ترجمة: محمد الدنيا
رصد حالة الطقس السائدة في أمكنة أخرى من أجل فهم أفضل للطقس المخيم هنا هو مبدأ بالنسبة لعلماء مناخ الكواكب؛ لأنَّ الظروف المناخية الشائعة فيها، سواء تعلق ذلك بكواكب مثل الزهرة أو المريخ أو زحل، أو حتى بأقمار كواكب مثل «تريتون» قمر نبتون؛ تشكل معلومات تتيح تدقيق نماذج كوكبنا المناخية.
ويعيش اختصاصيو المناخ والأرصاد الجوية اليوم وضعاً خاصاً جداً، فهم موجودون في كل مكان، أقدامهم على الأرض ورؤوسهم في السحب وعيونهم صوب الكواكب الأخرى. يركزون اهتمامهم على تلافيف جو الأرض، موجهين أنظارهم في الوقت نفسه نحو مقاطعات بعيدة، ككوكبي الزهرة وزحل وتريتون.. إلى درجة تلاشي معالم حدود اختصاصاتهم، فبتنا لا نعرف جيداً هل هم علماء مناخ أم علماء فلك.
كانت الأرض، حتى هذا الحين، هي التي تشكل الأساس في تفسير شذوذات الأجرام السماوية وغرابة أشيائها، وكان علماء الفلك يستعينون بنماذج علماء المناخ. إلا أن اضطرابات مناخات الكواكب الأخرى وأقمارها هي الأمر المهم الآن بالنسبة لعلماء مناخ الكواكب والأجسام السماوية هؤلاء، في سعيهم إلى فهم اعتدال الأحوال الجوية السائدة في الكوكب الأزرق. ويرون في ذلك السبيل الوحيد لتجاوز الحالات الخاصة، وبلوغ الهدف النهائي، أي النموذج المناخي الكوكبي الشامل، الذي باتوا يرون أنه وحده الذي يمكنه توقع مستقبل الأرض.
لكن أقدامهم لا تزال على الأرض؛ لأن النماذج المناخية الحالية لا تأخذ بحسبانها مؤثراتٍ متنامية التعقيد، ولم تنجح شبكات رصد العلماء المتزايدة الدقة في استكشاف أصغر إعصار في أصغر تفاصيله، إذ إنها مطورة على قياس الأرض ومن أجلها وحدها وانطلاقاً منها. ثم إن هذه المحدودية هي التي تدفع بعض الأشخاص إلى الشك بوجود احترار بشري المنشأ، وكيف يمكن الوثوق بصلاح نموذج مناخي موضوع أصلاً لوصف حالة خاصة؟ لكن محدودية الوصف هذه جوهرية ضمن سياق ارتفاع حرارة الكرة الأرضية.
المنهجيات التطبيقية
ولإجراء توقعات بخصوص بيئة مختلفة، يجب أن تتخلص النماذج من المنهجيات المعروفة بأنها زائدة الصفة التطبيقية، الآتية من عمليات الرصد الحالية، وأن ترتكز على معادلات فيزيائية شاملة. إذاً، من المفيد أن نطبقها على كواكب أخرى أيضاً غير الأرض كي تكون ذات صلاحية، كما يقرر عالم المناخ الفرنسي فرانسوا فورجيه من مختبر الأرصاد الجوية الديناميكية في باريس.
وفي الواقع، فإن وجهة النظر هذه تؤكدها كميات كبيرة من القياسات التي جمعتها، منذ ثلاثين سنة، عشراتُ المسابير الفضائية التي رصدت أجواء المجموعة الشمسية الأخرى، بأدق التفاصيل. وقد اعتمدها علماء المناخ لتطبيقها على الكواكب المجاورة للأرض، وفق منهجية صارمة، ووضع نموذج آخر بالحدود القصوى حول ظاهرة يصعب تقييم أثرها، ودمجها بعد ذلك، كشرط أولي، في النموذج المناخي، ثم البدء بعمليات مقارنة.
إنَّ منظومة الأرض معقدة جداً، ويمكن أن يكون تأثير كل ظاهرة عن غيرها صعباً جداً. قد تكون ظاهرة ما هي السائدة في أحد الكواكب الأخرى، وبالتالي يمكن فهمها بشكل أفضل، ثمَّ العودة إلى تطبيق ما فهمناه على الأرض. وقد يؤدي هذا العمل إلى الكشف عن عناصر كانت تهمَل في النمذجة، أو عن نظريات دأبت على التبسيط أكثر مما ينبغي، حسب عبارة آني مآتانن، عالمة المناخ في مختبر الأجواء الفضائية وأوساطها ورصدها في غويانكور بفرنسا.
وهكذا، يتفحص علماء مناخ الأجرام السماوية الأعاصير التي تلتف وتدور على أرض المريخ، بهدف فهم نشوء سُحُبنا الأرضية بشكل أفضل، ويتحسسون الكتل الجليدية العائمة على تريتون كي يتنبؤوا بالتبخر المستقبلي لذرى كوكبنا الجليدية، ويغوصون في جحيم جو كوكب الزهرة من أجل تقييم تكوُّن طبقات جونا، ويدورون حول كوكب زحل لفهم دوامة قطب الأرض الجنوبي، ويركبون مياه أنهار تيتان، قمر زحل، لاختبار دورة مياه كوكبنا الأزرق.
بدء ظهور النتائج
يقول فرانسوا فورجيه «لقد عبّر عالم الكواكب الشهير بيل هارتمان أخيراً عن إعجابه بقدرة النماذج المناخية في توقع تشكُّل حقول جليدية مريخية. ويمكن تطبيق النموذج نفسه على المريخ وعلى الأرض، وهذا يدل على أنه واقعي». وعلى العكس، «اكتشفنا أنَّ نظرية التكثُّف، التي غالباً ما استخدمت لمحاكاة السحب على الأرض، ليست قابلة للتطبيق على سحب ثاني أكسيد الكربون المريخية. ويشير ذلك إلى أنَّ هنالك شيئاً ما لم نفهمه بعد»، كما توضح آني مآتانن.
وكان عالم الفلك والفيزياء الفلكية الأمريكي كارل ساغان عام 1982 تمكن من إقناع البشرية بوجود تهديد شتاء نووي، بعد أن راقب سحب الغبار المعلقة فوق سطح المريخ وهي تمتص ضوء الشمس. وحالياً، يضاف إليه تهديد الاحترار، الذي ينبغي توقعه وإثباته. وهنا أيضاً عيون علماء مناخ الأجرام السماوية مصوبة نحو الكواكب الأخرى.