القاتل الأول في العالم يعالج أشرس الأمراض
Dr. Tarek Kabil
ارتبط استخدام التبغ بالعديد من الأمراض، وهو يعتبر القاتل الأول في العالم؛ إذ أظهرت دراسات منظمة الصحة العالمية أن التبغ يقتل شخصاً كل 6 ثوان في العالم، أي نحو 5 ملايين شخص سنوياً، ولهذا يمكن اعتبار التدخين وباءً عالمياً قاتلاً، يسبب أمراض القلب والسكتة الدماغية وعدة أنواع من السرطان، ولاسيما سرطان الرئة والالتهاب الشعبي المزمن بالرئة، ومشكلات في الأوعية الدموية القلبية والطرفية والدماغية. ويعتبر نبات التبغ المشبوه مخدراً، ويسبب الإدمان لوجود مادة النيكوتين فيه، وهو نبات تحتوي أوراقه على 100 مادة كيميائية سامة، منها 63 مادة مسرطنة، فكيف الأمر إذا تحول هذا النبات إلى نبات وديع وطبي يشفي من أشرس الأمراض التي فتكت بالبشرية وأعيت الأطباء والباحثين، مثل الإيدز والسرطان والإيبولا؟! فضلا عن ذلك، فإن علماء الهندسة الوراثية يعقدون عليه أملاً كبيراً لإنتاج مواد علاجية فعالة ونادرة يحتاج إليها جميع البشر.
ونبات التبغ يتبع جنساً من النباتات في الفصيلة الباذنجانية، ويزرع عادة للحصول على أوراقه التي يصنع منها السجائر والسيجار وغيرهما من المكيفات المعروفة التي تلقى رواجاً كبيراً في العالم. ومما لا شك فيه أن التبغ يعد من أكثر الأشياء التي أثرت في تاريخ البشرية بعد ظهوره في قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية؛ حيث كان السكان الأصليون يستعملونه في الطقوس الدينية والعلاج.
ومع اكتشاف كريستوفر كولمبوس لأمريكا عرف العالم التبغ عن طريقه، حيث أهداه السكان الأصليون التبغ، وبعد فترة جلب البحارة التبغ معهم وهم عائدون إلى أوروبا. ومنذ ذلك الوقت بدأ التبغ بالانتشار في أوروبا، ويرجع سبب انتشاره إلى اعتقاد الأوروبيين أن للتبغ خصائص تساعد على الشفاء من أمراض كثيرة.
النيكوتين النقي
وبمرور السنوات بدأ العديد من العلماء بمعرفة المواد الكيميائية في التبغ وآثاره الخطرة على الصحة، ففي عام 1826 اكتشف النيكوتين النقي، وبعد مدة قصيرة قرر العلماء أن النيكوتين مادة سامة، وفي عام 1836 أقر صامويل غرين أن التبغ سم يمكن أن يقتل الإنسان.
وبدأت السجائر بالانتشار عندما أحضرها الجنود العائدون إلى إنكلترا معهم من الجنود الروس والأتراك. وتفجر استخدام السجائر بكثافة خلال الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) حيث أصبحت تدعى (دخان الجنود).
وفي خلال الحرب العالمية الثانية تزايدت مبيعات السجائر بشكل كبير، وأصبحت بالنسبة للجنود مثل الطعام، وقامت شركات التبغ بإرسال ملايين السجائر المجانية للجنود، وعندما عادوا إلى أوطانهم أصبح لدى هذه الشركات قاعدة كبيرة من المدخنين.
التبغ والتقنيات الحيوية
لنبات التبغ تاريخ طويل في علوم النبات، ويعتبر فيروس تبرقش التبغ أول الفيروسات المكتشفة في تاريخ العلم، فقد تم اكتشافه في عام 1930، وهو من أكثر الفيروسات انتشاراً في العالم. وفي عام 1948 تمكن العلماء من السيطرة على تكوين الجذور والسيقان في مزارع أنسجة التبغ، وذلك عن طريق استعمال بعض المواد الكيميائية التي أصبحت تعرف فيما بعد بمنظمات النمو، وهو ما أدى إلى ثورة في الزراعة النسيجية النباتية والتقنيات الحيوية.
