الروبوتات الطبية مباضع الجراحة والجمال
م. محمد القطان
لطالما حلم الأطباء بالاستعانة بأجهزة وأدوات دقيقة تساعدهم على عمليات الجراحة الدقيقة والمرهقة، وتعينهم على الوصول إلى أمكنة صعبة في جسم الإنسان، مع إجراء عدد من العمليات في آن معا، بهدف التخفيف من الأعباء عليهم، وتحقيق نتائج باهرة في العمليات الجراحية المتنوعة.
وقد أسهمت التطورات العلمية المتسارعة في تطور تلك الأجهزة المستخدمة في العمليات، وبصورة خاصة الروبوتات (الإنسان الآلي)، حيث أصبح الجراحون يرون المناطق التي يجرون لها العمليات الجراحية بأبعادها الثلاثة ويدققون في تفاصيلها العديدة، ويستطيعون التمييز بين ما تحويه من أعصاب وأوعية دموية وشعرية دقيقة، ومن ثم الإسراع في عمليات البرء والشفاء والحد من التكاليف المادية.
استخدامات متطورة
أدت الاستخدامات المتطورة للروبوتات في المجال الطبي إلى نتائج عديدة، انعكست على الطبيب والمريض من جهة، والنواحي الاقتصادية والاجتماعية والنفسية من جهة أخرى؛ فقد أدت إلى تقليل فترة النقاهة، وتخفيف درجات الألم واستخدام الأدوية المختلفة، وزيادة نجاح العمليات الدقيقة، وسرعة خروج المرضى من المستشفيات، وتخفيف الإنفاق الحكومي على الرعاية الطبية، وتحسين الحالة النفسية والمزاجية للمرضى، والحد من الأخطاء الطبية.
وأحدث التطورات العلمية في مجال الروبوتات الطبية تتضمن استخدام روبوتات النانوتكنولوجي، وهي روبوتات متناهية في الصغر تدخل أجسام المرضى وتؤدي عملها من الداخل من دون حاجة إلى إجراء عمليات شق للمرضى أو إفقادهم للوعي. وهذا الجيل من الروبوتات الطبية سيدخل إلى أجسام المرضى من خلال الآذان أو العيون أو الأجهزة التنفسية لتجري العمليات الجراحية المناسبة وتطرح الدواء المناسب، وتأخذ عينات من النسج المختلفة.
الجراحات المغلقة
يمكن للروبوتات إجراء عمليات جراحية عديدة عن طريق تنظير البطن، ومن ثم فإن كل الجراحات التي يعرفها العامة باسم الجراحات المغلقة يمكن إجراؤها بالروبوت. وهذه العمليات تشمل عدداً كبيراً من الجراحات، من جراحة البروستاتا إلى جراحة القلب والأوعية الدموية، ومن جراحة المرارة إلى جراحات النسائية والتوليد.
وهنالك جراحة رائجة حاليا تسمى (الجراحة القليلة التوسع) تستهدف إتمام الجراحة الضرورية لصحة وسلامة المريض مع الحفاظ على الأنسجة المجاورة دون إضرار، وهذا أمر مهم جداً لصحة المريض، ولنجاح الجراحة وتقليل الآثار الجانبية.
وعلى سبيل المثال فإن الجراح يفتح عادة فتحة طولها بضعة سنتيمترات في بطن مريض ما، يعاني ورماً في معدته أو أمعائه ليُدخِل منها روبوتاً بالغ الصغر مزوداً بكاميرا، فيجوب أحشاء المريض وفق رغبة الطبيب الذي يتحكم فيه. واستناداً إلى الصور الملتقطة، المرسلة إلى شاشة خارجية كبيرة، وإثر اكتشاف مكان الورم ينشط الجراح مجرفة بالغة الصغر يخرجها من الروبوت، وبإجراء بضع مناورات دقيقة يوجهه إلى كشط الورم ثم يعيد المجرفة إلى مكانها، ويخرج الروبوت من جسم المريض ويرسل الورم المستأصل إلى المختبرات لدراسته مجهرياً، فيما يعود المريض إلى منزله في ذات اليوم.
فضلا عن ذلك صار الروبوت يستخدم في عمليات التجميل المتنوعة التي يرغب في إجرائها الرجال والنساء على حد سواء، بما في ذلك تجميل البشرة وزراعة الشعر وعمليات نحت الجسم وإزالة الترهلات وشد الجسم.
نظام دافينشي الجراحي
من أشهر النظم الروبوتية التي اشتهر تطبيقها في العالم ( نظام دافينشي الجراحي) الذي يعتمد على استخدام الروبوتات في العمليات الجراحية ويستفيد منه الأطباء استفادة كبيرة في التشخيص والمعالجة، وتم بواسطته إجراء أول عملية جراحية في 1999.
ففي الولايات المتحدة تمتلك معظم المستشفيات ( نظام دافينشي الجراحي)، ويخضع نحو مليون مريض للعمليات الجراحية الروبوتية حاليا، لاسيما بعد أن أقرت وكالة الغذاء والدواء الأمريكية استخدام الروبوت دافينشي في إجراءات مختلفة بدءا من الجراحة القلبية التجسيرية وحتى جراحة حرقة المعدة.
وتجري الروبوتات حالياً 10 % من جراحات استئصال سرطان البروستات وهذه النسبة في ارتفاع مستمر. وتم تطوير روبوتات دافينشي لتسمح للأطباء بإجراء عمليات جراحية عن بعد لرواد الفضاء والجنود في ساحات القتال.
وبالنسبة للجراحين، تعتبر هذه الروبوتات نتيجة طبيعية لتطور ما يعرف بجراحة الشق الصغير، التي تشتمل على استخدام كاميرات وأدوات جراحية مثبتة في أنبوب طويل يسمح للجراحين بإجراء العملية داخل الجسم عبر شقوق صغيرة من دون الحاجة إلى فتح البطن والصدر. ويتمثل الفارق الأساسي بين جراحة الشق الصغير التقليدية وجراحة الروبوت دافنشي في أن الروبوت هو الذي يحمل الكاميرا والأدوات الجراحية، وهذا يساعد الجراح على العمل بارتياح دون تعرضه للتعب أو ارتعاش يديه مع إتاحة رؤية واضحة لمكان العملية.
في الأعوام الأخيرة تطورت الروبوتات تطورا كبيرا ودخلت في كثير من المجالات التي كانت حكرا على الإنسان. فأصبحت من الدقة والمظهر الخارجي كما الإنسان بالشكل بحيث لاتشعر بها أنها آلة تتحرك وفق البرمجة التي ضبطت عليها. وأصبح مألوفا ببعض الأمكنة أن يستقبلك الروبوت ويرحب بك.
و هذه الطفرة في التطور المذهل للروبوتات يتوقع استمرارها مع التطور الهائل الذي تشهده العلوم لاسيما في مجال الحواسيب والذكاء الصنعي.