الأسنان الصناعية عبر التاريخ
داوود سليمان الشراد
لطالما عانى الإنسان من آلام الأسنان، وسعى إلى علاجها والتخفيف منها، واستخدم لذلك وسائل عدة، وحاول وضع بدائل في حال فقدانها، أو تلفها. وتاريخ تطور بدائل للأسنان حافل بالأحداث، عبر مسيرة شاركت فيها معظم الحضارات، وأسهم فيها أشخاص عديدون. إن محاولات صناعة أسنان بديلة كانت محدودة وتعتمد على عاج الفيلة أو وحيد القرن، أو الذهب والعقيق، أو حتى على أسنان الموتى من الناس، أو أسنان يشتريها الأثرياء من الفقراء، وكانت هذه تربط أحيانا بالأسنان السليمة بخيوط من الحرير، وتنزع قبل تناول الطعام.
فلقد استخدم الهنود الحمر في أمريكا الجنوبية معدن الذهب في حشو الأسنان، وإعادة زرعها. وعثر العلماء في المكسيك على مومياء عمرها نحو 4500 سنة لها طقم أسنان صناعية بدائي. وعرفت قبائل المايا Maya قبل نحو 2500 ق.م زراعة الأسنان الصناعية.
وسعى الفراعنة قبل نحو 2500 ق.م لتثبيت وربط الأسنان بمحيط السن باستخدام رباط مصنوع من الذهب، وبرعوا في تركيب أسنان مصدرها الحيوانات، أو نماذج منحوتة من العاج، وشاع بينهم زرع الأسنان مع المتوفى، لأهميتها له في حياته بعد الموت، وعثر على مومياءات احتوت جماجمها أسنانا ذهبية.
جهود أولية
وتظهر بعض الدراسات أن عام 800 ق.م شهد أول عملية لزراعة الأسنان باستعمال حجارة قاسية، وذلك في هندوراس. ولعل عينة الفك السفلي لأحد أفراد المايا بهندوراس، هي أول دليل موثق على عملية الاندماج العظمى التي حدثت في نحو 600 ق.م. وقد عثر عليها علماء الآثار في عام 1931، أثناء عملهم في مناطق شعب المايا.
ويبدو أن استخدام أطقم الأسنان الصناعية يعود إلى ما بين عامي 700 – 500 ق.م، حينما صنع سكان مدينة اتروري بشمالي إيطاليا أطقم أسنان صناعية من أسنان البشر، أو من أسنان الحيوانات، وتم تثبيتها باستخدام سبائك من الذهب، إلا أن تلك العمليات باءت سريعا بالفشل.
وينسب إلى أبقراط اليوناني (460 – 377 ق.م) بحث في علاج الأسنان، ويرجع الفضل لليونانيين في تجهيز سائل لتنظيف الأسنان من رماد الأرنب والبري والفأر، ومسحوق كلسي من الرخام. وبرع الرومان في العناية بالأسنان، واستخدموا في عام 160م التيجان الذهبية لتلبيس الأسنان. وتمكن عدد من المبتكرين في نحو 300 ق.م من صناعة أسنان من العاج على شكل منثن للخارج، ثم تبيتها بأسلاك من ذهب لصناعة جسر ثابت.
وفي عام 1862 عُثر في مدينة صيدا اللبنانية على جهاز تركيب أسنان يعود إلى عام 200 ق.م يتكون من أربع أسنان أمامية، فيها اثنان من العاج مربوطان بسلك من الذهب. واستخدم الصينيون أول حشوة مكونة من الفضة نحو عام 900 م.
العصور الوسطى
كان طب الأسنان في بعض الدول بالعصور الوسطى يقتصر على اقتلاع السن المتسوسة. وكان تركيب الأسنان متوافرا في منتصف القرن الخامس عشر من عظام منحوتة، أو أسنان بشرية سرقت من القتلى في المعارك. وقد اقتلعت أسنان 5000 جندي ممن قتلوا في معركة واترلو في عام 1815. وظلت تلك الطريقة متبعة حتى ستينيات القرن التاسع عشر.
واستخدم الطبيب السويسري باراسيلس (1541 – 1493) في عام 1500 مادة الطَبْرَخِيّ أو الكوتابركا Gutta -percha، في المعالجة اللبية، التي تحضر من مادة لدائنية حرارية، تمتاز بقساوتها، ومصدرها إفرازات لبنية latex متخثرة من شجرة آسيوية.
وعثر في معبد ياباني على طقم أسنان صنع من الخشب استعمله أحد الأشخاص نحو عام 1538 م. واستمر استعمال الأسنان الخشبية في اليابان حتى حكم الامبراطور فيجي (1852 – 1912).
