نواف الناصر
لم يكن اجتماع قادة دول العالم في مقر منظمة الأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر الماضي مجرد محفل عالمي معني بالقضايا السياسية والأمنية والاقتصادية فحسب، أو منتدى للقاءات البروتوكولية بينهم فقط؛ بل كان أيضا مناسبة لإظهار تعاونهم في مجال يهم البشرية جمعاء، وهو ميدان الصحة.
ففي تلك القمة العالمية أبدى قادة العالم اهتماماً غير مسبوق بمسألة الحد من انتشار الأمراض التي تسببها الميكروبات المقاومة للأدوية. وأعلنوا التزامهم بتبني منهجية واسعة ومنسقة لمعالجة المسببات الأساسية لمقاومة مضادات الميكروبات في العديد من المجالات، ولاسيما الصحة البشرية والصحة الحيوانية والزراعة. وتعد هذه هي المرة الرابعة التي تتبنى فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة مسألة تتعلق بالصحة (كانت المرات الأخرى تتعلق بفيروس اتش أي في المسبب لمرض الإيدز، والأمراض غير المعدية، والإيبولا).
إعلان سياسي
وتعليقا على ذلك الموقف العالمي قال رئيس الدورة الحادية والسبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة بيتر طومسون: إن مقاومة مضادات الميكروبات تهدد تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتتطلب استجابة عالمية، لذا وافقت الدول الأعضاء في المنظمة على إعلان سياسي قوي يوفر أساساً جيداً للمجتمع الدولي للمضي قدما، إذ لا يمكن لدولة واحدة أو قطاع أو منظمة مواجهة هذه القضية بمفردها.
وفي ذلك المشهد الأممي الذي ينظم سنويا أعادت الدول التأكيد على التزامها بتطوير خطط عمل على المستوى الوطني لمواجهة مشكلة مقاومة مضادات الميكروبات، استناداً إلى (خطة العمل الدولية لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات)، وهي الخطة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية بالتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) والمنظمة العالمية لصحة الحيوان في عام 2015.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن هذه الخطط تعد ضرورية لفهم الحجم الكامل للمشكلة ووقف إساءة استخدام الأدوية المضادة للميكروبات، فيما يتعلق بالصحة الإنسانية والصحة الحيوانية والزراعة. وقد أدرك قادة دول العالم ضرورة وجود أنظمة أقوى لمراقبة الأمراض المقاومة للأدوية وحجم مضادات الميكروبات المستخدمة في الصحة البشرية وصحة الحيوان والمحاصيل وزيادة التعاون والتمويل الدوليين.
وتعهد قادة دول العالم أيضا بتعزيز القوانين التي تحكم مضادات الميكروبات، وتحسين المعرفة والوعي والتشجيع على اتباع أفضل الممارسات، وتعزيز الأساليب المبتكرة، واستخدام بدائل لمضادات الميكروبات واللجوء الى تقنيات جديدة للتشخيص والتطعيم.
تهديد للأمن
وتعقيباً على ذلك الإجماع الدولي قالت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية مارغريت تشان: تشكل مقاومة الميكروبات تهديداً كبيراً على صحة البشر والتنمية والأمن. ويجب ترجمة التعهدات التي قطعها قادو دول العالم إلى خطوات سريعة وفعّالة ومنقذة للحياة في مجال الصحة البشرية وصحة الحيوان والصحة البيئية. إلا أن الوقت يدهمنا، وعلينا أن نكثف جهودنا في هذا المجال.
وترى منظمة الصحة العالمية أنه بات من الصعب معالجة الأمراض الشائعة التي تهدد الحياة، مثل التهاب الرئة والسيلان والالتهابات التي تعقب العمليات الجراحية، وكذلك فيروس إتش آي في والسل والملاريا، بسبب مقاومة مضادات الميكروبات. وإذا لم يتم التصدي لمقاومة مضادات الميكروبات فقد يكون لها انعكاسات خطيرة على الأمن الاجتماعي والصحي وعلى الاقتصاد من شأنها تقويض تطور الدول وتنميتها بشكل كبير. وإن المستويات العالية لمقاومة مضادات الميكروبات التي نراها حاليا في العالم هي نتيجة الإفراط في استخدام المضادات الحيوية وغيرها من مضادات الميكروبات واساءة استخدامها عند البشر والحيوانات، إضافة إلى انتشار مخلفات هذه الأدوية في التربة والمحاصيل والمياه. وفي السياق الأوسع لمقاومة مضادات الميكروبات، فإن مقاومة المضادات الحيوية تعد أكبر الأخطار العالمية وأكثرها إلحاحاً وتتطلب اهتماماً على المستويين الوطني والدولي.
أخطار غذائية
وتعليقاً على ذلك، قال المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة الدولية (فاو) جوزيه غرازيانو دا سيلفا: «إن مقاومة مضادات الميكروبات مشكلة لا تقتصر على مستشفياتنا، بل تتعداها إلى مزارعنا وطعامنا. ويجب على قطاع الزراعة أن يتحمل حصته من المسؤولية سواء باستخدام مضادات الميكروبات بطريقة مسؤولة، أو بخفض الحاجة إلى استخدامها من خلال الحفاظ على نظافة المزارع بشكل جيد».
أما المديرة العامة للمنظمة العالمية لصحة الحيوان الدكتورة مونيك إيلوا فقالت إن «توافر المضادات الحيوية الفعالة والتي يسهل الحصول عليها مهم جداً لحماية صحة الحيوان وللطب البيطري الجيد بنفس أهميته لصحة البشر. وإنني أدعو السلطات في كل الدول إلى تقديم الدعم القوي لجميع القطاعات المعنية من خلال تشجيع الاستخدام المسؤول والحكيم وتطبيق الممارسات الجيدة والمعايير والقواعد المعروفة».
وخلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة دعا قادة دول العالم إلى الاستخدام الأفضل للأدوات المتوافرة والقليلة التكلفة للوقاية من الأمراض التي تصيب البشر والحيوانات، ومنها التطعيم، وتوفير المياه الآمنة والصرف الصحي، ومراعاة النظافة الجيدة في المستشفيات ومزارع الحيوانات، وضرورة تطبيق الأنظمة التي تضمن الاستخدام المناسب للمضادات الحيوية.
وشددت دول العالم على ضرورة توفير المزيد من الحوافز للاستثمار في البحث والتطوير بغية إيجاد أدوية جديدة فعالة وقليلة التكلفة، وإجراء الاختبارات التشخيصية السريعة، وغير ذلك من العلاجات المهمة للاستعاضة عن الأدوية التي بدأت تفقد قوتها العلاجية.
ورأت أن توفير المضادات الحيوية بأسعار معقولة يجب أن يكون أولوية عالمية، مع الأخذ في الاعتبار حاجات جميع الدول.