وجرت محاولات التجارب الميدانية لإنتاج النباتات المعدلة وراثياً في فرنسا والولايات المتحدة في عام 1986، حيث تمت هندسة نباتات التبغ بغرض جعلها مقاومة لمبيدات الأعشاب. وفي عام 1994 وافق الاتحاد الأوروبي على التبغ المهندس وراثياً ليكون مقاوماً لمبيد الأعشاب (برومينال)، ما يجعله أول محصول مهندس جينياً في أوروبا. وأظهرت مجموعة العالم (ڤويتاس) بالفعل أن نباتات التبغ يمكن تعديلها باستعمال (نوكلياز) أصابع الزنك، بحيث تصبح مقاوِمة لمبيدات الأعشاب.
وقام الباحثون بمعهد (بوليتكنيك) الوطني للأبحاث والدراسات المتقدمة (بإربواتو) بالمكسيك، بهندسة نباتات التبغ جينياً؛ لاستقلاب الفوسفات، إضافة إلى (الأورثوفوسفات) الموجود في الأسمدة القياسية. وعند توفر الفوسفات، احتاجت النباتات المتحولة جينياً إلى فوسفور أقل بنسبة تراوح بين %30 و%50؛ لتنتج نفس الكتلة الحيوية التي أنتجت في وجود الأورثوفوسفات.
ونجح باحثون أمريكيون في التوصل إلى طريقة لزيادة كميات الزيت المنتجة في أوراق التبغ، وهو ما قد يُبشر بإمكانية استخدام هذا النبات في إنتاج الوقود الحيوي. وفي عام 2010 حوّرت مجموعة باحثين نبات التبغ؛ ليعطي وهجاً خافتاً باستخدام جينات بكتيرية؛ حين أضاف العلماء جين ترميز إنزيم (لوسيفريز) اليراع إلى نبات التبغ، الذي أضاء وقتياً عند رَشِّه بمادة الركيزة الكيميائية (لوسيفرين).
وحديثاً أدخل الباحثون إنزيم (روبيسكو) فعالا من الطحالب إلى نباتات التبغ، وهو إنزيم رئيسي لاستيعاب (لتمثيل) غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي يعد هدفاً مهماً للجهود الرامية إلى تحسين كفاءة البناء (التمثيل) الضوئي للنباتات.
تبغ المستقبل
أدت البحوث السابقة إلى التعرف إلى إمكانية هندسة تبغ المستقبل وراثياً، وعدلت من طبيعته، لذا ربما يقدم التبغ الجديد للمدخن سيجارة آمنة، لكنها ستكون محتفظة بكامل نكهتها الطبيعية، حيث تمكن علماء البيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية بعد بحث استمر نحو 15 عاماً من تقليل نسبة القطران بمعدل %20 بعد تطعيم نبتة التبغ بموروثات منقولة من الفئران. كما تم تطعيم التبغ بموروثة تحضه على إنتاج بروتين يستخدم في علاج بعض الحالات العصبية. واستطاع الفرنسي لوبيك فاي أن ينتج من النبات نفسه بروتيناً بشرياً يصلح في حالات نقل الدم، ثم تمكن مواطنه مايكل ماردين مع فريق كبير من العلماء من إنتاج هيموغلوبين صنعي من النبات نفسه، أثبت فعالية كبيرة، ولم يؤد وظيفته الطبيعية بكفاءة تامة فقط؛ بل تفوق على مثيله المنقول من البشر أنفسهم أو الحيوانات لخلوه من الأمراض ولنقائه التام وعدم تلوثه بمسببات مرضية .
وعلى ما يبدو فإنه آن الأوان للتبغ لأن يتخلص من سمعته السيئة التي تلاحقه بين البشر، ولاسيما الخبراء العاملون في مجال الصحة. فحديثا عدل فريقان علميان نبات التبغ لإنتاج كمية كبيرة من البروتينات التي يمكنها أن تمنع انتقال الإيدز (فيروس نقص المناعة المكتسبة البشري)، مما يرفع من احتمال التسويق التجاري للأدوية القائمة على هذا البروتين في أقرب وقت ممكن.
ويتميز البروتين الناتج من التبغ أيضاً بأن له ميزة إضافية مقارنة بغيره من المبيدات الميكروبية، وهي أنه لا يحفز الخلايا اللمفاوية. إضافة إلى ذلك، يتحمل هذا البروتين درجات الحرارة العالية، وهي ميزة إضافية قد توفر الكثير من الفوائد لعمليتي الشحن والتخزين في المناطق التي تفتقر إلى الموارد، ولا يوجد فيها وسائل التبريد، كالمناطق الإفريقية.