10 دروس تعلمناها من إيبولا
د. إسلام حسين
سيظل عام 2014 مرتبطاً في الذاكرة الإنسانية بأسوأ وباء لفيروس الإيبولا شهدته البشرية منذ اكتشاف الفيروس في أواخر السبعينيات. حيث بدأ هذا الوباء في شهر ديسمبر 2013 بوفاة طفل يبلغ من العمر عامين في قرية ميلياندو الصغيرة التي تقع في جنوب شرقي غينيا قرب حدودها مع سيراليون وليبيريا، ومن خلال هذه الحدود المسامية انتشر المرض إلى هاتين الدولتين المجاورتين.
تعدى عدد الحالات المصابة بإيبولا التي سجلتها منظمة الصحة العالمية 20 ألف حالة، توفي ما بين ثلث إلى نصف هذا العدد، ويُعتقد أن هذه الإحصائيات لا تعكس الأعداد الحقيقية التي من المُتوقع أن تكون أعلى من الأعداد المُعلنة رسمياً.
وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة للسيطرة على هذا الوباء، فإنه – يا للأسف – لا توجد حتى الآن علامات تبشر بأنه في طريقه للانحسار قريباً، ومن المُتوقع أن يستمر معنا خلال عام 2015 على الأقل.
وبينما نحن حاليا في منتصف عام 2015 ، فأعتقد أنه حان الوقت لكي نستخلص أهم الدروس التي تعلمناها من إيبولا خلال العام الماضي.
وبنظرة تأملية على هذه الدروس العشرة التي سوف أسردها عليكم، نستطيع أن نبني تصوراً واقعياً لما قد ينتظرنا في عامنا الحالي.
1 – لغة الجغرافيا
تعلمنا أن الفيروسات لا تعرف لغة الحدود الجغرافية. ولم يكن هذا درساً جديداً لكن كان تجربة عملية تأكيدية ذكرتنا أننا نعيش في عالم صغير جداً، فالفيروس الذي تفشى في غربي إفريقيا وجد طريقة يتسلل بها إلى أوروبا وأمريكا على الرغم من كل الاحتياطات التي اتخذتها الدول في القارتين.
وعلى ذلك، فمع غياب أي دليل يؤكد أن منحنى الوباء شرع في الانخفاض، فلابد أن نستعد لاحتمال انتشاره إلى دول أخرى.
2 – مشكلة الفقر
تعلمنا أن الفقر مشكلة عالمية لا تخص الدول الفقيرة وحدها، وأنه لن يكون هناك وسيلة تمكننا من القضاء على وباء إيبولا الحالي وتجنبنا أي وباء مستقبلي دون علاج الفقر.
فقد كانت البنية التحتية الصحية الضعيفة لدول غربي إفريقيا المصابة، وقلة عدد الأطباء المدربين من أهم العوامل التي ساعدت هذا الوباء على الخروج عن السيطرة.
وقد اتخذت دول الغرب الغنية خطوات كثيرة نحو تحسين هذه الأوضاع بتوفير المساعدات الطبية، وأعتقد أننا بحاجة إلى المزيد من تضافر جهود المجتمع العالمي بكامله لاستكمال مسيرة السيطرة على هذا الوباء في عام 2015.
3 – مشكلات إنسانية
تعلمنا أن الأوبئة الفيروسية بحجم وباء إيبولا الحالي لا تأتي بمشكلات صحية فقط، ولكن يصحبها أيضاً مشكلات إنسانية واقتصادية لا تقل تعقيداً. فأعداد الوفيات التي تظهر في الإحصائيات الدورية تخفي أعداداً لأطفال يتامى ربما لا يجدون من يعتني بهم، كما تعاني المنطقة الموبوءة من خسائر اقتصادية تهدد بفناء هذه الدول. فقد قدر البنك الدولي خسارة دول غربي إفريقيا المصابة بـ359 مليون دولار في عام 2014، ومن المُتوقع أن تزيد إلى 32.6 مليار دولار في 2015 إذا لم تتم السيطرة على الوباء.
4 – الاستجابة المتأخرة
تعلمنا أن التأخر في الاستجابة لهذا الوباء كلفنا الكثير. فعلى الرغم من وجود إيبولا على رادار منظمة الصحة العالمية منذ شهر مارس العام الماضي، فإن استجابة المجتمع الدولي المكثفة لم تبدأ حتى أواخر شهر أغسطس الماضي. ولو أن هذه الاستجابة بدأت في وقت مبكر، لكانت أمامنا فرصة لخفض معدلات الإصابة بشكل كبير.
