م. سلطان إبراهيم الخلف
تعد فيزياء الكّم فرعا جديدا من علم الفيزياء يختلف عن الفيزياء التقليدية في كونه يتعامل مع الجسيمات المتناهية الصغر، كالذرات ومركباتها المختلفة من إلكترونات وبروتونات وغيرها من الجسيمات الصغيرة التي لا تنطبق عليها قوانين الفيزياء التقليدية التي تتعامل مع الأجسام الكبيرة. وصادف شهر ديسمبر 2000 الاحتفاء بالذكرى المئوية للاكتشاف العظيم الذي شهده علم الفيزياء، ألا وهو الكمّ
The Quantum, حيث علّق على هذه المناسبة الفيزيائي المتخصص في فيزياء الكم جون ويلر بهذه العبارة: «الكم مفخرة وعيب؛ مفخرة لأنه لا يوجد فرع من فروع الفيزياء لم يضئه الكّم. وعيب لأننا لم ندرك بعد ماهيّة الكمّ».
يعتبر ويلر من المدافعين بشدة عن نظرية الكّم التي يصعب على الإنسان استيعابها بسهولة. وقد أشار إلى هذه الحقيقة أحد مؤسسي نظرية الكّم الفيزيائي وهو نيلز بور بقوله: «الشخص الذي لا يصدم بنظرية الكّم لم يفهمها»؛ ذلك أن الإلكترون يمكن أن يعامل كموجة أو كجسيم، كما أن مبدأ عدم اليقين Uncertainty Principle والاحتمال Probability من الأسس التي تعتمد عليها نظرية الكّم، حتى دفع بعالم شهير مثل آينشتاين صاحب نظرية النسبيّة إلى عدم التحمّس لنظرية الكمّ، لكن لولا نظرية الكمّ لما خطا علم إلكترونيات المادة الجامدة أو أشباه الموصلات خطوات واسعة ساهمت في انبثاق العصر الرقميّ الذي أصبح سمة مميزة من سمات حياتنا المعاصرة.
الألماني بلانك
ويرجع الفضل في ميلاد فيزياء الكمّ إلى عالم الفيزياء الألماني ماكس بلانك الذي تمكّن في عام 1900 من تفسير المنحنى الناتج من قياسات مختبرية دقيقة، توضح العلاقة بين الطاقة الحرارية المنبعثة من الجسم (E) وتردّد إشعاعه (f) عندما يكون الجسم في حالة اتزان حراري بعد تسخينه في فرن عند درجة حرارة ثابتة، وهو ما يعرف بظاهرة إشعاع الجسم الأسود، حيث توصّل إلى أن شدة الإشعاع الحراري للجسم الأسود تتناسب طردياً مع تردد المذبذبات الكهربائية (قبل اكتشاف الذرات) الكامنة في الجسم والتي تصدر موجات كهرمغنطيسية، وأن خط المنحنى ليس خطاً متصلاً بل عبارة عن قيم منفردة للطاقة المنبعثة من المذبذبات. وقد استطاع تحديد الطاقة المنبعثة من المذبذب وفق المعادلة (…..E = n h f , n=1,2,..) حيث (h) هو ثابت قيمته 6.26×10-3 erg.s أطلق عليه فيما بعد ثابت بلانك ويستخدم في العديد من الصيغ الرياضياتية لفيزياء الكّم.
وحسب المعادلة فإن كل مذبذب يشعّ كمّات محددة من الطاقة عند تردّد معين وفق الأعداد الصحيحة التي تمثلها (n). وفسّر بلانك تلاشي شدة الإشعاع على جانبي المنحنى بضآلة عدد المذبذبات المثارة عند الترددات العالية أو فوق البنفسجية، في حين تنشط المذبذبات المثارة عند الترددات المنخفضة أو تحت الحمراء، لكن يرجع ضعف شدة إشعاعها إلى تردداتها المنخفضة، أما وسط المنحنى فتمثله الأعداد الكبيرة من المذبذبات المثارة التي تبلغ أقصى شدّة إشعاع لها عند التردد الذي يقابل قمّة المنحنى والذي يعكس لون الجسم الأسود كما تراه العين.
وما توصل إليه بلانك كان مغايراً لتفسير الفيزياء الكلاسيكية التي ترى أن شدّة الإشعاع المنبعث من الجسم الأسود تزداد باطراد عند الترددات العالية أو فوق البنفسجية، وهو ما أطلق عليه بـ (كارثة فوق البنفسجية) التي يصعب قبولها بسبب تناقضها مع النتائج المختبرية الدقيقة، وبذلك تكون الفيزياء التقليدية أخفقت في تفسير ظاهرة الجسم الأسود.
كما أخفقت الفيزياء التقليدية في تفسير الظاهرة الكهرضوئية، إذ اعتبرت أن طاقة الإلكترونات المنبعثة من الصفيحة المعدنية تزداد مع زيادة شدة الضوء الساقط عليها، وعجزت عن تفسير توقف انبعاث الإلكترونات من الصفيحة عندما يقل تردّد الضوء الساقط عليها عن الحد الأدنى للتردد الذي يبدأ عنده الانبعاث.