبة إلى بقية العالم بطريقة تتخلى عن الفكرة القائلة بأن الحداثة هي بناء أوروبي، وترى أن الحداثة المرتبطة بالاستعمار هي سبب عدم إعطاء الفن العربي الحديث حق قدره مقارنة بفن أمريكا الشمالية أو الفن الأوروبي.
الحداثة هي حركة في تاريخ الفن كانت بمثابة تحول عن الماضي والبحث المتزامن عن أشكال جديدة للتعبير. تقول شبوط إن العديد من الباحثين يعتقدون أن الحداثة حدثت بسبب الثورة الصناعية والتنوير وما إلى ذلك، مما يجعل الحداثة مفهومًا غربيًا. ويعد بيكاسو مثالًا على فنان جسد هذا الأسلوب.
وتستطرد شبوط قائلة: “إلا أن هذا لا يأخذ في الحسبان أن بيكاسو ليس أوروبيًا غربيًا، فهو إسباني نشأ في الحضارة الإسلامية [في إسبانيا] وفي باريس حيث عاش بيكاسو في عشرينات القرن العشرين، وكان لديه طلبة من مختلف أنحاء العالم، ومن ثم تشكلت الحداثة من خلال التفاعل مع العالم الاستعماري”. وهي تعتقد أن بقية العالم طور شكله الخاص من الحداثة لأن الحداثة كتطور مادي ذات سمة عالمية، وأن التفاعلات والتبادلات كانت تحدث دائمًا ولم يحدث شيء على الإطلاق في مكان واحد. عد فوزها بجائزة الكويت في مجال العلوم الإنسانية (دراسات في الفنون الجميلة والفنون المسرحية والموسيقى) لعام 2020 التي تمنحها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (كيفاس)، لا تنوي تطوير أبحاثها فحسب، بل أيضًا تعزيز الاعتراف بأهمية هذا الموضوع في العالم العربي. وهي تجد مفارقة مفادها أن هذا المجال يُدرس في الولايات المتحدة في حين لم يول الكثير من الاهتمام في العالم العربي. وتأخذ على عاتقها مهمة تغيير ذلك من خلال استثمار وقتها في الدفع قدمًا بهذا المجال من خلال مواصلة بحثها وتدريب الطلبة.

Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button