أطقم الأسنان الخزفية
صنع الفرنسي دوشاتو (Duchateau 1792 – 1714) في نحو عام 1774، أول طقم أسنان خزفي. وفي عام 1791 منح الطبيب الفرنسي شوما
(Chemant 1824-1753)، براءة اختراع بريطانية لوضعه «مواصفات شوما»، التي اشتملت على دوافع الأسنان الصناعية، ولإجرائه عمليات التثبيت، واللصق المتشابه، بأساليب فعالة، وظهور الأسنان بدرجات لدنية مطلوبة، أو شديدة، وتبقى محافظة على ذلك طوال الزمن، وبما يماثل الأسنان الطبيعية. وقد بدأ ببيع منتجه في عام 1792.
وفي عام 1808 صمم الإيطالي فونزي أول سن من الخزف، وثبتها بمسمار من البلاتين، بعد أت سئم من استعمال أسنان منزوعة من جثث الموتى. وعمد ماجيلو Maggilo في عام 1809 إلى زرع قطعة ذهب في موضع ضرس مخلوع، وترك الأنسجة لتلتئم، وعمل فيما بعد على تثبيت تاج صناعي. ونجح صائغ الذهب الإنجليزي أش (1792 – 1854) في عام 1820 في لندن، في صنع أطقم صناعية عالية الجودة من الخزف، مثبتة في ألواح من الذهب عيار 18 قيراطا.
محاولات بالذهب والخزف
وأجرى رنغلمات Ringelmann في عام 1824، محاولتين لزرع الأسنان، الأولى كانت في الفك العلوي بزرع سن كلب وتثبيتها بأسلاك من الذهب. والثانية بزرع أسنان لها جذور ذهبية، وتثبيتها في موضع قلع السن مباشرة، لكن العمليتين فشلتا.
واكتشف الأمريكي غوديير (Goodyear 1860 – 1800) في عام 1839، نوعا من المطاط المرن المعالج بالكبريت، واستخدمه في جمع أسنان طقم كامل. ونجح هاريس Harris في عام 1887 بزرع ضرس من الخزف على جذر من الرصاص ويعد الأمريكي غرين فيلد أول من أثبت عملية زراعة الأسنان Dental implant في المراجع والمصادر العلمية الحديثة، في عام 1913، وذلك من خلال الصور والرسوم التوضيحية.
وفي عام 1937 طبق الطبيب مولر نوع الزرعة تحت السمحاق. وكان ستروك أول من زرع في عام 1939 لولبا في العظم للتعويض عن سن مقلوعة. وبدأ ستروك التجارب العملية على الكلاب لاختبار تفاعل الأنسجة مع تلك الزرعات، مما وفر البراهين الأولية على الاندماج العظمي.
وفي عام 1943 طور الطبيب دال Dahl نوع الزرع تحت السمحاق، ثم طبق الزرع تحت الغشاء المخاطي، وذلك بزرع قطعة بشكل الزر تحت الغشاء المخاطي لقبة الحنك، واستفاد منها لتثبيت صفيحة علوية كاملة الأسنان، غير أن الآراء أجمعت على فشل تلك الطريقة.
السويدي أبو زراعة الأسنان
صنع فورميغيني Formiggini في عام 1947، زرعة لولبية من الفولاذ الذي لا يصدأ. وتوصل العالم السويدي مارك Mark عام 1951 – الذي يعد أبا زراعة الأسنان – مصادفة إلى إمكان زراعة لولب من معدن التيتانيوم الخفيف في العظم، ثم تبين له حدوث الاندماج العظمي. وأجرى تجارب على الحيوانات والبشر استمرت نحو 15 عاما. وفي عام 1965 أجرى أول عملية ناجحة على مريض سويدي عديم الأسنان. وفي عام 1962 نجح الطبيب الفرنسي تشرتشف chercheve بزرع لولب من سبيكة معدنية من الكروم والكوبالت والتيتان في أحد المرضى.
وكان للزرعات داخل العظم عدد من العيوب،، ولعل ذلك ما دفع لينكوف linkow لصنع شفرات من معدن التيتان، في عام 1966، اسمها الزرعة الانبساطية. ويعتبر لينكوف جد زراعة الأسنان الحديثة. وأضاف هاينرليش إلى تلك الزرعة عام 1976 خطاطيف جانبية تجعلها خليطا من الزرعات في العظم، وتحت السمحاق. وفي عام 1978 ظهر علم زراعة الأسنان للمرة الأولى في مؤتمر بجامعة هارفارد. ثم شهدت زراعة الأسنان في السنوات الأخيرة تطورا كبيرا، وما زالت المؤتمرات تتحفنا كل أشهر بابتكار جديد في هذا المجال الذي ساهم في الحد من معاناة ملايين البشر.