فوزية سليم رضوان أحمد
إذا كان متحف اللوفر الفرنسي يعد فجر الافتتاحيات الثقافية في عصر النهضة الأوروبي، فإن متحف اللوفر في أبو ظبي هو نصب التسامح العربي، وترجمان روح الانفتاح والحوار بين ثقافات العالم المتحضر.
ويسلط اللوفر في أبو ظبي الضوء على أوجه التشابه والقواسم المشتركة للتجربة الإنسانية عبر مختلف الحضارات والثقافات، عبر مجموعة مقتنيات وأعمال معارة تروي قصصاً من مختلف الحقب التاريخية التي مرت بها البشرية. وتضم هذه المجموعة أعمالاً متنوعة بداية من القطع التاريخية وصولاً إلى الأعمال التكليفية العصرية المصممة للمتحف حصرياً، لتبرز موضوعات وأفكاراً مشتركة تعكس بمجملها أوجه التشابه والتبادل بين الثقافات والحضارات المختلفة حول العالم، متجاوزة بذلك الحدود التاريخية والجغرافية.
ويُعد المتحف الذي افتتح في نوفمبر عام 2017 صرحاً ثقافياً فريداً من نوعه، حيث يصنفه الخبراء في مقدمة المشروعات الثقافية الأكثر طموحاً في العالم في أوائل القرن الحادي والعشرين. وقد صمم المتحف الفرنسي جان نوفل، وجرى تأسيسه بموجب اتفاقية بين الإمارات وفرنسا ليكون متحفا شاملا مع استعارة اسم «اللوفر» للمتحف العالمي الشهير في باريس، وليصير متحفنا العربي حلقة ثقافية تصل بفاعلية بين الفن الشرقي والفن الغربي. ومبنى متحف اللوفر في أبو ظبي يمثل لبنة معمارية داخل مجمع سياحي وثقافي، يضم ثلاثة متاحف أخرى هي: متحف جوجنهايم أبوظبي، ومتحف زايد الوطني، ومتحف أبوظبي للفنون الاستعراضية «دار المسارح والفنون المعمارية».
درة جمالية
لقد كان اللوفر الفرنسي، عمارة وهندسة وتقانة وتنظيما وإدارة داخليا وخارجيا، الإلهام الذي جال في مخيلة أصحاب القرار السياسي العلمي الفني في أبو ظبي لمحاكاة ذلك النصب علما وعملا. وفي جزيرة السعديات بأبو ظبي، صُمم المتحف على شكل مدينة مصغرة تشبه أرخبيلا في البحر وتضم 55 مبنى أبيض استوحيت من تصاميم المنازل المنخفضة في الهندسة العربية التقليدية. وتتضمن المساحات الداخلية قاعات العرض والمعارض التي تحتوي على نحو 600 تحفة فنية، فضلا عن 300 عمل فني مُعار من مؤسسات ثقافية فرنسية، إضافة إلى معارض مؤقتة ومتحف للأطفال. يضم المتحف 23 صالة عرض دائمة تقدم تحفا فنية تروي قصصا من الحقب التاريخية المختلفة التي مرت بها البشرية وصولا إلى الوقت الحاضر في 12 سلسلة متنوعة.
تغطي القبة العملاقة معظم أجزاء المتحف، وتتوج بمظهرها المهيب أفق المتحف للناظر إليه من البحر والمناطق المحيطة به ومدينة أبوظبي في تشكيل شمولي مبدع. وهي تتكون من ثماني طبقات، أربع منها مصنوعة من الحديد الصلب، وأربع طبقات أخرى داخلية يفصلها هيكل فولاذي مرتفع. وتتألّف قبة المتحف من 85 قسما، وتغطيها أشكال هندسية بأحجام مختلفة، تسمح بدخول أشعة الشمس من خلالها عبر فتحات تذكر بانسياب النور من بين الأوراق المسننة لسعف أشجار النخيل. والقبة استمدها المصمم العالمي جان نوفيل من البيئة التراثية في الإمارات ومن ظلال أشجار النخيل في الواحات، ليصنع منها ما يشبه المظلة التي تسمح بدخول أشعة الشمس نهاراً، وفي المساء تتلألأ النجوم التي يضمنها تصميم القبة بالضوء لتبدو القبة مثل سماء مرصعة بالنجوم تطفو على سطح المياه التي تحيط بها.
رحلة بين الحضارات
ويأخذ المتحف الزوار في رحلة فريدة تسلط الضوء على الحضارات الإنسانية وتاريخ البشرية، بدءاً من عصور ما قبل التاريخ وحتى يومنا هذا. ويضم المتحف مجموعة مقتنيات وأعمالا معارة من أعرق المتاحف في فرنسا، تستمد أهميتها من بعدها التاريخي والثقافي والاجتماعي، وتروي قصصاً من مختلف الحقب التاريخية التي مرت بها البشرية. ويضم المتحف مئات الأعمال الفنية بين اكتشافات أثرية وفنون زخرفية ومنحوتات، إضافة إلى مخطوطات قديمة تعود لمختلف الديانات. ويثري المتحف مجموعته الدائمة من خلال استعارة أعمال فنية من العديد من المتاحف الشهيرة، ويضم صالات عرض فنية عدة. والبعد الروحي والفلسفي حاضر بقوة في بناء المتحف، كون مبناه بمثابة فضاء مريح يتسم بالنقاء الفني، تحميه القبة من أشعة الشمس الحارة كما تحمي أشجار النخيل الناس في الواحات، في حين تبدو القبة مثل نافذة نحو الفضاء، كما أنه يمثل جسراً بين الثقافات والفنون، وحواراً متواصلاً في الفنون والتاريخ على مستوى العالم.
اللوفر
«اللوفر» معناها قصر الذئب ولا يعرف أساس هذه التسمية. ومتحف اللوفر الفرنسي في باريس يمثل أكبر صالة عرض للفن العالمي. كان المتحف في أصله قلعة بناها فيليب أوغوست عام 1190 ، ثم تحولت إلى قصر ملكي، وكان آخر من اتخذه مقراً رسمياً لويس الرابع عشر الذي غادره إلى قصر فرساي عام 1672. وصار القصر متحفا خاصا ثم أضحى متحفاً قومياً لتعرض فيه روائع فرنسا وافتتح عام 1793. والمتحف مقسم إلى أجزاء عدة حسب نوع الفن وتاريخه. وهي تحوي أكثر من مليون قطعة فنية. ويضم مجموعة رائعة من الآثار الإغريقية والرومانية والمصرية ومن حضارة بلاد الرافدين يبلغ عددها 5664 قطعة أثرية، إضافة إلى لوحات وتماثيل يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر الميلادي. واللوفر اليوم جامعة ثقافية ومرجع أثري وتاريخي يتقدم جل متاحف العالم.