لم تكف نواة الأرض الداخلية الصلبة، التي اكتشفت للمرة الأولى عام 1936، عن مفاجأة العلماء. هل ترتحل بلوراتها من الغرب إلى الشرق؟ هل تحوي في داخلها لباً آخر؟ الفرضيات موجودة؛ لكن التوافق صعب فيما بينها.
نواة الأرض الداخلية الصلبة (لب الأرض الداخلي) graine أتونٌ حقيقي: 5400 درجة مئوية، أي ما يساوي حرارة سطح الشمس تقريباً! والضغط السائد فيها ساحق، أعلى بملايين المرات من مثيله عند مستوى سطح البحر! قلب كوكبنا هذا، على عمق نحو 6000 كم تحت أقدامنا، خاضع لشروط صارمة إلى درجة تتحدى معها في الوقت نفسه خيالَ المنظرين وأدوات التجريب، التي يشق عليها محاكاتها في المختبرات. وتراودنا أحياناً الرغبة في أن نعرف المزيد عن هذا اللب الداخلي من خلال دراسة أجرام بعيدة عنا عدة سنوات ضوئية، عوضاً عن معرفتها في مملكة الأعماق الغريبة هذه، القريبة جداً، لكن التي يتعذر مع ذلك الوصول إليها. إلا أنَّه جرى خلال القرن العشرين تطوير العديد من وسائل رصد مركز الأرض إلى حد كبير نتيجة الدراسات التي أنجزت على الهزات الأرضية. في الواقع، الهزات الأرضية هي القنوات الوحيدة القادرة على الوصول إلى هذه الأعماق الأرضية، ثم العودة إلى السطح محملة برسالة تُفك رموزُها وتسجلها مراسمُ الزلازل.
بنية صلبة
وهذه الموجات هي التي أتاحت لعالمة الزلازل الدنماركية إنجي لمان Inge Lehmann (1993 – 1888) أن تفترض للمرة الأولى عام 1936 وجود بنية صلبة في مركز الأرض، لاحظت أن بعض هذه الموجات تنقسم، بعد اجتيازها الوشاح والنواة الخارجية السائلة، ويتابع قسم منها مساره ضمن طبقة مركزية تكون سرعتها فيها أعلى، في حين تنعكس الأقسام الموجية الأخرى باتجاه السطح.
استنتجت من ذلك وجود نواة داخلية صلبة في قلب النواة الخارجية السائلة، هذه الفرضية التي أكب عليها الجيوفيزيائيون قرابة 30 سنة كي يؤكدوها، وقد باتت اليوم حقيقة ثابتة: تتبوأ كرةٌ حديدية صلبة، دائرية تقريباً، بقطر 2440 كم، قلبَ الأرض.
وليست هذه كرة خاملة! تكشف الرسائل التي تزودنا بها مراسم الزلازل عن ظواهر غريبة تحدث فيها. أولاً، تتضخم النواة الداخلية بمعدل نصف مليمتر واحد سنوياً. بعد ذلك، ومن خلال مقارنة موجات تجتاز الأرض عبر هذه النواة الداخلية بموجات أخرى لا تمر إلا عبر النواة السائلة، اتضح لعلماء الزلازل أن تلك التي تعبر النواة الداخلية تكون أضعف بكثير عند خروجها منها مقارنة بتلك التي لا تعبر سوى النواة السائلة. إذاً، فالنواة الداخلية تخفف من سعة الموجات إلى حد كبير. إنها ظاهرة مدهشة، إذ نتوقع أن تتخفف سعة الموجة جداً عبر السائل وأن تنتقل جيداً عبر الصلب.
موجات مخففة!
لا تخفف النواة الداخلية الموجات بالطريقة نفسها في كل مكان منها! وتكون الموجات أكثر تخففاً بكثير حين عبورها طبقة رقيقة (بثخانة 100 كم) في النصف الشرقي من كرة النواة الداخلية (تحت إندونيسيا)، عند الحدود الفاصلة مع النواة السائلة، وذلك قياساً إلى النصف الغربي (تحت القارة الأمريكية).
وهناك عنصر غريب آخر؛ حيث لاحظ اختصاصيو النواة الخارجية السائلة، عند الحدود بينها وبين النواة الداخلية، وجود طبقة سائلة أكثر كثافة تبطئ الموجات الزلزالية بشكل غير معتاد عند ثخانة تراوح بين 150 و 250 كم.
ومن المرجح أن هذه الطبقة مركبة من الحديد ومن كمية ضعيفة جداً من عناصر خفيفة، وقد أربكت العلماء الذين يسعون جاهدين لشرحها. مع ذلك، رأت نظرية حديثة أنها النتيجة المباشرة لنمو النواة الداخلية. ووفقاً لأبحاث حديثة ، فقد تكون النواة الداخلية في حالة تجدد دائم: تتصلب عند حافات أحد نصفي هذه الكرة وتنصهر في الجانب الآخر. ذلك أن بلورات الحديد متحركة باستمرار بالانتقال من هذا النصف الأول إلى الثاني. ويقول الفرنسي تييري ألبوسيير مطور هذه الفكرة الثورية، التي نشرت عام 2010: إن الحديد يتبلر من الجهة الغربية، تحت دولة البيرو. وترتحل البلورات بعدئذ نحو الشرق، حيث تتضخم شيئاً فشيئاً كلما تقدمت. وعند وصولها إلى حافة نصف كرة النواة الداخلية الشرقي، تحت إندونيسيا، تنصهر من جديد، مطلقةً سائلاً من تركيبة النواة الداخلية نفسها، وهو أفقر في العناصر الخفيفة من بقية النواة وبالتالي أشد كثافة.
إن هذا النموذج، المسمى «الانتقالي» مثير للاهتمام، لاسيما أنه يتساوق وملاحظات حول أجزاء أخرى من الأرض.