5 – الاستعداد
تعلمنا أن فيروس الإيبولا يمكن هزيمته عن طريق الاستعداد، ورفع حالة التأهب لدى أنظمة الرعاية الصحية، مما يمكنها من التعامل السريع مع أي حالة مصابة، والتتبع الدقيق لكل الحالات المحتملة.
على سبيل المثال، شاهدنا جميعاً إيبولا يهبط على الأراضي الأمريكية والإسبانية، لكن دائرة العدوى لم تتسع لتتحول إلى وباء نتيجة للاستجابة السريعة وتوفير الرعاية الصحية للحالات المصابة في مستشفيات مجهزة بوحدات عزل جيدة.
بمعنى آخر، هزيمة إيبولا لا تحتاج إلى أجهزة طبية شديدة التعقيد، لكن إلى تطبيق صارم لإجراءات السيطرة على العدوى داخل المستشفيات وخارجها.
6 – تطوير اللقاحات
تعلمنا أن تطوير الأدوية و اللقاحات المطلوبة لمكافحة الأوبئة الفيروسية القاتلة يجب ألا يكون تحت رحمة المصالح التجارية للشركات العملاقة فقط، ولابد من تفعيل دور الحكومات والمنظمات العالمية في توفير هذه المنتجات الاستراتيجية أو على الأقل دفع عجلة تطويرها. فقد استيقظ العالم بعد تفشي إيبولا على الحقيقة المُرة المتمثلة في أننا نفتقر إلى أي أداة علاجية أو وقائية لمكافحة هذا الوباء.
استجابت بعض الحكومات والشركات الكبيرة بالتسريع من مراحل تقييم بعض الأدوية واللقاحات التي كانت ما تزال في أطوارها التجريبية الأولى. وكان من أهم الإنجازات البحثية التي شهدناها في عام 2014 النتائج المبشرة لعقار ZMapp في حيوانات التجارب، والنتائج الإيجابية لمرحلة الاختبارات السريرية الأولى للقاح المُهندَس وراثياً الذي يتعاون في تطويره مركز الصحة القومي الأمريكي مع شركة غلاكسو سميث كلاين البريطانية. ومن المُتوقع أن تستمر مراحل التقييم لهذه المنتجات بإيقاع أسرع خلال العام الجاري، لكن فرصة توافرها في الأسواق قبل نهاية 2015 ضعيفة نظراً لوجوب حصولها على موافقات الجهات الرقابية قبل طرحها للاستخدام البشري، وغالباً ما تستغرق هذه الإجراءات وقتاً طويلاً.
7 -خط الدفاع الأول
تعلمنا أن الأطباء هم خط دفاعنا الأول ضد إيبولا، وأن المنظمات غير الحكومية (كمنظمة أطباء بلا حدود) تقوم بدور إنساني لا يمكن الاستغناء عنه في مكافحة الوباء الحالي، و من ثم لابد من اتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تسهل لهم القيام بمهمتهم في الدول النامية. وتقديراً للدور البطولي الذي تقوم به منظمة أطباء بلا حدود فقد تم اختيارها كأحد ممثلي شخصية عام 2014 في الاستفتاء السنوي لمجلة تايم الأمريكية.
8 – حل مناسب
تعلمنا أنه لا يوجد حل واحد يناسب الجميع، ومن ثم لابد أن تعتمد أي خطة لمكافحة إيبولا على دراية تامة بالعادات والثقافات المحلية للشعوب المصابة.
وأحد أهم الأمثلة على هذا الدرس هو طقوس الدفن التي كانت تقتضي الاحتكاك المباشر بجثة المريض المتوفى مما تسبب في نحو
20 % من حالات الإصابة. وتصحيح مثل هذه المفاهيم قد يتطلب مساعدة أشخاص ذوي تأثير مجتمعي كرجال الدين ومنظمات العمل المدني.
9 – الدور الحيوي للإعلام
تعلمنا أن للإعلام دورا حيويا في محاربة الجهل ونشر التوعية السليمة بالمرض و أعراضه وطرق تجنب العدوى، دون أي تهويل أو إثارة لمشاعر الخوف لدى المواطن العادي.
وتجلى هذا الدور في قصة نجاح نيجيريا الرائعة في القضاء على إيبولا؛ إذ وظفت وسائل الإعلام الجماهيري والتواصل الاجتماعي بشكل جيد لنشر الوعي مما ساهم في السيطرة على المرض.
10 – المزيد من التعلم
تعلمنا أننا بحاجة لأن نتعلم أكثر عن إيبولا، وأعتقد أن عام 2015 سيكون حافلاً بمزيد من الإنجازات العلمية التي ستساعد البشرية على التغلب على إيبولا.